دولة أوروبية تتأهب للتداعيات الاقتصادية لـ الصراع في تايوان

دولة أوروبية تتأهب للتداعيات الاقتصادية لـ الصراع في تايوان
حجم الخط

رام الله - وكالة خبر

نمت بشكل واسع المخاوف بشأن إقدام الصين على التحرك ضد تايوان، لا سيما في ظل التطورات التي سجّلها العام الماضي في هذا السياق بعد زيارة رئيس مجلس النواب الأميركي آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايبيه وما تبع ذلك من ردود فعل متبادلة.

وفيما تتباين التوقعات حول موعد نشوب مثل ذلك الصراع بتوقعات مختلفة تصل حتى العام 2049، تشير أحدث التقديرات الأميركية المنشورة في هذا الصدد إلى أن بكين تنتوي القيام بذلك حتى نهاية العقد الجاري، طبقاً للتصريحات التي أدلى بها خلال جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مساعد وزير الدفاع الأميركي المسؤول عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إيلي راتنر، والذي أكد قدرة بلاده على منع هذا السيناريو.

وأمام تلك المخاوف فإن الحديث يدور عن سلسلة من الانعكاسات المباشرة على الاقتصادات الأوروبية بشكل خاص، وفي ظل الثقل الاقتصادي للصين وحجم العلاقات التجارية المتبادلة، الأمر الذي دفع إلى نقاشات أوسع حول استراتيجيات مواجهة التبعات الاقتصادية، ومقارنات منطقية بين الأدوات التي تم من خلالها التعامل مع روسيا بعد أزمة الحرب في أوكرانيا، وبين أدوات التعامل مع الصين حال دخولها تايوان، ومدى نجاعة سلاح العقوبات، وتأثيرات ذلك الاقتصادية على الجانبين.

في هذا السياق، كشفت صحيفة الغارديان، في تقرير لها الأسبوع الجاري، عن أن مسؤولين بالحكومة البريطانية يناقشون استراتيجية هادفة لمعالجة اضطراب سلاسل التوريد العالمية حال أقدمت الصين على اجتياح تايوان. ونقلت الصحيفة عن مصادر حكومية قولهم:

لقد وضع المسؤولون في الحكومة البريطانية سلسلة من السيناريوهات حول التداعيات الاقتصادية التي يمكن أن تحدث إذا قامت الصين بالتحرك ضد تايوان.
تم فحص المخاوف بشأن الاضطراب الكبير في سلاسل التوريد العالمية، وعواقب أية استجابة غربية منسقة.
المسؤولون يبحثون "ما سنفعله، وماذا سيعني ذلك لاقتصادنا" إذا بدأت الصين صراعا أدى إلى عقوبات اقتصادية وتجارية انتقامية من قبل الدول الغربية.
مما يثير القلق بشكل خاص تعطيل توريد الرقائق، التي تهيمن تايوان على تصنيعها والتي تعاني بالفعل من نقص في المعروض.
تبعات اقتصادية

في هذا السياق، يشير مدير مؤسسة "جيوستراتيجيك أنالايسيز"، بيتر هويسي، في تصريحه، إلى التبعات الاقتصادية الخطيرة التي قد تنجم عن أي تحرك صيني ضد تايوان، والتي تنعكس على أوروبا والعالم، ولا سيما فيما يتصل بسلاسل التوريد وأزمة أشباه الموصلات (في وقت تهيمن فيه شركة تي إس إم سي التايوانية على ‏‏90 بالمئة من إنتاج الرقائق الإلكترونية).‏

ويُحدد تبعات عامة رئيسية يتعين الانتباه إليها ووضع الخطط الاستراتيجية الاستباقية لمواجهة آثار أي تحرك في هذا السياق؛ أول تلك العوامل سيكون مرتبطاً بقطاع الطاقة لجهة ارتفاعات قياسية مرتقبة بالأسعار، ولا سيما على فيما يخص أسعار النفط التي قد تصل إلى ما يزيد عن 175 دولاراً للبرميل، وبما لذلك من تبعات مؤثرة على القطاعات كافة والاقتصادات المختلفة.

