هارتس : فرص إسرائيل المهدورة لتثبيت ديمقراطيتها

حجم الخط

بقلم: عوفر اديرت وآخرين

 

 



الانقلاب النظامي الذي يجري في هذه الأثناء ويهدد بالمس بصورة شديدة بالديمقراطية الإسرائيلية يذكر بأنه طوال سنوات وجودنا، الكنيست والحكومة فوتتا عدة فرص في الطريق إلى تحصين الديمقراطية الإسرائيلية. بدءا من المعارضة المبدئية لرئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون، لوضع دستور ومرورا بالفشل الطويل في سن قانون الأساس: التشريع والذي ينظم العلاقات الحساسة بين الكنيست والمحكمة العليا في كل ما يتعلق بإلغاء قوانين وانتهاء بغياب التعريف القانوني لعدم أهلية رئيس الحكومة وحتى حقيقة أنهم لم يمنعوا رئيس حكومة من تولي منصبه حتى في حالة تقديم لائحة اتهام ضده. بنظرة إلى الوراء ربما أنه لو تم اختيار مسار آخر في إحدى هذه المحطات فإن الوضع الذي تدهورت إليه الدولة كان الآن سيكون مختلفا.

1948: دستور؟ ربما في المستقبل
قبل 75 سنة عند ولادة دولة إسرائيل، تم تفويت لحظة مواتية ومهمة لتحصين الديمقراطية في إسرائيل. في 14 أيار 1948، عند الإعلان عن الاستقلال، تقرر أنه سيتم انتخاب جمعية تأسيسية ستضع، خلال بضعة اشهر، دستورا للدولة، الذي بناء عليه ستبنى مؤسساتها. هذا النص استند إلى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 181، الذي صدر في 29 تشرين الثاني 1947 (خطة التقسيم)، والذي فيه كتب بأن «الجمعية التأسيسية لكل دولة (الدولة اليهودية والدولة العربية) ستقوم بصياغة دستور ديمقراطي لدولتها».
مجلس الدولة المؤقت، الجسم التشريعي الذي أقيم عند إقامة الدولة، بدأ على الفور بإعداد مسودة دستور، حتى قبل انتخاب الجمعية التأسيسية. لجنة الدستور التي عينتها عقدت عشرين جلسة. في البداية، كان هناك اتفاق رائع، بما في ذلك في أوساط بن غوريون، بشأن أهمية سن متسرع للدستور. ولكن قبل نهاية 1948 تبين الخلاف حول أهمية الدستور والأخطار التي تنطوي على عملية التشريع. سياسيون مختلفون، من بينهم بن غوريون ورئيس لجنة الدستور زيرح فرهفتايغ، بدؤوا يشككون في ذلك في نقاشات مغلقة. بن غوريون فهم أن وضع دستور هو عملية معقدة وبطيئة وطويلة، ولا تناسب الحاجة الملحة لتشريع سريع لتسوية الأمور، على رأسها إقامة الجيش.
في كانون الثاني 1949، اختار مواطنو إسرائيل الجمعية التأسيسية، الجسم الذي كان يمكن أن ينعقد من اجل المصادقة على الدستور. ولكن الجمعية التأسيسية تحولت إلى الكنيست الأولى وفكرة الجسم الذي مهمته الوحيدة هي المصادقة على الدستور، تم حفظها. وضع الدستور تحول الآن إلى مهمة لجنة الدستور، القانون والقضاء للكنيست، لكن أيضا هذه لم تفعل ذلك بسبب خلافات شديدة.
في نفس السنة، شرح بن غوريون معارضته للدستور. أولا، قال، إنه أمام الدولة الفتية تقف تحديات ملحة وفورية تقتضي حلا تشريعيا سريعا، ولا يمكن الانتظار معها حتى استكمال الدستور. «أنا لست مع الانشغال الآن في صياغة دستور للدولة. ليس لنا الوقت لهذا الأمر الآن. نحن يجب علينا بناء بيوت للمهاجرين. الدستور سيتم عندما نستريح قليلا»، قال. «الإنجليز يعيشون حتى الآن بدون دستور. والأمر ليس سيئا لديهم. الأمور لا تنتظر، هي أمور ملحة. ليس من السهل شن حرب وبناء البلاد وإحضار المهاجرين والخ. يجب العمل في وقت سريع. الأمور لن تكون كاملة، لكن يمكننا إصلاحها مع مرور الوقت».
في مناسبة أخرى، أضاف شرحا آخر لمعارضته للدستور: «إذا كنا نريد تعليم الشعب كيف يحترم القانون فيجب تعليمه كيف يحترم كل قانون لا أن يحترم قانونا خاصا باسم (دستور)، لأن هذا الدستور لا يحدد آلاف التفاصيل التي تشكل الحياة اليومية للمواطن، بل القانون العادي ... يجب علينا أن نرفض المفهوم الغريب الذي يدعو إليه احد اتباع الدستور مثل عضو الكنيست بيغن لأن قانون حقوق الإنسان الذي لا يستند إلى أي قانون آخر ولا يعتبر دستورا، هو قطعة ورق لا قيمة لها. إذا كان القانون الذي وضعه رسل الشعب ليس إلا قطعة ورق ليس لها قيمة فما هي قيمة الدستور الذي وضعه هؤلاء الرسل؟».
