تاء مربوطة تجمع بـين المــرأة وغـزة

ريما
حجم الخط

لدى الدخول الى غزة، يهمس لي شيطاني الصغير: بقدمك اليمين، فأرد عليه: اخلع نعليك فأنت تدخل غزة المرويّة بالدماء.. أفرغ شحنة زائدة من الغضب في وجه الشرطية الفضولية بينما تدس يدها في عمق حقيبتي: اطمئني، ليس بعد عبث الاحتلال بحقيبتي عبث! ثم ما الذي تريدينه من حقيبتي بعد أن مرّت آمنة على معبر الحكومة، انسللت من أمامها وعلامات الاستفهام تتلاعب، بيني وبينها. ماذا أن يكون بلدنا مقسما على نفسه ومشروعه، وماذا أن يكون مستباحا من الاحتلال، وماذا أن يكون ما تبقى من الوطن، مهتلكا ومتهالكاً تحت تأثير ضربات الانقسام.

هذا ما سيبدو لي أكثر وضوحاً في مؤتمر «إنهاء الاحتلال إنهاء العنف».

لم تذكر أوراق العمل أو عنوان المؤتمر أثر الانقسام على زيادة معدلات العنف، لكن الأثر كنت أقيس ارتفاع  حرارته في تجاوزه أبواب المؤتمر المغلقة..ومع كل عناوين الاثر التي يمكن احتسابها عند الله، لكن الأثر الجلي يبدو في الأثر الذي تتلمسه المرأة أكثر من غيرها؛ بسبب وضعها في منزلة شيطانية قادمة من الأساطير والخرافات التي لا سند لها.

غزة، حظ ضنين من الطبيعة، فماذا لو أتى الانسان ليقفل الأبواب أمام ممكنات الاستفادة من الموارد القليلة، وماذا عندما تأتي العصبوية لتقطع الطريق أمام تخفيف قسوة الطبيعة والانسان.

وعندما يكون الانسان امرأة، تعرف انك في دائرة الشبهات والتقييدات، وبأن الحظ العاثر يساوي امرأة غزة، يجمعها التاء المربوطة في نهاية اسميهما.. بقوة مع الماضي. للجامعات في غزة قصة مشوقة تعكس المرجعيات المتصارعة، تطويع الجامعة لتخدم الأجندات العقائدية، نظام يضع خيار المواطن على الرفوف، مسقطاً عليه خيارا غير متفق عليه بين القوى السياسية والاجتماعية..في الجامعات نرى انعكاس الواقع المنقسم سياسيا وثقافيا على النساء، ونرى أن رغبات السيطرة على المؤسسات العامة لا يتوقف، بدليل أن مدّ أيادي السيطرة مستمر اتجاه الجامعات.

  في الجامعة الاسلامية ومعهد العلوم التطبيقية يسود الفصل التام بين الطالبات والطلبة، مبان ومداخل منفصلة.

ومن أجل تكريس الهوية تم فرض الزي «الشرعي»، الجلباب والحجاب بالألوان الحيادية، وتقوم على حراسة الزي وألوانه وقياساته موظفات ملتزمات يمتد نفوذهن إلى زائرات الجامعة.. أما جامعة الأقصى، فقد اختصرت الطريق بعد الانقسام في عام 2007، فقامت بتخصيص ثلاثة أيام للطالبات وثلاثة مثلها للطلاب، ضمن نظام يقيِّد اللباس بشكل نسبي، بشرط فرض غطاء الرأس واللباس «المحتشم». في جامعتي الأزهر وفلسطين تم اعتماد الاختلاط في الصفوف بشكل عام، بينما فصل بين الطلاب والطالبات على المداخل، أما في جامعة القدس المفتوحة حيث التعليم عن بُعد عموماً، فقد اُعتمد الاختلاط دون تقييد حرية اللباس، لكن الجهد قائم على قدم وساق لجهة السيطرة والإمساك بزمامهما، سياسياً وعقائدياً. 

  بعد قصة الجامعات التي توضح تعارض القيم الثقافية على مساحة محدودة تقدر بثلاثمائة كيلومتر مربع، لن أستغرب فصل الأرصفة ووسائط النقل وغيرهما بين النساء والرجال.

فالاختلاط في غزة أمر جَلَل يستدعي استنفار جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

غزة والمرأة ينتهون بتاء مربوطة بقوة إلى مربعات التمييز. الحفاظ على الأخلاق العامة يقتضي السهر عليها، مراقبة القماش في البر والبحر، وتحرير المخالفات للفتيات والشباب الذين لا يجمع بينهم عقود الزواج.

وكأن جميع القضايا الكبيرة في غزة قد تم حلها، وبقيت الاخلاق العامة في خطر يستوجب الاصلاح، عن طريق اللباس حصراً، بينما لا يتم الانتباه إلى كرامة النساء في مدارس الايواء والكرافانات حيث تُمتهن الكرامة الانسانية.

الموقف تجاه المرأة انطلق تاريخيا من النظرة الدونية لها، وتلك انبثقت عن قراءة سلبية لتلك الفروق الفسيولوجية، وعلى تلك الفروق تم وضع الاطار الثقافي المحدد للأدوار المختلفة، والفروق والأدوار معاً فرزت المرأة في خانة الضعف بما يستلزم وضعها تحت وصاية وسيطرة الرجل القوي، فاستلبت منها الاستقلالية وحرية الاختيار والقرار.

الانقسام خلق فجوة وتباعدا برنامجيا بين الضفة وغزة، بالرغم من القواسم الموضوعية الجامعة، الاحتلال والانقسام وغيرهما من القضايا الحقوقية والديمقراطية. لكن المسار النسوي البرنامجي بين الضفة وغزة يتباعدان تدريجيا، فالمطالب النسوية في غزة غير مسموعة بما ينَفِّس موضوعيتها.

بينما المطالب النسوية في الضفة مسموعة بتحفظ، ما يشرع استمرار التمسك بالأجندة المطلبية. في النتيجة، مطلوب استمرار التواصل عبر الاجتماعات والمؤتمرات المشتركة وتوخيها، وهو ما أكد عليه المؤتمر المشترك، في كانون الاول الماضي، ورفض الفصل والتباعد، ورفض التدخل بالحياة الخاصة وفرض أنماط المعيشة واللباس على المجتمع، ومنع تدخل أولي الأمر في الحياة الخاصة، وفرض صناعة تاريخ نسوي يجمع ويوحد الفلسطينيات في جميع الأماكن، ورفض ما هو أقل من ذلك.