ولدى حديثه بشأن التهديدات التي تُواجه سلاسل التوريد، يُبرز الخبير الاستراتيجي أيضاً ضمن توقعاته مسألة الارتفاعات المتوقعة بأسعار العقود الآجلة للسلع الأساسية بشكل حاد ضمن أهم التبعات التي تهدد الاقتصادات حال حدوث "الحرب".

ينعكس ذلك كله على المؤشرات الاقتصادية ومعدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة على المدى القصير، انتظاراً لمآلات الصراع والتطورات التالية التي قد تقود لسيناريوهات أوسع.

وبالنظر إلى حجم العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين، يتضح جانب كبير من المعضلة التي تواجهها أوروبا في حال ما إن أقدمت بكين على اجتياح تايبيه؛ إذ يقدر حجم التبادل التجاري بحوالي 2 مليار دولار يومياً، بزيادة نحو الربع عن العام 2019، طبقاً لبيانات المفوضية الأوروبية، والتي كشفت عن ارتفاع تجارة السلع بين الجانبين إلى 732 مليار دولار.

ووفق بيانات العام 2021، تعد الصين أكبر مصدر لواردات أوروبا بنسبة 22 بالمئة، فيما ارتفعت نسبة الاستثمارات الصينية لتصل إلى 11 مليار دولار في أوربا مقابل 8.3 مليار دولار في العام 2020.

وكانت الصين في العام 2020 قد أطاحت بالولايات المتحدة بوصفها الشريك التجاري الأول للتكتل الأوروبي. وبينما وقع الطرفان (الصين وأوروبا) من حيث المبدأ بنهاية العام نفسه الاتفاقية الشاملة للاستثمار، إلا أنه تم تعليقها في العام التالي، بعد أن صوت البرلمان الأوروبي، على خلفية عقوبات فرضتها بكين على نواب أوروبيين ردا على إجراءات أوروبية مشابهة. فيما عرفت العلاقة بين الجانبين توترات بعد ذلك على وقع الحرب في أوكرانيا.

تتضمن التبعات التي تحدث عنها هويسي لدى حديثه ، ضمن السيناريوهات المحتملة لتفاقم النزاع حول تايوان، اضطرابات واسعة في حركة الطيران بشكل مؤقت على الأقل، كما تتوقف التجارة بشكل خاص من وإلى غرب المحيط الهادئ والصين / تايوان مؤقتاً، حيث ينتظر التجار لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك.

ويردف مدير مؤسسة "جيوستراتيجيك أنالايسيز": "يُمكن القول إن كل شيء سيتوقف مؤقتاً" على وقع الصدمة الأولى، وذلك حتى تتضح الأمور بشكل كافٍ، وما سيحدث بعد ذلك، هل ستتدخل الولايات المتحدة الأميركية؟ وهل سيتم استخدام الأسلحة النووية؟ وما مدى سرعة تحقيق الصين لأهدافها، إذا حددت الصين بالفعل هذه الأهداف صراحةً وتبرير سبب حدوث الحرب.

هل تُكرر أوروبا نفس النهج الذي اتبعته مع روسيا؟

وبينما استفادت الدول الأوروبية من التجربة الأخيرة فيما يتصل بالعقوبات على روسيا، فمن المحتمل أن يكون الرد أكثر تعقيداً بشكل ملحوظ من مصادرة الأصول والتحركات الأخرى المتخذة ضد روسيا وشخصيات مقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، بحسب تقرير صحيفة الغارديان.

ويعلق مصدر حكومي بريطاني بقوله: "يجب أن تفكر بطريقة مختلفة عن مجرد مطابقة ما فعلته في مكان آخر.. "ليس سراً أن مشاكل سلسلة التوريد ستكون أكبر، ولكن لمجرد أنها معقدة لا يعني ذلك أنها مستحيلة."

بينما يعتقد هويسي بأن "العالم سوف يقف ساكناً إذا حدث "الصراع"، ثم تعود الأمور إلى طبيعتها تدريجياً أو تندلع حرب أكبر"، مشيراً إلى أن "عدم وضوح الأهداف يؤدي إلى التردد في التصرف وردود الأفعال، في إشارة إلى عمق المعضلة التي تواجهها القوى الكبرى إزاء هذا الصراع حال نشوبه.

