تم ارسال السجانين لتنفيذ بحث علمي على أسراهم من اجل اهداف تطبيقية. كانت هذه احدى الانباء اللافتة، الاسبوع الماضي، فقبل ذلك قرأناها لدى عاموس هرئيل وبعد ذلك تطرق للموضوع صحافيون آخرون. الضباط والقادة في الاستخبارات في الجيش، وضباط مكتب منسق شؤون «المناطق» التقوا في السجن مع الفلسطينيين، الذي حاولوا تنفيذ عمليات فردية، وبقوا على قيد الحياة (حسب تقرير الجيش قتل في الضفة الغربية 88 شخصا وتم اعتقال 40). المتحدثون بلسان الشرطة ليست لديهم معطيات فيما يتعلق بمناطق اسرائيل والقدس الشرقية. يمكن أخذ الانطباع من التقارير بأن الضباط على استعداد للتراجع عن الفرضيات المسبقة (وجدوا مثلا أنه ليس الدين ولا التحريض في الشبكات الاجتماعية هو الذي حرك الشبان بل بث «حماس» و»الجهاد» هو الذي أثر فيهم). في تقرير لصوت الجيش تم تقديم الاستنتاجات التالية: وجد عند الشبان اغتراب كبير عن مصادر المسؤولية. لم يُذكر أبو مازن في الحوارات. لا يوجد لهم انتماء تنظيمي، ولكن يوجد شعور بالوحدة الوطنية. هناك اغتراب عن الأبوين. قصص العنف في العائلة. العائلات عقلانية. ليسوا شباناً هامشيين. الايديولوجيا لديهم عمومية ومتدنية. اغلبيتهم لا يعرفون ما هي اسرائيل أصلا. اللقاءات الوحيدة كانت على الحواجز مع الجنود. هذه التفاصيل للفلسطينيين غير مخترعة. لا حاجة الى الذهاب إلى السجن من اجل وضعها. ولكن حسب التقارير الصحافية فان هناك شيئا اساسيا غائبا في تحليل الضباط. لم يقولوا لنا ما هو عدد المعتقلين الذين التقى معهم المحققون، وكم منهم أصيب باطلاق النار وأين حدثت اللقاءات: في الزنزانات أم في غرفة ادارة السجن. اذا كان في غرفة الادارة فهل تم احضار الأسرى وهم مقيدون بأرجلهم. هل كان هناك شبان رفضوا الحديث، وماذا حدث عندما رفضوا؟ هل جاء المحققون بالزي الرسمي وعرّفوا بأنفسهم. هل كان الشبان يلبسون زي مصلحة السجون. هذه التفاصيل تُذكرنا أن البحث تم في اطار السلطة المزدوجة: سلطة السجون وسلطة السيطرة الاسرائيلية المفروضة. البحث الذي يتم تحت امرة السلطة ليس اخلاقيا حتى لو أدى الى استنتاجات صحيحة. الأسرى الفلسطينيون الأمنيون كانوا دائماً مصدراً لجذب المحققين التابعين للمؤسسة – اطباء نفسيون في خدمة الاجهزة الامنية واشخاص جاؤوا من «الموساد» الى مراكز الابحاث الامنية في الجامعات، يفرض أحد الحقوقيين الفلسطينيين أن الشبان اعتبروا الحديث مع الضباط ورجال الجيش استمراراً لتحقيق «الشاباك» والشرطة. لهذا لم يخطر ببالهم أن يرفضوا. لكن الحقيقة هي أن الأسرى ذوي الوعي السياسي العالي قد وافقوا في الماضي على اجراء المقابلات مع الباحثين والصحافيين الاسرائيليين. والتقاء «الاخلاق» مع «اسرائيليين» ليس موجودا في نظرهم. لذلك افترضوا أن المحققين لن يفهموا رفضهم لاجراء المقابلة. يمكن أنهم كانوا يريدون كسر الروتين في السجن، ويمكن أن وجود من يستمع اليهم أحدث عندهم الراحة أو أنه تم وعدهم ببعض التسهيلات. أو ربما أملوا أن ينجحوا في هذه المرة باقناع محقق من المؤسسة أن المشكلة فيه وفي النظام الذي يمثله. من التقارير الصحافية حول معطيات البحث يبدو أن المحققين – السجانين – تجاهلوا حقيقة أن جميع الفلسطينيين هم أسرى في السجون الاسرائيلية المختلفة: عوفر ونفحة، ومعسكر ضخم يسمى قطاع غزة، مناطق الضفة الغربية، وأحياء مهملة بشكل متعمد في القدس وقرى غير معترف بها. الامر المؤكد هو أن المحققين لا يستوعبون أنهم السجانون. وحسب التقارير فان المحققين قد تملصوا من السبب الرئيسي. الاحتلال. الشاب الذي يعيش في العيسوية المخنوقة والمكتظة ويمر عن طريق التلة الفرنسية الخضراء والمرفهة، يتلقى كل يوم صفعة من السلطة التي تقول له إنه دون. صحيح أن العائلة لم تعد مصدرا للسلطة. وما الغريب في ذلك، حيث تقوم اسرائيل بسلب الاراضي والمياه ومنازل العائلات وتفرض القيود على الحركة التي تؤدي الى فقدان الآباء لمصدر رزقهم. وهي تضرب وتعتقل الكبار أمام أبنائهم. ثمة تردٍ ايديولوجي ينتشر عند الجميع. لكن الصمود في وجه القمع والاقتلاع والاهانة يغذي القدرة على المشاهدة والتفكير عند كل فلسطيني. الكلمات ليست لامعة والافكار صيغت على شكل الشعارات لكن العمق واليأس موجودان. من توجه الى بحث كهذا، وهو يعرف مسبقا أنه لن يتم التطرق الى الجوهر، هو أسير وليس فقط سجانا. الإسرائيليون في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية طوّروا نوعاً من الهستيريا لجمع المعلومات عن الفلسطينيين. وهذا من اجل تحسين السيطرة على الفلسطينيين وتخليدها. المحققون الذين يتفاخرون بالمعلومات الكثيرة التي جمعوها عن الفلسطينيين هم أسرى المهنة والرتب، أو أسرى الايديولوجيا المتعالية لليهود وميثولوجيا الأمن، أو كلها معا. نحن بحاجة إلى بحث نفسي واجتماعي تطبيقي عنهم يفسر لماذا تستمر كرة الثلج النازفة في التدحرج.
بالصور : يوفنتوس يعود للمسار الصحيح بإسقاط ليتشي
27 سبتمبر 2023