العدوان الهمجي البربري الذي قامت به عصابات المستوطنين في حوارة ومناطق أخرى في الضفة الغربية بحماية جيش الاحتلال وبرعاية وزراء في الحكومة ودعم من سياسيين وأعضاء برلمان فرحوا للمشهد العنصري الدموي، يمثل فصلاً جديداً في السياسة الإسرائيلية لا ينبغي المرور عليه مر الكرام والتعاطي معه عبر النداءات والدعوات المستغيثة لتوفير الحماية الدولية لشعبنا من خلال المؤسسات الدولية.
فهذه ليست سوى تكرار مقيت لأشياء تم تجريبها وفشلت في السابق في كل المرات التي تعرض فيها شعبنا لجرائم الاحتلال البربرية. فالمجتمع الدولي لا يتحرك إلا إذا اشتعلت النار بشكل كامل وشعرت الدول الكبرى وخاصة الغربية بوجود تهديد على مصالحها في المنطقة.
منذ تشكيل الحكومة الحالية وإعلان برنامجها السياسي كان يجب اتخاذ موقف حازم منها ومن كل أشكال العلاقة مع إسرائيل. فهذه الحكومة أعلنت صراحة أنه لا يوجد أي حقوق للفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية والحق هو حصري لليهود فقط. وأعلنت عن مشروع الضم الزاحف لمناطق واسعة من الضفة المحتلة وتوسيع نطاق المشروع الاستيطاني ليبتلع كل مناطق (ج). وقررت تغيير الوضع القائم في القدس المحتلة لجهة فرض تهويد الحرم القدسي. وعليه فإن أي حديث عن اتفاقات مع إسرائيل يصبح سخيفاً ولا علاقة له بالواقع وفقط يعبر عن خضوع لرغبة الإسرائيليين في الحفاظ على الأمن لاستكمال تنفيذ مشروعهم.
وتحت هذا الإطار يندرج لقاء العقبة الذي شاركت فيه السلطة إلى جانب مصر والأردن وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا. والذي كانت مخرجاته تنسجم تماماً مع مطالب الغرب وإسرائيل بتوفير الأمن في المناطق الفلسطينية دون مقابل. وفقط مجرد فسحة تافهة من الوقت هي أصلاً قائمة في إطار الإجراءات الإسرائيلية البيروقراطية المعتادة، كوقف الإعلان عن بناء وحدات سكنية جديدة أو شرعنة مستوطنات جديدة لعدة شهور.
في الواقع، لقاء العقبة لم يكن له أي داعٍ على الإطلاق ولا يمثل أي تغيير في سياسة إسرائيل. وهي أرادت فقط من الضحية التي هي الشعب الفلسطيني أن يصمت على جرائم الحرب التي ترتكب ضده. ومن كان يتوقع تغييراً في السياسة الإسرائيلية، من قبيل وقف الاستيطان والخطوات أحادية الجانب لتدمير فكرة حل الدولتين، لا يعرف شيئاً في السياسة وخاصة في الواقع الراهن في إسرائيل. فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يصارع من أجل البقاء وقد سلم بشكل كامل بمطالب التيار الصهيوني - الديني التي تريد تغيير وجه المنطقة بشكل جذري وبطريقة تجعل التسوية السياسية مستحيلة.
وهو حتى لو رغب، مع أنه يتقاطع مع مشروع اليمين العنصري، فلن يستطيع التراجع لأن هذا يعني سقوط حكومته فوراً وأنه قد يذهب للسجن ويعني كذلك نهايته السياسية.
ومن باب أولى أن تصاغ المواقف والسياسات الفلسطينية بناء على الواقع القائم في إسرائيل وليس بناء على أوهام وشعارات وحتى دعوات غربية هي تأتي لتجنب الحرج أو لتأجيل انفجار الوضع، خاصة في هذه الفترة التي ينشغلون فيها بملف الحرب الأوكرانية. والتحالف الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة لا يريد أن يتم جره للتدخل في منطقة مشتعلة أخرى. ويرغب بتهدئة الأمور على الأقل حتى تنتهي الحرب في أوكرانيا، أو تهدأ كثيراً ولا تصبح أولوية غربية أو دولية.
الغضب الشعبي على المشاركة في لقاء العقبة مفهوم ومبرر تماماً، فالأحداث على الأرض تقول بشكل قاطع ودون أي مواربة إن إسرائيل ليست معنية بالتوصل إلى أي تفاهمات يمكن أن تعطل برنامجها الاحتلالي الاستيطاني. وما حدث في نابلس وفي حوارة ويحصل في مختلف أرجاء الضفة يبعث برسالة واضحة لكل الناس، للأعمى والبصير على السواء بأنه لا مجال للحوار مع حكومة نتنياهو وأي تفاهم معها يمنحها الوقت والفرصة للقضاء على ما تبقى من الحقوق الوطنية الفلسطينية. والمواطنون بفطرتهم وبوعيهم باتوا يدركون مآلات التعاطي المرن والمائع مع ما تقوم به إسرائيل.
الأولى أنه منذ أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية شطب حقوق الشعب الفلسطيني في أرض وطنه، أن تعلن القيادة الفلسطينية أنها عادت إلى البرنامج الأول لمنظمة التحرير باعتبار أن فلسطين التاريخية هي حق حصري للشعب الفلسطيني، وتلغي الاعتراف بدولة إسرائيل. وتضع العالم أمام حقيقة واقعة جديدة. إذا أنكرونا سننكرهم. وعندما يعترفون بنا سنعترف بهم. وفي حال اعترفت إسرائيل بدولة فلسطين ستعترف فلسطين بدولة إسرائيل. صحيح أن هذا الموقف كبير وقد يترتب عليه غضب أميركي وربما غربي وقد يحصل غضب عربي أيضاً. ولكن لا ضير في ذلك، فأميركا لا تقدم لنا شيئاً نأسف عليه، ونكثت بكل وعودها وعهودها. فلا أعادت افتتاح القنصلية الأميركية في القدس، ولا سمحت بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير، ولا تزال تتعامل مع السلطة والمنظمة باعتبارهما إرهابيتين ولا تقدم للسلطة أي دعم مالي.
والأشقاء يدعموننا بالكلام وأحياناً يمارسون ضغطاً كبيراً علينا. فلماذا نخشى الذهاب بعيداً لإعادة وضع الأمور في نصابها الصحيح؟
ألم يكن من المفروض أن توفر السلطة الحماية للمواطنين في حوارة بإرسال قوات الأمن الفلسطينية من نابلس ومناطق أخرى إلى حوارة للدفاع عنهم، حتى لو منعتهم قوات الاحتلال من الوصول، كان يجب خلق مشكلة كبرى، وعدم الاكتفاء بالبيانات والتصريحات التي لا تحمي أحداً؟ هناك حاجة ماسة وضرورة وطنية ملحة للقيام بتغيير نمط التفكير السائد لدى القيادات السياسية والفصائل الفلسطينية كافة.