ما الذي يخشاه الفلسطينيون من اجتماع العقبة؟

D2EE8231-76C0-4BE1-866C-C276BEEBC922-e1601304572733.jpeg
حجم الخط

بقلم عبد المجيد سويلم

 

 

 

بعيداً عن لغة التنميق والتزويق التي تسود عند أهل المؤسسة الرسمية الفلسطينية، والتي تحاول تبرير حضورها لهذا الاجتماع (بالحفاظ على الأرواح والممتلكات) وعدم تمكين الإسرائيليين من الاستمرار بالتوغّل في الدم الفلسطيني، ومحاولة «الاستعانة» بالمجتمع الدولي والإقليمي لوقف الاحتلال لكل إجراءاته «الأُحادية»، بما في ذلك الاستيطان، وهدم المنازل والاقتحامات للمدن والبلدات والمقدسات.. بعيداً عن هذه اللغة التي لا تستند إلى حقائق واقعية، ولا حتى منطقية، وبعيداً عن لغة المعارضة والاعتراض، والتي لا تتّسم هي بدورها إلّا بلغة التهويش السياسي، وتستخدم من التعابير والألفاظ والمصطلحات أحياناً ما يُخرج الموضوع عن سياقه، وبما يحشر المسألة، أو حتى المسائل كلّها في زوايا الجانب «الإنشائي» من هذه المسائل، بعيداً عن هذا كلّه يبقى السؤال الماثل أمام الكلّ الفلسطيني هو: ما هو مصدر، وما هي حقيقة المخاوف التي يحملها اجتماع العقبة؟ وبالمقابل، ما هي «خطة» المعارضة، وأصحاب حق الاعتراض على ما يدور في الساحة الوطنية من وقائع وتطورات؟ وهل لديهم ولو خطوة عملية واحدة خارج نطاق منظومة الوصف والموصوف لما يجري للقضية من تحدّيات وأخطار مصيرية؟
الحقيقة هي أن لغة المؤسسة الرسمية مبنية على «أوهام» لن تتحقق أبداً، ولغة المعارضة والاعتراض لا تكفّ عن كونها (الاستمرار «الشرعي» والوحيد) لحالة المراوحة في العجز، ولحالة الإبقاء والبقاء في عالم التشديد والتأكيد والتنديد!
المسألة أكبر من التزويق والتنميق، وأبعد وأخطر من التشديد والتنديد والتأكيد. لماذا:
لأن هدف إسرائيل من هذا الاجتماع هو تصوير «الواقع» وكأنه حالة دفاع عن الأمن الإسرائيلي، وهدف الولايات المتحدة الأميركية تصوير الوضع وكأنه «مبالغة» إسرائيلية، أو إفراط من جانبها في «ردّة الفعل» على «الهجمات» الفلسطينية، بل وتزوير كل هذا الواقع وهذا الوضع بالإيحاء بأن «الأزمة» تكمن في «تهاون» السلطة الوطنية الفلسطينية في فرض سلطتها، أو عجزها عن ذلك، وأنّ «الحلّ» هو بأن «تفرض» السلطة سلطتها حتى «تتوقّف» إسرائيل عن الاغتيالات التي تقوم بها والهجمات التي تنفذها.
والمطلوب ــ حسب ما يبدو حتى الآن ــ هو «تهدئة» لمدة معينة قد تصل إلى ثلاثة أشهر، أو ستة أشهر «تُعطى» للسلطة، لكي ترتّب أمورها على هذا الأساس، على أن «تنظر» إسرائيل ــ وهذه هي الحقيقة التي عبّرت عنها حتى الآن ــ في نتائج «سلوك» السلطة، لكي توقف مؤقتاً من دون أي التزام أو أي مواعيد «بعض» الإجراءات الأُحادية والتي لا تطال بأيّ حالٍ من الأحوال الاستيطان، أو «الضمّ» الزاحف، أو مصادرة الأراضي، أو الاستيلاء على مصادر الثروة، وليس لها أيّ بُعد سياسي، وأقصى ما تتضمّنه هو «الإفراج» بالتدريج وبالقطّارة، وبشروط تعجيزية عن الأموال الفلسطينية المنهوبة.