بن غوريون اعتقد أنه محظور تقييد الأجيال القادمة بدستور لن يكون بالإمكان تغييره. «دائما قام جيل اكثر شبابا، وهو اكثر يقظة وحدة، وما يكفينا لن يكفيه ولن يقيده بأي شكل من الأشكال، وأيضا لا يجب علينا أن نقيده». في المقابل، أحزاب المعارضة، من اليسار واليمين، أيدت وضع دستور. المؤيدون اعتقدوا أن الدستور حيوي من اجل إقامة نظام ديمقراطي متطور وثابت ومن اجل ضمان حقوق الأقليات في إسرائيل. هذا، ضمن أمور أخرى، إزاء القوة الكبيرة لـ»مباي»، حزب بن غوريون. الاقتراح الذي حاولت المعارضة دفعه قدما نص على أن إعداد الدستور سينتهي في فترة الكنيست الأولى. «الكنيست تقرر أن تلقي على لجنة الدستور، القانون والقضاء، مهمة إعداد دستور الدولة وتقديمه للكنيست الأولى»، حسب نص اقتراح المعارضة الذي تم رفضه.
في 1950 تمت الموافقة على اقتراح عضو الكنيست يزهار هراري (الحزب التقدمي)، الذي شكل حل وسط بين الذين طالبوا بوضع دستور على الفور وبين الذين اعتقدوا بأنه لا مكان للدستور. «تسوية هراري» نضت على أن «الكنيست الأولى تلقي على لجنة الدستور، القانون والقضاء، مهمة إعداد دستور الدولة. الدستور سيكون قائما على أجزاء منفصلة بحيث كل واحد منها يكون قانون أساس بحد ذاته. الفصول سيتم تقديمها للكنيست إذا أنهت اللجنة عملها، وكل الفصول معا ستجتمع كدستور للدولة».
هذه التسوية التي فعليا أجلت إلى اجل غير مسمى إمكانية أن يكون هناك دستور لإسرائيل، أيدها «مباي» الذي ولد منه حزب العمل. ولكن المعارضة لم تؤيدها، التي شملت حركة «حيروت» التي اندمجت بعد ذلك وشكلت «الليكود». التسوية لم تحدد ما هي صورة قوانين الأساس في المستقبل وما هو مضمونها ومتى وكيف ستتحول إلى دستور واحد. بالملخص، الكنيست قررت أنه في إسرائيل لن يتم وضع دستور، بل سيتم سن قوانين أساس بحيث تكون بعد ذلك دستورا لإسرائيل. أيضا في تسوية هراري التي تمت المصادقة عليها في الكنيست لم يتم وضعها في قانون. قوانين الأساس التي تمت المصادقة عليها منذ ذلك الحين كانت بديلا جزئيا لدستور حقيقي. لقد تم سنها في فترات زمنية بعيدة عن بعضها عن طريق جلسات مختلفة وبتشكيلات مختلفة ودون محاولة حقيقية للتوفيق بينها أو تجميعها في رؤية متماسكة.
قانون الأساس الأول: الكنيست، تم سنه فقط في الكنيست الثالثة في 1958. 12 قانون أساس تم سنها منذ ذلك الحين، آخر قانون سن في 2018 وهو قانون الأساس: دولة القومية للشعب اليهودي، الذي أثار انتقادا شديدا ولا يشكل مثالا لمكون في الدستور والذي كان يجب أن يكون إطارا موحدا وجامعا ويحظى بموافقة واسعة من قبل المجتمع.
بعد ذلك، كتب قاضي المحكمة العليا، الفريد فيتكون، «لو أنه تم وضع دستور لكان يمكن رؤية درجة في ذلك من الاستعداد من جانب الجهات المتصارعة على حكم الدولة... أن تأخذ على مسؤوليتها عبء نظام قانوني أساسي غير قابل للتغيير حسب الظروف اليومية. وفقط في اللحظات النادرة من الارتقاء يمكن إنجاز هذه المهمة... هذه هي الأيام، عندما يكون الشعور بالحاجة أكثر مما هو مفهوم لتكريس حقوق الإنسان وضمان حريته أمام الاستبداد». خلاصة القول، كما اجمل ذلك اريئيل نتان، من وحدة الإنفاذ المدني في مكتب المدعي العام، في مقال نشره تحت عنوان «قرار هراري – بشأن إضاعة فرصة وتسوية»: «بقيام الدولة تمت إضاعة فرصة لوضع دستور متفق عليه، قصير وواضح، والذي حول قيمه كان يمكن للشعب المقيم والمتجمع في صهيون، أن يتوحد».

