تناقلت وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تفاصيل ما قيل بأنه الخطة التي وضعتها أمريكا وسيتم إقرارها في الاجتماع المقرر اليوم في العقبة بين مندوبين من مصر والأردن واسرائيل والسلطة الفلسطينية. وتدور هذه الخطة في مجملها حول ما وصف بتمكين السلطة من السيطرة على نابلس وجنين وإدخال قواتها الى هذه المناطق لوضع حد لظاهرة المسلحين وفرض الهدوء مقابل تخفيض إسرائيل عمليات اجتياح هذه المناطق وتقليص تواجدها العسكري فيها. وسيتم تمكين السلطة من خلال فرز وحدة عسكرية قوامها خمسة آلاف رجل يتم تدريبهم في الأردن كقوات خاصة ليقوموا بوضع نهاية للعمليات العسكرية للمقاومة ضد الإسرائيليين. ولأن تفاصيل هذه الخطة لم تعد سرا ً بل في متناول الجميع فسوف لا أتطرق لتفاصيلها بل سأكتفي بالتعليق عليها.
نظرة شمولية على هذه الخطة تُظهر بأنها خطة أمنية بحتة تفتقر لأية آلية يمكن أن تصنع منها رافعة لبدء العمل لاختراق يفتح أمامنا أفقا ً سياسيا ً أيا ً كان، وتعطي الخطة الانطباع بأن القضية الفلسطينية قد انكمشت واختُزلت وأصبحت اليوم تقتصر فقط على المطالبة بوقف اجتياحات المدن والبلدات الفلسطينية، وأن فزاعة بن جبير/ سموترتش ليست غائبة عنها.
تفتقر الخطة الى الربط بين المساق الأمني وبين المعطيات السياسية الجديدة في إسرائيل وأبرزها الاتفاق الذي تم قبل يومين بين بيتساليل سموترتش رئيس الصهيونية الدينية الوزير بوزارة الجيش الإسرائيلية وبين يؤاب جالانت وزير الحرب/الأمن! إذ بموجب هذا الاتفاق ستكون من صلاحية وزير الأمن/الحرب الإسرائيلي يؤاب جالانت تعيين منسق الحكم العسكري ورئيس الإدارة المدنية ولكن ستكون لسموتريتش صلاحية تعيين نائب لكل من المنسق ورئيس الإدارة وضباط الأركان الموجودين في الإدارة المدنية سيكون له الدور الفعلي في العمل. وللتوضيح فإن ضباط الأركان هم في واقع الأمر حكومة الضفة الغربية. فكل ضابط مسؤول عن ملف بمثابة وزارة كالتنظيم والتخطيط والبناء والتربية والتعليم والصحة والاقتصاد ألح...
وهؤلاء الضباط سيكونون من المستوطنين وسيسخرون كل صلاحياتهم ومواردهم وميزانياتهم لصالح الاستيطان والمستوطنين ومحاربة الفلسطينيين وتضييق الخناق من حولهم لتهجيرهم، ناهيك عن القرارات التي اتخذت مؤخرا بتحويل تسع بؤر استيطانية الى مستوطنات وبناء آلاف الوحدات السكنية وربط جميع البؤر الاستيطانية الأخرى بالماء والكهرباء والتي أصبحت كلها نافذة ولا تشملها أية وعود إسرائيلية لأمريكا بوقف اتخاذ قرارات جديدة للستة أشهر القادمة.
بعبارة أوضح، ستمضي الخطة الأمنية المطلوب تنفيذها فلسطينيا ً جنبا ً الى جنب مع الاستمرار في تنفيذ القرارات الاستيطانية السابقة والتي ستغير الواقع بالضفة الغربية وتقلبه رأسا على عقب. فما الذي سنستقيده نحن الفلسطينيون من اجتماع العقبة ومن تنفيذ هذه الخطة.
قد يقول البعض بأن من الضروري تهدئة الأمر واثبات حسن النوايا من الجانب الفلسطيني واثبات قدرته على فرض الأمن والهدوء لإرغام إسرائيل على الدخول في الدهليز المفضي الى إعادة تنشبط وتفعيل العملية السياسية. ولكني على خلاف مع ذلك ولا أرى أية فائدة منها ليس هذا فحسب بل إن الدخول في نفق هذه الخطة سيؤدي الى تعميق الشرخ والانقسام على الساحة الفلسطينية، والى اقتتال داخلي فلسطيني - فلسطيني والى محو ما تبقى من مصداقية للسلطة في عيون شعبها إن كانت قد بقيت لها أصلا ًأية مصداقية، والى اظهار الشعب الفلسطيني وكأنه هو الذي لا يريد الاستقرار والذي يمارس دور زعزعة الوضع الداخلي والإقليمي.
تُقرأ الرسالة من عنوانها. لو كانت لدى أمريكا أية نية للتحريك السياسي لكانت قامت بأي عمل أو اجراء يُضفي الصفة السياسية على تحركها الأخير بالمنطقة، ولو كانت لدى إسرائيل أية نية ليس للعمل السياسي بل على الأقل للمناورة السياسية لقامت بعمل يُضفي الطابع سياسي على لقاء العقبة ويجعل منه بالفعل رافعة لتحريك الوضع. وكل ما تريده أمريكا هو الهدوء في المنطقة لكي تتفرغ لحربها غير المباشرة في أوكرانيا ضد روسيا، "ولمعالجة" الملف الايراني بالاشتراك مع إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر.
مؤتمر العقبة هو تعثر آخر على طريق عثرات السلطة منذ فشل المفاوضات عام 2000/2001 ويثبت أننا أصبحنا أداة في أيدي أمريكا واللاعبين الإقليميين.
وأخيرا ً أقول بأن الحديث عن شهر رمضان وابداء المخاوف من التصعيد الذي يمكن أن يتم خلاله يجب أن يثير شكوكنا ومخاوفنا نحن لا الإسرائيليين. فشهر رمضان هو شهر عبادة وصوم وتفكر وتدبر وخشوع واعتكاف والأقصى وأروقته وساحاته شاهد على ذلك، وعلى الإسرائيليين الذين يُبدون المخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية في رمضان أن يكشفوا أجندتهم الخفية وأن يعلنوا ما الذي يبيتون لعمله في رمضان الذي سيتزامن مع عيد الفصح اليهودي وذبح القرابين.
أليس من الأصح أن نفترض بأن إسرائيل بحكومتها المشيخية المتطرفة هي التي تخطط لتصعيد المواجهة خلال شهر رمضان من خلال القيام بخطوات استفزازية غير مسبوقة مثل ادخال القرابين للأقصى أو منع المصلين من دخوله، وتحاول منذ الآن إعطاء الانطباع بأننا نحن المسؤولون عن التوتر؟ أم أن ممثليها في اجتماع العقبة اليوم سيحاولون تمرير رسالة عن تقسيم وشيك أعدوا له ويريدون تنفيذه؟
وأخيرا ً لا بد من التنويه الى الحقيقة البديهية المعروفة وهي أن أجهزة المخابرات لا ترى فيمن تتعامل معهم عادة شركاء أو أنداد بل تسعى دائما لتجنيد العملاء، وأن من لا يريد أن يجند عملاء فإنه يتحدث اليك من خلال القنوات السياسية إن كان يرى فيك ندا لاً أو شريكا سياسيا ً. افهموها!