هذه التهدئة والتي لن تتحقّق مطلقاً في الواقع، الهدف منها ليس التهدئة بحدّ ذاتها، وإنّما المطلوب ــ حسب المفهوم الأميركي والإسرائيلي ــ هو مشاركة السلطة في «توفير» الظروف المناسبة لبقاء حكومة بنيامين نتنياهو قادرة على حفظ التوازن بين مكوّناتها، بحيث يستمر الاستيطان حسب جدول الأعمال الذي أقرّته هذه الحكومة، (بناء 7000 وحدة استيطانية)، وإعطاء وزير المالية فرصة الإشراف على (تنظيم وإعادة هيكلة عمليات الاستيطان الكبيرة، وبناء البنية المتكاملة للضمّ الرسمي في المستقبل)، كما تم الاتفاق عليه مع وزير الجيش بمباركة نتنياهو.
ربما أن الهدف العربي، والهدف الفلسطيني ليس هو نفس الهدف الإسرائيلي والأميركي، لكن البُعد الإجرائي والعملي هو المطلوب من الفلسطينيين، والبُعد الإعلامي، ولغة العلاقات العامة هي المطلوبة فقط من الجانب الإسرائيلي ومن الأميركي على حدٍّ سواء، إذا استثنينا «الحفنة» المالية التي يتم الحديث عنها، أما الحديث عن أيّ بُعد سياسي لهذا الاجتماع باستثناء المعزوفات التي نحفظها عن ظاهر قلب فهو الغائب والمُغيَّب الأهم، وكما يُقال في أمثالنا الشعبية: «الغايب ماله نايب».
الخوف الحقيقي هو أن تصدق السلطة بأن الولايات المتحدة يمكن أن تلجم حكومة نتنياهو عن الاستمرار في كلّ سياساتها، والتي هي كلها أُحادية ومن طرفٍ واحد، ووفق مصالح هذا الطرف، وفي إطار سياساته ورُؤاه واستراتيجياته، أو أن تصدق السلطة بأن حكومة نتنياهو يمكن أن تتراجع عن أيّ مفصلٍ من مفاصل برنامجها المتفق عليه، والمُوقّع عليه من قبل أطرافه، أو حتى بمقدور أيّ حكومة من داخل المنظومة الصهيونية كلها التراجع عن سياسات كهذه.
وسواء صدّقت السلطة ذلك كلّه، أو أنه ليس أمامها في الواقع الذي تراه لنفسها سوى أن تصدق، فإن انخراط السلطة في «المشاركة» المطلوبة منها هو الخطر والمطبّ، وربما هو الهدف الحقيقي من هذا الاجتماع، كما تراه إسرائيل، وكما ترعاه الولايات المتحدة، وكما ينجرّ له الجانب الفلسطيني والعرب من ورائه، أو العكس.
الخوف أن تنخرط السلطة وأهل الاعتراض في خطة نقل الصراع إلى الجسد الفلسطيني في الضفة الغربية، والاقتتال على دبٍّ ليس له أيّ وجود، لكي يحصل على جلده أحد.
تهدئة تقايض «مشروع المقاومة» في القطاع «بحفنة» من الدولارات والبضائع وتصاريح العمل، وتهدئة في الضفة تقايض مشروع المقاومة بحفنة من دولارات أموالنا المنهوبة.
إمارة هناك، وعدّة «إمارات» هنا، بعد أن «نُنجز» كامل مرحلة «المشاركة»، والتي هي ليست سوى وصفة «لفتنة وطنية» كاملة الأوصاف، في نفس الوقت تستمر حروب البيانات من «الإمارات» على الإمارة، ومن الإمارة على «الإمارات».
وكل تهدئة ترى في التهدئة الأخرى ما يكفي ويزيد ويفيض لبقاء حالة الشلل الوطني، وحالة الانقسام المدمّر، وحالة الضياع.
سأقول لكم متى سينتهي ذلك كلّه، ومتى سينفضّ السّامر، وتنتهي الجوانب المضحكة في هذا العرض المسرحي السخيف.. عندما تتبلور قيادات وطنية مخلصة، تعيد بناء الحالة الوطنية من جديد، وعندما تتحول المقاومة إلى مشروع وطني، وليس إلى مشروع للسلطة تحت رحمة الاحتلال في الضفة والقطاع، على حدٍّ سواء، وعندما يطرح الشعب الفلسطيني برنامجه الوطني الحقيقي، حينها ستنتهي هذه الحالة السوريالية في الواقع السياسي الفلسطيني، وسيعود أهل السلطة، وأهل المعارضة، وأهل الاعتراض، و»المقاومة» التي تؤمّن بقاء السلطات أوّلاً وقبل كلّ شيء .. حينها سيعاودون ويراجعون، وربما يتوحَّدون، أيضاً، لمنع صعود الحالة الوطنية الحقيقية التي تبدو بشائرها قريبة، وأقرب ممّا يظنُّون.