عندما تسمع الجميع يرحّلون خطواتهم النضالية حتى رمضان القادم ، فاعلم ان هناك معضلة ما تصيب هذا النضال و هؤلاء المناضلين . حتى الحركة الاسيرة التي تتعرض في سجونها و معازلها الى هجمة شرسة معلنة وصلت بوزير الامن الجديد بن غفير ان يتحكم في حماماتهم و كمية المياه المسموح بها و درجة حرارتها ، فقد رحّلوا خطواتهم حتى رمضان القادم ، كي تكون معركة الاسرى والاقصى ، وفق أحد البيانات الصادرة عنهم .
حال الاسرى ، ليس بأفضل من حال الفصائل ، انهم منقسمون على انفسهم ، و لا يتفقون على خطوة نضالية تصعيدية واحدة ، و هذا كلام لا يحب الكثيرون سماعه ، لكن هذه هي حقيقة أوضاعهم منذ الاضراب الذي نفذه نحو الف وخمسمائة اسير قبل حوالي ثماني سنوات بقيادة الأسير القائد مروان البرغوثي والقائد احمد سعدات و تم اجهاضه بعد أربعين يوما دون ان يحقق أيا من مطالبه ، يومها وقف احد اركان السلطة ليقول ان مروان لا يمثل كل الحركة الاسيرة . بعدها حاولت الحركة الاسيرة ان تنظم بعض الخطوات النضالية ، و لكنها فشلت ، بما في ذلك اضراب اسرى الجبهة الشعبية الثلاثين الذي استمر نحو عشرين يوما وانطفأ دون ان يحقق أيا من أهدافه ، كما حاول عدد كبير من الاسرى الإداريين تنظيم مقاطعة جماعية للمحاكم العسكرية ، لكنه لم يستمر اكثر من ثمانية اشهر .
حال الاسرى في خلافاتهم واختلافاتهم ، هو انعكاس لحالة فصائلهم ، و بالتحديد الحركتين الكبيرتين ، فتح و حماس ، و تتعدى الحال ما ينتاب الفصيلين من خلافات سياسية و نضالية وامنية ، الى خلافات داخلية بين أبناء الفصيل الواحد ، لم يعد أبناء الفصيل الواحد على قلب رجل واحد كما يقال ، بل ان الخلافات بدأت تعصف في قلب كل حركة ، و بعدها تصيب الأطراف ، بما في ذلك العمل النقابي ، كالمعلمين والمحامين والأطباء .
حالة الاسرى في سجونهم ، لها نفس تقاسيم الفصائل خارج السجن ، فصيل يدفع باتجاه تفجير انتفاضة ثالثة في الضفة دون القطاع ، وفصيل يدفع بعدم انفجارها خوفا من تبدبد مكاسب سلطوية وهمية او شخصية ، و في كل الأحوال ، فإن إسرائيل وأذرعها الأمنية ، ليست بعيدة عما يحاك داخل هذه الفصائل سواء في رام الله او في غزة ، والاهم انها في صورة ما يحاك أيضا داخل السجون ، فإذا ما قررت الحركة الاسيرة العصيان ، على سبيل المثال ، كما يحصل الآن ، مقدمة لاضراب شامل ، فإن المعلومات التي تتسرب للطرف الإسرائيلي او للفصائل ، بأن اسرى الفصيل الفلاني غير مستعد للمشاركة ، فتدرك إسرائيل انها امام مناورة لا أكثر ، ووفقها تتخذ إجراءاتها و قراراتها ، و لهذا فإن الشكل الجديد من النضال الفلسطيني ، هو النضال الفردي ، الذي تفشل إسرائيل في معرفته والالمام بتفاصيله وبالتالي تجنب تبعاته . إنها حالة نضالية متعثرة متعسرة ، لكنها بالتأكيد لن تبقى على حالها فترة طويلة لطالما ان مقومات وجودها متوفرة في حكومات إسرائيل التي لم تعد تستطيع إخفاء فاشيتها و عدوانيتها و عنصريتها ضد كل ما هو فلسطيني ، بمن في ذلك الجانب المتعاون معها .