أكد مؤتمر القدس "صمود وتنمية"، أن القضية الفلسطينية العادلة، وفي القلب منها القدس الشريف، ستبقى القضية المركزية للأمة العربية وللأحرار والمتمسكين بالقانون الدولي وحقوق الإنسان والعدل والمساواة حول العالم.
وشدد المؤتمر، في بيانه الختامي، على أنه لن يتحقق السلام العادل والشامل والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، إلا بعد أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وغير القابلة للتصرف، وعلى رأسها حق العودة والتعويض وتقرير المصير والاستقلال، وزوال الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وتجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس، ومطالبة جميع دول العالم بالتضامن مع نضال الشعب الفلسطيني والانتصار لقضيته العادلة، والاعتراف بدولة فلسطين ومنحها حقها بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
ودعا المجتمع الدولي للتحرك العملي لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني ومواجهة العدوان الإسرائيلي المتواصل عليه بأشكاله كافة، بما فيها الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، ونظام الفصل العنصري والإجراءات التمييزية، ومطالبة مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته نحو التنفيذ الفعلي لقراراته ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، بما فيها قرارات 242 و338 و1515 و2334، والعمل على وقف السياسات والممارسات الإسرائيلية غير القانونية بحق الشعب الفلسطيني، وإزالة المستوطنات غير القانونية وجدار الضم والتوسع، والتي تمثل جميعها انتهاكات للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة واتفاقية جنيف الرابعة والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر بتاريخ 9/7/2004.
وأكد أن جميع السياسات والخطط الإسرائيلية الممنهجة وغير القانونية، التي تهدف إلى إضفاء الشرعية على الضمّ الإسرائيلي الباطل واللاغي لمدينة القدس الشرقية، ﻭﺘشويه هويتها العربية، وتغيير تركيبتها الديموغرافية وتقويض النمو السكاني والعمراني لأهلها، وعزلها عن محيطها الفلسطيني، بما في ذلك تكثيف سياسة هدم المنازل والتهجير القسري للمواطنين من أحياء وبلدات مدينة القدس المحتلة، بمن فيهم أهالي بلدة سلوان وحي الشيخ جراح وباقي أحياء ومناطق المدينة، ضمن حملة إسرائيلية ممنهجة للتطهير العرقي وتثبيت نظام الفصل العنصري، إنما هي انتهاكات فاضحة للقرارات الدولية ذات الصلة، بما فيها قرارات مجلس الأمن 252 (1968) و267 (1969) و476 و 478 (1980).
وشدد على ضرورة حماية الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، ووقف المحاولات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في مدينة القدس وفي المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، ومحاولات تغيير مسماه، وتقسيمه زمانياً ومكانياً، وتقويض حرية صلاة المسلمين فيه، والسعي إلى تقويض أساساته وتزوير تاريخه من خلال الحفريات الإسرائيلية تحته، والإدانة الشديدة للاقتحامات المتكررة والمتصاعدة للمسجد الأقصى المبارك والاعتداء على حرمته والمصلين الآمنين فيه من قبل مسؤولي حكومة الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين المتطرفين، والتأكيد على رفض الإجراءات الإسرائيلية الممنهجة وغير القانونية لتقويض الكنائس وإضعاف الوجود المسيحي في المدينة المقدسة، والتحذير من أن هذه الانتهاكات الجسيمة للوضع القانوني والتاريخي القائم لمقدسات مدينة القدس، تشكل مخالفات خطيرة للاتفاقات والالتزامات الدولية ذات الصلة وستكون لها تبعات وانعكاسات خطيرة على الأمن والسلم الدوليين.
وطالب بتنفيذ القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، الصادرة عن الأمم المتحدة، والمجلس التنفيذي لليونسكو، ولجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو، والتي أكدت على أن المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف بكامل مساحته البالغة 144 دونماً هو مكان عبادة خالص للمسلمين فقط، وجزء لا يتجزأ من مواقع التراث العالمي الثقافي. وأكد على سيادة دولة فلسطين على مدينة القدس ومقدساتها، وعلى دعم الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ودورها في حماية هويتها العربية الإسلامية والمسيحية، ودورها في الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها، وعلى أن إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك الأردنية، هي الجهة الشرعية الحصرية صاحبة الاختصاص بإدارة شؤون المسجد الاقصى المبارك وصيانته وتنظيم الدخول إليه.
كما طالب المجتمع الدولي بتحمل المسؤوليات القانونية والأخلاقية والإنسانية من أجل الوقف الفوري للمشاريع الاستيطانية الإسرائيلية في مدينة القدس، بما فيها ما يُسمى بمخطط مركز مدينة القدس ومشروع واجهة القدس ومشروع "وادي السيليكون" ومشروع "مدينة داود"، ومشروع "المنطقة الصناعية" في العيسوية، ومشروع القطار الهوائي للمستوطنين، ومشروع تسوية العقارات والأملاك في المدينة، والقوانين العنصرية الإسرائيلية التي تخول سلطات الاحتلال بسحب بطاقات هوية آلاف المقدسيين، والاستيلاء على ممتلكاتهم من خلال ما يُسمى بـ "قانون أملاك الغائبين"، مضيفا أن هذه الإجراءات العنصرية الباطلة تهدف إلى سلب المزيد من الأراضي والعقارات الفلسطينية في البلدة القديمة ومحيطها، ومحو الآثار العربية في مدينة القدس المحتلة.
