لا تـتــزوّجْ مــن بــنــات كـنــعــان

20162401200320
حجم الخط

حدثت ضجة في بلاد اليهود في الاسابيع الاخيرة، الثقافة الليبرالية «اليسارية» لبست الزي الحربي، وخرجت في حرب. سبب الثوران الثقافي الجارف هو «جدار حي»؛ الكتاب الحذر للكاتبة دوريت رابنيان، حيث أُخرج من قائمة الكتب التي تُلزمها وزارة التربية والتعليم لطلاب «الأدب المكثف» في المدارس الثانوية. وراء هذه الخطوة يكمن التخوف من ان القصة الرومانسية قد تساعد على الاندماج، لأن القصة تتحدث عن حب قصير بين إسرائيلية وفلسطيني. أعلنت رابنيان فوراً أنه لم يكن بنيتها الحاق الضرر بتقاليد الانعزالية، لذلك تنتهي قصتها بفشل العلاقة العاطفية – الجنسية العابرة. اسرع كُتاب اسرائيل الكبار الى التجند: «الديمقراطية في خطر»، «الفاشية على الأبواب». والاسوأ من كل هذا: اذا استمررنا بهذا المنطق فاننا سنمارس الرقابة على التوراة أيضا، ونلغي بعض اجزائها، الاجزاء التي تصف الجنس الحر مع النساء الاغيار بل والزواج معهن. حين قرأت مجموعة المقالات الانفعالية لم أعرف اذا كان يجب أن أضحك من التلون أو البكاء من الجهل. في الدولة التي لا يستطيع المواطن اليهودي فيها أن يتزوج زواجا مدنيا من غير اليهود (هذا التشريع وضع في حقبة السيطرة غير الدينية وكانت الاعتبارات دائما مركزية أكثر منها دينية) دولة أعلنت فيها غولدا مائير، رئيسة الحكومة العلمانية الاشتراكية، وبشكل علني ان كل من يتزوج من غير يهودي ينضم الى ستة ملايين قتلوا في المجزرة النازية. دولة تمنع من النواحي الامنية سكانها الفلسطينيين الاسرائيليين من احضار زوجاتهم من «المناطق» من أجل لم الشمل في اسرائيل، دولة لا تنتمي حسب مبادئها الى مواطنيها الاسرائيليين مثل أية ديمقراطية عقلانية. بل الى اولئك الذين ولدوا من أم يهودية في أرجاء العالم (كما هو معروف فان الاب اليهودي لا يكفي). في هذا الواقع التاريخي الخاص فان التهجم على وزير تعليم يطبق مبادئ دولته، هو أمر متلون سياسيا وغير مستقيم. اضافة الى ذلك فإن وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، الذي يحب التوراة ليس أقل من منتقديه العلمانيين. صحيح أنه ليس جاهلا مثلهم، صحيح أن التوحيد التوراتي بعيد كل البعد عن اليهودية، لذلك توجد فيه نظرة مختلفة للجنس والزواج. أين يكمن الفرق الحاسم؟ في اساطير المكراه وعلى العكس من اوامر التلمود، مسموح باذن الله النوم والزواج مع الآراميات أو المصريات، ولكن محظور فعل ذلك مع الكنعانيات المحليات (أي الفلسطينيات). هذا الموقف الواضح يوجد في كتاب براشيت وحتى في كتب عزرا ونحميا. حينما أصبح اسحق رجلا أمر أبوه ابراهيم عبده: «لا تأخذ امرأة لابني من بنات كنعان، بل اذهب الى ارضي ووطني من اجل أخذ امرأة لابني اسحق». حينما رأت رفقة الآرامية أن ابنها يعقوب بدأ بالنظر الى المحليات، توجهت الى زوجها الشيخ. «ضقت ذرعا ببنات الخطيئة. اذا أخذ يعقوب امرأة من بنات الخطيئة في البلاد فلا حاجة الى بقائي على قيد الحياة». اسحق يوافق فورا على موقف زوجته ويطلب من ابنه «لا تأخذ امرأة من بنات كنعان». صحيح أن يعقوب المطيع يذهب الى وطن أمه ويتزوج من آراميتين ويأخذ زانيتين من اجل انجاب الاولاد (لا يجب أن ننسى أن هاجر هي صاحبة ابراهيم ولم تكن محلية بل مصرية). الاعتبار لدى ابطال المكراه يتطور ويتشكل. يأخذ يوسف اوسنات المصرية زوجة له والتي قدمها له فرعون. وكما هو معروف يتزوج موسى من سيبورة، وهكذا تتبلور ذرية اسرائيل. موسى المحبوب هو الذي يلعب في النهاية لعبة الانفصال عن المحليين. بعد الحصول على الوصايا العشر، وبعد الاوامر القاطعة بقتل كل من هم في بلاد كنعان، لا ينسى التشديد على «لا تزوج ابنتك منهم ولا يتزوج ابنك منهم». ووريثه يهوشع ايضا، المسؤول عن قتل الاولاد، يأمر مقربيه قبل موته: «اذا عدتم وتزوجتم من هؤلاء الاغيار فان يهوا سيقوم باستبدال هؤلاء الاغيار بكم». لكن كارثة الآخر المختار الذي احتل هذه البلاد حتى اليوم هي أن قادته غير مكبوحين بما يكفي من الناحية الجنسية، ولم ينصاعوا لاقوال الله. المملكة الوهمية والفاخرة لشلومو تدهورت وانقسمت لأن الشبق أخذ من بين 700 امرأة له 300 صاحبة من المحليات المغريات. واكثر من ذلك فان عقوبة النفي فرضت بسبب فشل تطبيق الفصل. «لم ينفصل شعب اسرائيل والكهنة عن شعوب البلاد الكنعانية والفارسية واليبوسية والمصرية لأنهم تزوجوا من بناتهم». يبدو أن بينيت يعرف المكراه وإرث اسرائيل المنغلق اكثر. لن اتفاجأ اذا اكتشفت أنه يخاف بالفعل مثل معظم قادة الصهيونية، بل ايضا مثل اعضاء الكيبوتسات الاشتراكيين في الماضي، من الاندماج مع الاغيار. الاشكالية في الجدل توجد لدى معظم المثقفين الاسرائيليين «المتنورين» الذين يحاولون حتى اليوم الذهاب مع والشعور بدون». هؤلاء المثقفون يعارضون العنصرية، وفي الوقت ذاته يتحفظون بخجل على الاندماج. يطلبون تعريف أنفسهم كيهود علمانيين يعارضون الفرض الديني، لكنهم يضطرون الى استخدام تعريف هويتهم بمعايير دينية (حتى اليوم، لسوء الحظ، لا يمكن معرفة من هو اليهودي حسب الـ دي.ان.ايه). انهم ديمقراطيون بشرط ألا تكون دولتهم لجميع الاسرائيليين دون تمييز في الدين والعرق، بل تبقى الى الأبد دولة «الشعب اليهودي». انهم يعارضون استمرار سيطرة اسرائيل في الخليل وبيت لحم وأريحا، لكنهم يستمرون في تبرير المشروع الصهيوني بمساعدة اعتبارات الحقوق التاريخية منذ ألفي عام. هذه التناقضات وغيرها هي مصدر ضعفهم، وهي الاساس القوة المسؤول عن الجهاز التعليمي الآخذة في الازدياد. هزيمة اليسار الصهيوني كانت على ما يبدو موجودة منذ بداية القصة.