1968: قانون الأساس: الحكومة،
 لا يحدد ما هو عدم الأهلية
كلمة «عدم الأهلية» تتطرق إلى وضع فيه من يتولى منصبا حكوميا يكون غير قادر على أداء مهامه بشكل مؤقت أو دائم. قانون الأساس: الحكومة من العام 1968، الذي تم استبداله وتعديله منذ ذلك الحين عدة مرات ترك أسئلة كثيرة مفتوحة. «إذا صعب على رئيس الحكومة بشكل مؤقت أن يؤدي مهامه فإنه يحل محله القائم بأعمال رئيس الحكومة»، كتب هناك. وكتب أيضا بأنه «إذا رئيس الحكومة لم يعد إلى أداء مهامه»، بعد مئة يوم، «فسيتم اعتباره غير قادر على أداء مهامه بشكل دائم». متى وفي أي ظروف يتم تحديد عدم الأهلية؟ من الذي يحدد إذا كان يوجد وضع عدم أهلية؟ هذه القضايا لم يتطرق إليها المشرع.
«مفهوم ضمنا تقريبا بأن الوضع الصحي الذي يمنع رئيس الحكومة من أداء مهامه هو وضع مثالي لعدم الأهلية»، كتب الدكتور عمير فوكس في استطلاع «ما هو عدم الأهلية وما هو عدم أهلية رئيس الحكومة؟»، الذي نشره المعهد الإسرائيلي للديمقراطية. هكذا كان في نظره أريئيل شارون في 2006 بعد إصابته بالجلطة الدماغية، ولكن ما الذي سيحدث في حالات أخرى معقدة اكثر؟ القانون في الحقيقة لم يتطرق إلى ذلك ولكن المحكمة قالت كلمتها، حتى لو كان بشكل متحفظ جدا.
في 2008 قدم التماس للمحكمة العليا، التي طلبت إلزام المستشار القانوني للحكومة بالإعلان عن عدم أهلية رئيس الحكومة في حينه أيهود أولمرت في الوقت الذي تم التحقيق معه فيه. المحكمة في الحقيقة رفضت الالتماس، لكن القاضي آشر غرونس كتب عدة أمور مبدئية تتعلق بالنقاش. «نحن نفترض بدون حسم أي شيء بأنه في الظروف المناسبة فإن المستشار القانوني للحكومة مفوض بالإعلان عن عدم أهلية مؤقت لرئيس الحكومة»، كتب. «إعلان، كما قلنا، على خلفية وجود تحقيق جنائي ضد رئيس الحكومة، هو عمل استثنائي يتم عمله فقط في حالات نادرة واستثنائية... إذا تبين بعد ذلك بأن سلوك رئيس الحكومة لا يسمح بإجراء التحقيقات الجنائية بشكل مناسب، فيمكن أن تكون هناك إمكانية لإعلان المستشار القانوني للحكومة عن عدم أهلية مؤقت لرئيس الحكومة». بكلمات أخرى، المحكمة اعترفت بأن هناك حالات، مثل التحقيق الجنائي مع رئيس الحكومة، يمكن تبرير، في ظروف معينة، الإعلان عن عدم الأهلية.
أمس، قدم الائتلاف مشروع قانون ينص للمرة الأولى على شروط الإعلان بأن رئيس الحكومة غير مؤهل. حسب الاقتراح يمكن الإعلان عن عدم الأهلية هذا فقط بسبب عدم القدرة الجسدية أو النفسية على أداء مهامه.