وأدان ورفض السياسة الإسرائيلية الممنهجة لتشويه وتغيير الثقافة والهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس، سواء من خلال إغلاق المؤسسات الوطنية والثقافية الفلسطينية ومحاولات السطو على التراث الفلسطيني، أو من خلال محاولات تغيير المناهج التعليمية الفلسطينية في مدينة القدس، وفرض مناهج مُحرّفة بدلاً منها، بما في ذلك الاعتداء على الطلبة والمدرسين وتطبيق سياسة الحبس المنزلي على الأطفال، وفرض عقوبات مالية وإدارية على المؤسسات التعليمية الفلسطينية التي لا تنصاع لهذه السياسة الخبيثة، تصل إلى حد إغلاقها.
كما أدان سياسة الاعتقال التعسفي والإداري الإسرائيلي، والحرمان من العلاج والإهمال الطبي المتعمد القاتل للأسرى، معربا عن دعمه لنضال الأسرى لتحقيق حريتهم.
وطالب المؤسسات والهيئات الدولية والحقوقية المعنية، بالتدخل العاجل لإلزام حكومة الاحتلال بتطبيق القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية حقوق الطفل، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والضغط على إسرائيل للإفراج الفوري عن جميع الأسرى والمعتقلين وجثامين الشهداء، ووقف سياسة الإبعاد والإقامة الجبرية، والحبس المنزلي التي تمارسها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بشكل واسع وممنهج ضد أطفال ونساء القدس، بهدف زرع الخوف في وعيهم وتدمير مستقبلهم.
وأعلن رفض أي قرار يخرق المكانة القانونية لمدينة القدس الشريف بما يشمل فتح أي مكاتب أو بعثات دبلوماسية في المدينة، ما يشكل خرقاً لقراري مجلس الأمن رقم 476 و438 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ES-10/19، وعدواناً على حقوق الشعب الفلسطيني، واستفزازاً لمشاعر الأمة العربية بمسلميها ومسيحييها، وخرقاً خطيراً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصِّلة.
ورحب بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 77/247 والقاضي بطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول ماهية وجود الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي على أرض دولة فلسطين، والآثار المترتبة على هذا الوجود، والممارسات غير القانونية المرتبطة به.
وحث الدول الأعضاء وجميع الدول المتمسكة بقيم العدالة ومبادئ القانون الدولي على مساندة دولة فلسطين في هذا المسعى، من خلال تقديم مرافعات قانونية خطية للمحكمة حتى تاريخ 25/7/2023، ومرافعات أخرى شفوية وفق إعلان المحكمة.
وحث المحكمة الجنائية الدولية على إنجاز التحقيق الجنائي، ومساءلة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، بما فيها جرائم الاستيطان والضم، والعدوان والحصار المتواصل على قطاع غزة، والإعدام الميداني المتعمد للمدنيين والصحفيين والمسعفين، والتهجير القسري.
وطالب المجتمع الدولي بتوفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين، وتنفيذ قراري مجلس الأمن رقم 904 (1994) ورقم 605 (1987)، وقرار الجمعية العامة رقم 20/10-ES/RES/A (2018)، وحث دول ومؤسسات المجتمع الدولي على المشاركة في حماية المدنيين الفلسطينيين وتشكيل آلية فعالة لتنفيذ ما جاء في قرار الجمعية العامة وتقارير الأمين العام للأمم المتحدة، التي تضمنت خيارات قابلة للتطبيق لحماية المدنيين الفلسطينيين.
وأعلن البدء، من خلال هذا المؤتمر بتنفيذ قرار مجلس جامعة الدول العربية على مستويي القمة والوزاري، في دوراته المتعاقبة، بتشكيل لجنة استشارية من خبراء القانون الدولي في إطار جامعة الدول العربية، بهدف دعم الجهود والمساعي الفلسطينية الهادفة إلى إنصاف الشعب الفلسطيني ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الحالية والتاريخية المرتكبة بحقه، عبر آليات العدالة الدولية، وتقديم المشورة القانونية والمساندة الفنية والمالية اللازمة لهذه المساعي.
وأكد على المسؤولية العربية والإسلامية الجماعية تجاه القدس، ودعوة جميع الدول والمنظمات والصناديق العربية والإسلامية ومنظمات المجتمع المدني إلى ترجمة الدعم السياسي إلى تدخلات عملية تشمل توفير الدعم والتمويل اللازم في مجالي التنمية والاستثمار، لتنفـيذ المشـروعات الواردة في إطار التدخلات التنموية 2023-2025 (ملف المشاريع) الذي قدّمـته دولـة فلسطين للمؤتمر، وفق خطتها التنموية القطاعية التي تهدف لإنقاذ المدينة المقدسة وحماية مقدساتها وتعزيز صمود أهلها ومؤسساتها، في مواجهة الخطط والممارسات الإسرائيلية لتهويد المدينة وتهجير أهلها.
