كان يوم 18 فبراير 2023، يوما صارخا بتسجيل واحدة من "قمم النفاق السياسي"، الذي تجسده دول الغرب الاستعماري بالمعنى القديم والمعاصر، عندما وقفت أوروبا الغربية بما فيها "العجوز بريطانيا" وأمريكا، مع أمين حلف الأطلسي المشؤوم تاريخيا في الذاكرة العربية لدوره التآمري، وتنافست في عرض "المأساة الإنسانية" وجرائم الحرب المرتكبة ضد "أوكرانيا".
مشهد تبارت به كاميلا هاريس نائب الرئيس الأمريكية، مع رئيس حكومة "10 داوننغ ستريت" في لندن، والمفوضية الأوروبية فان دير لاين، لوصف حرب قاربت على العام، وصلت أن تقول دير لاين، لو أجبرنا على "تحريك الجبال لمساعدة أوكرانيا سنفعل" والحقيقة أن هذه العبارة تلخص وحدها، الجوهر الاستعماري في تناول القضايا العامة، مقابل تناولهم القضية الفلسطينية التي تم اغتصاب أرضها منذ عام 1948، وتعرض شعبها لجرائم حرب تفوق عددا ونوعا وزمنا ما حدث خلال 356 يوم على الحرب في أوكرانيا، وأرض محتلة وشعب يتعرض لكل مظاهر التطهير العرقي والعنصرية، من حكم فاشي باعتراف جزء من سكانه.
المشهد التناقضي النفاقي في أقوال ممثلي "الاستعمار الغربي" وبينهم رأس الحية أمريكا، وما يحاولون القيام به لحماية دولة الغزو العدواني والاحتلال الاحلالي إسرائيل، من خلال محاصرة صدور بيان من مجلس الأمن يتحدث عن وقف الاستيطان اليهودي المتسارع في أرض فلسطين، المحددة بقرار الأمم المتحدة رقم 19/ 67 لعام 2012، مترافق مع عمليات اعدام ميدانية لكل هدف فلسطيني متحرك، وانتشار "الفرق الإرهابية الاستيطانية" ومنها جماعات "الموت للعرب".
وزير الخارجية الأمريكية، فتح ورشة الهاتف ليعمل كل ما يمكنه العمل على جبهات مختلفة، بداية من منع الذهاب الى مجلس الأمن، وسحب مشروع القرار أو استبداله ببيان رئاسة المجلس (يساوي صفر سياسة)، وفي حال لم يتمكن من هذا وذاك، سيعمل على زرع عبارات مسرطنة سامة لينتقل القرار من سلاح من أسلحة "المقاومة الناعمة" فلسطينيا الى سلاح مضاد عليها، بمحاولة وضع صيغة تبدو "محايدة".
فمثلا، جاء في مسودة المشروع "يدعو كلا الطرفين إلى العمل على أساس القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، واتفاقاتهما والتزاماتهما السابقة، والامتناع عن جميع الأعمال الانفرادية، والالتزام بالهدوء وضبط النفس، والامتناع عن الأعمال الاستفزازية والتحريضية وخطاب الكراهية بهدف، من بين أمور أخرى تهدئة الوضع على الأرض، وإعادة بناء الثقة، وإظهار التزام حقيقي من خلال السياسات والإجراءات بحل الدولتين، وتهيئة الظروف اللازمة لتعزيز السلام"...."يدعو إلى الاحترام الكامل للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حماية السكان المدنيين، ويكرر تأكيد ضرورة اتخاذ الخطوات المناسبة لضمان سلامة ورفاه المدنيين الفلسطينيين وحمايتهم".
فقرتان في المشروع، تنسف تماما كل ما ورد في مقدمة المشروع، من حيث أن هناك دولة تحتل أراضي دولة أخرى، ودولة ترتكب جرائم حرب بشكل يومي، ملفها بات بين أدراج "المحكمة الجنائية الدولية"، وقمة "الجريمة السياسية" التي ترد في الفقرات أعلاه، عند الحديث عن مخاطبة "الطرفين" بشكل متساو، بالحديث عن الخطاب والتحريض والكراهية والأعمال أحادية الجانب، ذلك التعبير الذي تم وضعه في "اتفاق أوسلو" عام 1993، لمنع البناء الاستيطاني ووقف "الإرهاب اليهودي"، مقابل أن لا يذهب الفلسطيني بخطوات كإعلان دولة فلسطين..عبارة مشترطة نسفتها حكومات دولة الكيان منذ عام 1996، وتوقفت كليا عن تنفيذ نصوص الاتفاق، وسارعت بتعزيز مشروعها التهويدي الى جانب جريمتها بتدمير مؤسسات السلطة خلال المواجهة 2000- 2004 ثم اغتيال الخالد ياسر عرفات.
الحديث عن "طرفين" في أرض محتلة يمثل قمة "الجريمة الإنسانية"، ولكن المسألة الجرمية لا تقف هنا، بل تصل الى ذروتها بالحديث عن "المدنيين" من الطرفين، ما يشرعن الاستيطان والوجود الاستيطاني في الضفة والقدس، ومساواة الغازي الإرهابي بصاحب الأرض، والحديث هنا ليس عن فلسطين كاملها، بل عن الجزء الذي احتل عام 1967، حدود دولة فلسطين وفق قرارات الأمم المتحدة.
المناورة السامة تحت شعار "كسب أغلبية تصويتية" ومنع أمريكا من استخدام حق النقض، بوضع عبارات تمنح المستوطن الإرهابي "الحق بالبقاء" في أرض دولة فلسطين، واعتباره "مدنيا"، ما يسقط عنه صفة "الإرهابي" بل ويسقط عن الاستيطان نفسه اعتباره شكلا من أشكال "جرائم الحرب"، ومظهرا لـ "شرعنته" بصيغة "قانونية أممية"، فالوجود "المدني يقود الى حقهم في الحياة ضمن مناطق آمنة"..وهنا المستوطنات لم تعد غير شرعية.
كي لا تمر "المؤامرة السامة" بشرعنة الاستيطان عبر قرار أممي يكسر ظهر ما سبق من قرارات لصالح فلسطين، يجب على الرسمية الفلسطينية استخدام حق "الفيتو" على تساوي تعابير "الطرفين" و"المدنيين"، والذهاب الى التحديد المباشر دون غموض تدميري.
تمرير مشروع مجلس الأمن "التسووي" بما تم تسريبه سيصبح "إدانة تاريخية" لمن سيوافق عليه فلسطينيا أو عربيا...فلا "ذرائعية" تشرعن "الإرهاب اليهودي" والاستيطان اليهودي" فوق أرض فلسطين.
ملاحظة: صفعة سياسية كبرى أصابت دولة الكيان العنصري، بعدما تم "شحط" مندوبته التي تسللت كلص الى قاعة المؤتمر...تسلم الأيادي لمن سحبها وقذفها الى حيث يجب أن تقذف في مرمى الاحتقار العام...برافوووو!
تنويه خاص: صمت "الرسمية الفلسطينية" على مشروع الكونغرس حول تعريف اللاجئ ودور الأونروا مش مؤشر خير سياسي أبدا...أقله تصريح من "الرئاسة" تعبر عن "قلقها" لو صح الحكي..كمان "قلقكم" ممنوع..يا وكستكم!