هارتس : مؤتمر العقبة.. محاولة لخلق "حزام أمان" يقيّد قدرة حكومة نتنياهو على إشعال "انتفاضة إقليمية"

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل



اعتبر اللقاء الذي جرى، الأحد الماضي، في العقبة في الأردن، والذي شارك فيه، بعد سنوات، ممثلون عن إسرائيل ومصر والأردن والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، لقاء أمنياً وليس لقاء سياسياً، وكان هدفه فحص طرق للتعاون من اجل وقف التدهور الأمني في الضفة وفي القطاع. يبدو أن الحديث يدور عن اجتماع لذوي مصالح امام أعينهم يوجد هدف مشترك، ليس فقط منع الاشتعال في المناطق، بل أيضاً وقف انتشاره الى الدول المجاورة.
في الأيام العادية، قبل ثلاثة اشهر، جرت هذه النقاشات بشكل ثنائي. فإسرائيل تناقشت مع مصر في الشؤون المتعلقة بقطاع غزة وإعادة إعماره وعملية تبادل بين السجناء الفلسطينيين وبين الجثث والمخطوفين الإسرائيليين؛ ومع الاردن تعلقت النقاشات بالحرم الذي يوجد فيه للأردن مكانة خاصة؛ ومع السلطة الفلسطينية، في حالة إجراء نقاشات كهذه، تناولت التنسيق الأمني.
لكن بعد بداية ولاية حكومة بنيامين نتنياهو وتوزيع الوظائف الرئيسية على ممثلي اليهودية المتطرفة والتصريحات المثيرة عن شرعنة التسع بؤر وبناء آلاف الوحدات السكنية ونقل جزء من صلاحيات الحكم في "المناطق" من الجيش الى وزراء ومسؤولين مدنيين، كان من الواضح أن الحوار الأمني الثنائي بين إسرائيل وكل جارة من جيرانها على حدة لن يكون كافياً. التهديد السياسي – السياساتي لشبكة العلاقات الهشة أصلاً بين إسرائيل والاردن، دفعت رئيس الحكومة لزيارة عمان بشكل مستعجل والتعهد بأن مكانة الاردن في الحرم لن تتغير.
مع ذلك، لم تعمل زيارة نتنياهو على تهدئة الشكوك. جهود إسرائيل لتأطير شبكة العلاقات هذه في سياق الحرم فقط تتجاهل أن أي تطور عنيف في "المناطق"، سواء في جنين أو في جنوب جبل الخليل، تؤدي فقط الى تقلبات هزات في المملكة. في الأردن أصبحت الطريقة معروفة. في البداية تحمل التظاهرات شعارات ضد الاحتلال الإسرائيلي وتحظى على الفور بالشرعية. في وقت قصير تتحول التظاهرات للتركيز على العجز الاقتصادي للحكومة في محاولتها مواجهة البطالة والفقر، وبالطبع ضد الملك نفسه.
التأثير الذي يوجد للاردن على إسرائيل وقدرته على التأثير على السياسة في الضفة الغربية، محدود. الأردن ليس الامارات التي اعطت لنتنياهو هدية كبيرة على شكل اتفاق السلام، واتفاقات تجارية بالمليارات. مقابل أبو ظبي فإن عمان لا تعتبر شريكة محتملة في المعركة ضد ايران. لذلك فإن الاردن بحاجة الى حزام امان عربي اوسع كي يستطيع الدفاع عن نفسه من التهديد من الغرب.
في الوقت ذاته قالت شخصيات مصرية رفيعة، تحدثت مع وسائل اعلام عربية، إن النظام في القاهرة لا يثق بنتنياهو، ويعتقد أنه لا يمكنه تنفيذ كل الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين الدولتين. تخشى مصر من أن حكومة نتنياهو لن تسمح لها بلعب الدور الثابت كوسيطة امام "حماس"، وستقلص حجم التجارة بين إسرائيل وغزة، وستشعل السجون، الامر الذي سيتسبب بتمرد السجناء. خوف مصر الأساسي هو أن الحكومة ستدفع "حماس" و"الجهاد الاسلامي" الى الزاوية وستصعب جداً على الحكومة في القاهرة أن تهب لمساعدتهم. مصر، التي ما زالت حتى الآن لم تقم بدعوة نتنياهو لزيارة رسمية، تدير العلاقات مع إسرائيل من خلال كبار الضباط في الجيش و"الشاباك"، حتى أنها تشتكي من أنها لا تحصل على اجوبة متواصلة من المستوى السياسي.