1975: الكنيست لا تنجح
في سن قانون الأساس: التشريع
في ظل غياب الدستور، حتى أولوية قوانين الأساس – ويترتب على ذلك أيضا صلاحية المحكمة في إلغاء قانون يناقضها – لم يتم وضعها في قانون بشكل صريح. حتى الآن هذه الصلاحية مختلف عليها. في 1995 حكمت المحكمة العليا بأن قوانين الأساس تعطيها صلاحية القيام برقابة قانونية على قوانين الكنيست حول هل مضمونها يتناقض مع الحق المحمي في قوانين الأساس. القضاة حكموا بأنه توجد لقوانين الأساس مكانة دستورية وأن التشريع العادي لا يمكن أن يناقضها. هذه المقاربة تمت تسميتها منذ ذلك الحين بـ»الثورة الدستورية».
من ينتقدون هذه المقاربة قالوا، إن المحكمة أخذت صلاحيات ليست لها. في إطار الانقلاب النظامي الذي تدفع به قدما الحكومة في هذه الأثناء فهي تريد أن تقرر بأن الكنيست يمكنها التغلب على إلغاء قانون في المحكمة العليا وأن المحكمة العليا ستكون مؤهلة لإلغاء قانون عادي للكنيست فقط بقرار إجماعي من الـ 15 قاضيا. هذا الاقتراح سيمنع المحكمة العليا، تقريبا بشكل مطلق، من القيام برقابة دستورية على الكنيست.
هذا التناقض بين السلطات الذي وصل إلى الذروة في الوقت الحالي كان يمكن تجنبه لو أن الكنيست كانت قد سنت قانونا ينظم مجال التشريع في إسرائيل، ويحدد المستويات المختلفة للتشريع ويحدد التصنيف المعياري بينها ويحدد صلاحيات المحكمة العليا في القيام برقابة دستورية على القوانين «العادية».
في إسرائيل، حاولوا خلال عشرات السنين سن قانون أساس: التشريع بحيث ينظم إمكانية أن تستطيع المحاكم إلغاء قوانين الكنيست. لكن المحاولة فشلت مرة تلو الأخرى بسبب عدم القدرة على التوصل إلى اتفاق حول تفاصيل الاتفاق وبسبب معارضة السياسيين الحريديين للقانون استنادا إلى مبدأ معارضتهم قوانين الأساس مهما كانت بذريعة أن التفسير الذي تعطيه المحكمة العليا لهذه القوانين يمس برؤية الجمهور الحريدي.

2007: مشروع قرار لاستقالة
 رئيس حكومة متهم بمخالفات جنائية لم يتم دفعه قدما
في العام 2007، قدم عضو الكنيست السابق اوفير باز بينس (حزب العمل) مشروع قانون خاصا لتعديل قانون الأساس: الحكومة. «إذا تم تقديم لائحة اتهام للمحكمة ضد رئيس الحكومة بمخالفة من نوع جريمة، فستتوقف ولاية رئيس الحكومة في اليوم الثلاثين الذي يتلو يوم تقديم لائحة الاتهام، كما قلنا، وتعتبر الحكومة مستقيلة في ذلك الموعد»، كتب في التعديل. الاقتراح لم يصل إلى القراءة الأولى وما زال يثير الغبار الافتراضي في موقع الكنيست.
كانت هناك محاولات أخرى لسن قانون يمنع المتهم بمخالفات جنائية من انتخابه لرئاسة الحكومة. في 2021 وزير العدل ساعر نشر مذكرة قانون، بحيث لا يسمح بتفويض متهم بمخالفات جنائية بتشكيل الحكومة. الاضطرابات السياسية منذ ذلك الحين منعت الدفع قدما بهذا الاقتراح.
الآن، قانون الأساس: الحكومة، لا يقيد ولاية رئيس الحكومة الذي قدمت ضده لائحة اتهام. القانون ينص على أن رئيس الحكومة يمكنه تولي منصبه طالما أنه لم تتم إدانته بشكل نهائي. «السؤال هو هل توسيع المنع على تولي المنصب من مرحلة الإدانة إلى مرحلة تقديم لائحة الاتهام له بعد قيمي»، كتب البروفيسور يوفال شني في مقال بعنوان «رئيس حكومة بدون لائحة اتهام: يجب تشريع المفهوم ضمنا»، والذي نشر في 2021 في موقع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية. «هل يجدر بمن تعتقد سلطات إنفاذ القانون في دولة إسرائيل بأنه لديها ما يكفي من الأدلة للإثبات بأنه ارتكب مخالفة خطيرة سيكون المسؤول عن السلطة التنفيذية وعن مصلحة الجمهور؟ هل رئيس حكومة يقف أمام لائحة اتهام جنائية يمكنه إدارة شؤون الدولة بشكل ناجع بصورة يتجاهل فيها تضارب المصالح الموجود فيه كمتهم ومسؤول عن إدارة السلطة التنفيذية التي في إطارها يعمل المدعون ضده؟»، تساءل.

عن «هآرتس»