تنفرد إسرائيل عن بقية كل نماذج الدول أن التهديدات التي تواجهها لها صفة وجودية أي تتعلق ببقائها وإنهيارها كدولة . وهذه التهديدات الوجودية ترتبط بظروف نشأة إسرائيل من ناحية ، ومن ناحية ثانية بالتهديدات الجغرافية المكانية ،ومن ناحية ثالثة ترتبط بمكونات الدولة ذاتها، ورابعها بالعقيدة ألأيدولوجية الصهيونية، وبطبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأخيرا بطبيعة التحالفات الدولية التي تحكم علاقات إسرائيل. هذه التهديدات الوجودية وإن برزت اليوم بشكل سريع مع تشكيل الحكومة إسرائيلية ألأكثر تطرفا وتشددا بحكم تركيبتها اليمينية الدينية الصهيونية إلا أنها كانت كامنة في الجسد السياسي لإسرائيل.هذه التهديدات تؤكدها اليوم مراكز البحث ألأمنية وألإستراتيجية في إسرائيل، ويتفق حولها الكثير من المؤرخين والخبراء في الشأن الإسرائيلي. ولعل أكثر هذه التحدذيرات والتي تتساءل هل هناك إنهيار قريب لإسرائيل ، التصريحات التي أطلقها رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ محذرا من إنهيار إسرائيل خلال سنوات مذكرا بدولتي مملكة داوود والحشمونائيم لم تصمدا لأكثر من ثمانين عاما، وذلك بسبب غياب الحوار الذي يمزق المجتمع اليوم .وقوله كلنا قلقون على دولة إسرائيل..غياب الحوار يمزقنا من الداخل ..إن برميل المتفجرات هذا أوشك على الإنفجار.
ولقد أشار معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب بالدراسة هذه الى التهديدات الوجودية والتي يمكن تقسيمها على النحو التالي .
أولا التهديدات الداخلية وهي ألأكثر خطورة على بقاء ووجود إسرائيل. وبالعودة للتركيبة السكانية والسياسية والأيدولوجية يمكن القول أن إسرائيل عانت وتعانى من مشكلة الهوية والإنصهار الكامل بين الجماعات اليهودية المتعددة والتي تشكل أساس المواطنة الواحدة , هذه المشكلة ورغم صدور قانون القومية اليهودية ما زالت قائمة بين الجماعات اليهودية التي تتراواح ما بين الدينية والصهيونية والأثنية واليهود الشرقيين والغربيين , هذه المشكلة بدأت تبرز بشكل يهدد الهوية السياسية الليبرالية التي قامت على أساسها إسرائيل ليحذر الكثيرون أن إسرائيل اليوم أقل ديموقراطية وأقل ليبرالية لدرجة أن الكاتب الصحفي ألأمريكي توماس فريدمان يخاطب الرئيس بايدان بإنقاذ إسرائيل من نفسها. المشكلة الثانية والمتعلقة بتكامل أكثر من خمس السكان وهم العرب داخل إسرائيل والذين يعاملون على أنهم مواطنون اقل ولا يتمتعون بكامل حقوقهم وبرزت هذه المشكلة في كثير من صور العنف الأخيرة . وتبرز اليوم بدرجة أكبر مع تصريحات قيادة الحكومة الجديدة مثل بن غفير الذي يعبر بصراحة عن كراهيته لكل ما هو عربي ويطالب بالتهجير.
التهديد الثاني ويتعلق بمستقبل العلاقة على المستوى الفلسطيني وزيادة إرهاصات الإنتفاضة الثالثة والتي لن تقتصر على الفلسطينيين بل قد يشارك فيها عرب الداخل، إلى جانب ما يتعلق بإستباحة الحرم ألأقصى والتهديد الدائم مما قد يدفع لبروز الحرب الدينية التي قد تجر كل مسلمي العالم.وكذلك الحديث عن مستقبل السلطة وإحتمالات إنهيارها وعودة إسرائيل للقيام بدور السلطة المحتلة .
والتهديد الثالث وهو في راى كثير من الباحثين لا يقل خطورة عن التهديدات الداخلية وهو ما يتعلق بمستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ، وتاريخيا لقد شكلت هذه العلاقات التحالفية الضمان ألأساس لبقاء إسرائيل وحمايتها من أي اخطار وتهديدات خارجية، وحمايتها من أي عقوبات دولية .اليوم هذه العلاقات تتعرض لكثير من الإنتقاد وبروز إتجاهات مناهضة لها حتى داخل الكونجرس الأمريكي .وايضا العلاقة مع يهود العالم وخصوصا في الولايات المتحدة والتحذيرات من إبتعاد إسرائيل عن ليبراليتها.
والتهديد الرابع والذي يشكل تهديدا وجوديا لها، القدرات النووية الإيرانية وتحول إيران لقوة نووية مناهضة ومقابلة لقوة إسرائيل ، وهو ما يعني تقليص المجال الحيوي الإسرائيلي وإنحساره داخل حدوده الجغرافية ،وما تشكله هذه القوة بزيادة قوة القوى الأخرى الداعمة لإيران كحزب الله وحماس والجهاد. وتنامى قواتها بشكل غير مسبوق ، ومن شأن هذا التهديد ان يعمل على إنحسار الهجرة لإسرائيل وتشجيع الهجرة منها مما قد يشكل تهديدا مسقبليا مقارنة بزيادة العنصر السكاني الفلسطيني. وان اي حرب مع إيران قد تجر المنطقة كلها لحرب إقليمية بإمتدادات دولية. هذه التهديدات الوجودية لإسرائيل لن تساعد علاقات السلام مع الدول العربية على توفير الحماية لها، فالسلام مرتبط بإنهاء الصراع على المستوى الفلسطيني وبقيام الدولة الفلسطينية السلمية وإلا البديل الذي يحذر منه الكثيرون توجه إسرائيل نحو الدولة الواحدة وفقدان هويتها اليهودية.