الولايات المتحدة، التي تمسك بيدها رافعة الضغط السياسية والاقتصادية والأمنية الأكثر أهمية، أسمعت إدانات ودعوات تحذير تجاه خطط الانقلاب النظامي، لكنها ايضا تعرضت للانتقاد من معظم وزراء الحكومة بأن هذه التصريحات هي تدخل وقح في شؤون إسرائيل الداخلية. تحذر واشنطن في هذه الاثناء من التصادم مع الحكومة في ساحة المعركة التي تعتبر "قيما مشتركة" للدولتين. وفي هذه الاثناء تكتفي برسم خطوط حمراء في موضوع المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وكأنه لا توجد علاقة بين جنون العظمة القانوني والاداري للحكومة وبين الاستعراضات التي تحدث في الضفة. يضع هذا الموقف المتراخي الولايات المتحدة في الخندق ذاته مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية والامارات والسعودية، التي لم تتأثر ولم تنفعل من أن طريقة الحكم في إسرائيل اصبحت تشبه أكثر الدارج لديها، شريطة أن لا يكون لذلك أي تأثير على الفتيل الذي بدأ في الضفة وفي القدس، وأن لا يمتد الى عواصمهم.
هنا تكمن اهمية اللقاء في العقبة. اللاعبون الرئيسيون في هذا اللقاء هم رؤساء اجهزة المخابرات في الاردن وإسرائيل ومصر. واللاعبون الثانويون هي الجهات السياسية التي شاركت فيه. الافتراض الرئيسي الذي ارتكز إليه اللقاء هو أن رؤساء اجهزة المخابرات في الدول الثلاث وفي السلطة الفلسطينية يمكنهم التعاون بشكل ناجع وودي اكثر من المستويات السياسية. هذا الافتراض له اساس على الارض – العلاقات التي يقيمها "الشاباك" مع نظرائه في السلطة الفلسطينية وفي الاردن.
الامر الذي لا يقل أهمية عن ذلك هو الاعتراف الخفي، الذي يكمن في مجرد عقد اللقاء، والذي بحسبه المستوى السياسي في إسرائيل ومن يترأسه "جسم مشبوه" حتى الآن لا يمكن معرفة كيفية تصرفه تحت الضغط من داخل الحكومة. من هنا يمكن الاستنتاج بأن المنتدى الذي عقد في العقبة، والذي يتوقع أن يعقد ثانية في آذار في شرم الشيخ، يطمح الى ايجاد "حزام امان" يقيد قدرة الحكومة على اشعال المنطقة واشعال انتفاضة اقليمية.
أمل المبادرين لهذا اللقاء هو أن "الشاباك" ما زال له تأثير كبير على قرارات نتنياهو الأمنية، على الأقل في كل ما يتعلق بادارة المعركة في "المناطق". الردود العاصفة، التي أسمعها وزير المالية، سموتريتش، ووزير الأمن الوطني، بن غفير، وغيرهما، عن مجرد عقد اللقاء والتصريحات التي خرجت منه حول عدم الدفع قدما بالبناء الجديد في "المناطق"، والنفي من جانب نتنياهو، الذي عرف ووافق على البيان المشترك الذي خرج من اللقاء، تدل على أنه يوجد لمخاوف الشركاء في الاجتماع ما تستند إليه. السؤال المطروح الآن هو هل ازاء التطورات العنيفة في الضفة وفي القدس ستكون جدوى لاجتماع آخر لهذا المنتدى، واذا كان حزام الأمان هذا يمكنه أن يلعب دوره ويوقف الانفجار القادم.

عن "هآرتس