وفي سياق المقاربات المرتبطة بالموقف الأوروبي من روسيا، في ظل العقوبات المفروضة والتي كانت لها تأثيرات مباشرة على الطرفين، والخيارات والمواقف المحتملة حال اجتاحت الصين تايوان، فإن خبير الشؤون الأوروبية، رئيس تحرير "صوت الضفتين" بباريس، نزار الجليدي، يقول في تصريحه إن "أوروبا بكل ما فعلت -لا سيما خلال العام الماضي- وبكل ما أوتيت من جهد لم تستطع أن تؤثر في الاقتصاد الروسي بالشكل الذي كانت تريده، ولم تستطع التأثير على المشروع الروسي عموماً (في إشارة إلى عدم نجاح العقوبات في لي ذراع موسكو بعد حربها في أوكرانيا)".

ويلفت إلى أنه على الجانب الآخر، فإن الصين والتي يُنظر إليها بوصفها "البركان الصامت" لا يمكن أن تأخذ مثل تلك القرارات بهذا الحجم دون أن يكون هناك ألف حساب لها (بالإشارة إلى دراسة التبعات الناجمة عن مثل تلك القرارات وسيناريوهات مواجهتها والتعامل معها، بما في ذلك التداعيات الاقتصادية المحتملة).

ويعتقد بأن الصين وبما قد تأخذه من قرارات تأخذ بذلك الخطوة الثانية في سياق رسم ملامح النظام العالمي الجديد ثنائي القطب.

العقوبات الاقتصادية

من جانبه، يوضح المدير التنفيذي لمركز كروم للدراسات في لندن، طارق الرفاعي، في تصريحه، أنه إذا حدث أي شكل من أشكال التوترات الجيوسياسية بين الصين وتايوان وصولاً إلى مرحلة الصراع المباشر، فإنه لن تكون ثمة تأثيرات اقتصادية مباشرة على أوروبا إلا إذا اتبع الجانب الأوروبي نفس السياسات التي اتبعها في التعامل مع روسيا، بفرض عقوبات على بكين.

ويتابع: "أوروبا عاقبت نفسها بفرض عقوبات على روسيا، وما أزمة الطاقة في القارة إلا أزمة خلقتها أوروبا بالأساس من خلال فرض عقوبات على نفسها عبر السياسات الخاطئة التي اتبعتها في محاولة معاقبة موسكو".

ويشير الرفاعي إلى أن أوروبا قد تحاول تكرار السيناريو نفسه، لكن على الأرجح ستكون القارة العجوز غير قادرة على المضي قدماً في هذا السيناريو، لما له من تداعيات اقتصادية تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الأوروبي، خاصة في ظل الارتباط الاقتصادي بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا من جهة، والصين من جهة أخرى.

وكما يلفت إلى أن أي تحرك أوروبي في هذا الاتجاه معناه أن أوروبا ستواجه تبعات سلبية متراكمة، ما بين أثر الأزمة مع روسيا، وكذلك مع الصين، وهما كتلتان اقتصاديتان من الصعب على أية دولة تحمل تبعات مواجهتهما معاً في آن واحد، فروسيا تنتج المواد الأولية والصين مصنع العام.

الدروس المستفادة

وفي السياق نفسه، ذكرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، في تقرير لها الأسبوع الجاري، إن ثمة دروساً (اقتصادية في المقام الأول) تعلمتها الصين مما حدث مع روسيا بعد حربها الأخيرة في أوكرانيا؛ ذلك أن بكين "درست عن كثب حملة العقوبات التي يقودها الغرب، وهي تعلم أنه إذا استمرت التوترات مع الغرب في التصاعد فقد يتم توجيه هذه الأسلحة الاقتصادية نفسها ضد الصين".

وبحسب المجلة، فإن بكين استوعبت من خلال ذلك بالفعل دروساً رئيسية معينة، بعضها يبعث على الواقعية. ربما يكون الأهم لا علاقة له بأنظمة الدفع أو ناقلات النفط، ولكنه يتعلق بقوة الشراكات الدولية.

المصدر:  سكاي نيوز عربية