ودعا إلى تشجيع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بالشراكة مع صناديق الاستثمار والقطاع الخاص العربي، لتأسيس آلية تمويل تطوعية مشتركة في إطار جامعة الدول العربية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الهادفة إلى تعزيز صمود أهل القدس في مدينتهم، وتمكينهم من مواجهة السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى تقويض وجودهم في القدس وتهجيرهم منها.
كما دعا إلى وضع الآليات اللازمة لتنفيذ قرار الدورة 31 لقمة الجزائر العربية، بخصوص التبرع بقيمة أصغر عُملة نقدية محلية تُضاف على فاتورة الهاتف الثابت والمحمول لمشتركي الخدمة في الدول العربية.
وثمن الدور الأردني في رعاية وحماية وصيانة المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، في إطار الوصاية الهاشمية للملك عبدالله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وتثمين دور لجنة القدس برئاسة الملك محمد السادس، ملك المملكة المغربية، وتثمين الجهود التي تبذلها وكالة بيت مال القدس التابعة لها، وتوجيه التقدير للجهود التي تبذلها الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، دعما للقضية الفلسطينية، من خلال المواقف السياسية التاريخية والدعم المالي المستمر لموازنة دولة فلسطين، والتقدير للمملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وما تقدمه من دعم للأوقاف الإسلامية بمدينة القدس، وتوجيه التقدير لجمهورية مصر العربية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي على دورها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، وتوجيه التقدير لكل الجهود العربية الهادفة للحفاظ على مدينة القدس، عاصمة دولة فلسطين، وهويتها العربية الإسلامية والمسيحية، ومقدساتها وتراثها الثقافي والإنساني، ودعم مؤسساتها في مواجهة سياسات الاستيطان والتهويد والتزوير الإسرائيلية الممنهجة.
ووجه الشكر والتقدير للأمانة العامة لجامعة الدول العربية، على العمل المخلص والناجح لعقد مؤتمر القدس رفيع المستوى، وتوفير كل السبل الضرورية لإنجاحه ومتابعة نتائجه.
ودعا الأمين العام لجامعة الدول العربية للعمل على اعتماد أعمال ونتائج مؤتمر القدس رفيع المستوى، في الدورة القادمة لمجلس جامعة الدول العربية.
ويأتي عقد المؤتمر استنادا إلى قرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، الدورة (31) التي عُقدت بمدينة الجزائر في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية يومي 1 و2/11/2022 (قرار رقم 781)، والذي نصّ على عقد مؤتمر رفيع المستوى لدعم مدينة القدس، عاصمة دولة فلسطين، بهدف حمايتها ودعم صمود أهلها، على المستوى السياسي والقانوني والتنموي، في مواجهة السياسات والممارسات الإسرائيلية العدوانية الممنهجة التي تستهدف المدينة وأهلها.
وعُقد مؤتمر القدس رفيع المستوى تحت شعار "صمود وتنمية"، في مقر جامعة الدول العربية بحضور ومشاركة الرئيس محمود عباس، والملك عبد الله الثاني، والرئيس عبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى وفود رفيعة المستوى من قادة الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، وممثلين رفيعي المستوى عن منظمات وتجمعات دولية وإقليمية وعربية، بما فيها الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وحركة عدم الانحياز ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، والأزهر الشريف ومجموعة من رجال الدين والنواب والوكالات والصناديق والاتحادات والشخصيات الاعتبارية والمنظمات الأهلية ورجال وسيدات الأعمال.
ووجه الحضور تحية إكبار لنضال الشعب الفلسطيني الطويل والمستمر من أجل الحرية والاستقلال، واستحضروا القيم الإنسانية والأخلاقية التي بني عليها ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان والقرارات الدولية والعربية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
واستمع الحضور، خلال الجلسة الافتتاحية والسياسية، إلى كلمات الدول الأعضاء والضيوف، واستكملت أعمال المؤتمر في مسارين متوازيين: قانوني واقتصادي (تنموي استثماري)، تناول المسار القانوني المحاولات الإسرائيلية المحمومة لتغيير الوضع القانوني والتاريخي القائم في القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، والاستيطان والتهجير القسري، وسياسات التهويد والهيمنة وأسرلة المناهج التعليمية في القدس، وقضية الأسرى والأطفال وإنصافهم. وتناول المسار الاقتصادي إمكانيات الاستثمار والتنمية في قطاع الإسكان بالقدس، والنهوض بالقطاعات الحيوية في المدينة وفق الخطط التنموية الإستراتيجية لدولة فلسطين، ومن بينها الصحة والتعليم والإسكان والسياحة والثقافة والشباب والمرأة.