هارتس : بدأ جهاز الأمن يستوعب، متأخراً، بأن الضفة تشتعل

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 

 


سبق أن شهدت الضفة الغربية أعمال شغب، شارك فيها الكثير من اليهود رداً على أعمال دموية، لكن ما ظهر في حوارة كان كما يبدو غير مسبوق في حجمه. خلال ساعات عربد عشرات المستوطنين في القرية في أعقاب قتل أخوين من هار براخا، هيلل ويغيل يانيف، وقاموا بمهاجمة الفلسطينيين وأحرقوا بيوتاً وسيارات. الجيش والشرطة، الذين وضعوا في المكان قوات قليلة نسبيا رغم التحذيرات المتراكمة، لم يتمكنوا من وقف أعمال الشغب. في هذه الأثناء يستمر التصعيد في الضفة. فمساء الاثنين قتل شاب إسرائيلي بنار أُطلقت على سيارته قرب اريحا.
في الشبكات الاجتماعية تم بث فيلم ظهر فيه المشاغبون وهم يتوقفون للحظة عن اعمال العنف لكي يقيموا صلاة المساء. يصعب التفكير بتشويه أخطر للقيم المعلنة للدولة من صلاة القوزاق المسروقين بعد لحظة من تفريغ غضبهم ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في حوارة.
لم تولد المذبحة في حوارة يتيمة. فهناك أب وأم فكريان لها، لم يخفيا رغبتهما في أن تتحقق. فور عملية القتل تم توزيع منشورات في "السامرة"، دعت المستوطنين الى الخروج في مسيرة من يتسهار الى حوارة وطالبوا فيها بالانتقام. نائب رئيس مجلس شومرون (ونائب قائد كتيبة احتياط الذي بقي في منصبه بطريقة ما) دعا في "تويتر" الى محو حوارة في اليوم ذاته لأنه "لا مكان للرحمة". وزير المالية، والوزير في وزارة الدفاع وعضو الكابنت، بتسلئيل سموتريتش، أضاف اعجابه، وشطبه بعد ذلك عندما حصل على انتقاد عام عليه.
بصورة ما، لم يكن كل ذلك كافياً من أجل حث قوات الامن على القيام بعمل حثيث وكذلك شرطة لواء شاي. من يعرف، ربما كانوا في الشرطة منشغلين جدا في تحليل نوايا الفوضويين الخطيرين من اليسار قبل المظاهرة القادمة في تل ابيب. موضوع آخر يتعلق باللواء اليهودي في "الشاباك". ففي الجهاز قالوا، أول من أمس، بما أن الامر يتعلق بخرق للنظام العام صريح ومعروف مسبقا، فان الاستعداد لمواجهته يوجد تحت مسؤولية الشرطة. هذا ليس جوابا مقنعا، ومن الجيد أن اللواء اليهودي دخل، أول من أمس، الى العمل والتحقيق حتى لو كان ذلك بتأخير بارز.
في بث "كان" في الليل، حيث كانت أبعاد العربدة واضحة، رفضت ناشطة استيطانية، دانييلا فايس، المطالبة (الزائدة بحد ذاتها عندما توجه اليها) بإدانة هذه الأفعال أو دعوة مثيري الشغب الى الخروج من حوارة. صباح أول من أمس قال عضو حزب إيتمار بن غفير، عضو الكنيست تسفيكا فوغل، بأن القرى المشتعلة هي الوسيلة الأفضل لردع "الإرهاب"، وأن مثيري الشغب أوصلوا وضع الردع الإسرائيلي في "المناطق" الى المستوى الاعلى منذ عملية "السور الواقي" في 2002. فوغل معروف للمراسلين العسكريين المخضرمين من فترة الانتفاضة الثانية كضابط اركان مهذب ويحب اجراء المقابلات. عندما تسرّح حاول أن يترشح لرئاسة بلدية بئر السبع عن حزب شينوي (برئاسة يوسف لابيد)، الامر الذي تشوش منذ ذلك الحين غير واضح، لكن اذا هدأت النفوس في وقت معين فان الجيش الإسرائيلي سيتوجه الى تحقيق داخلي حول كيف وصل شخص لديه حلم اخلاقي كهذا الى رتبة عميد.
حتى الآن فان المتفاجئ من دعوات وردود اليمين المتطرف على العملية ببساطة لم يتابع بما فيه الكفاية ما يحدث، مؤخراً، في الضفة. كانت جميع عناصر الانفجار موجودة، وقد تم اشعالها في هذه المرة بسبب استعداد فاشل، بالضبط فشل بنيوي في كل أجهزة الامن. في الساعات بعد العملية كان في المكان قائد المنطقة الوسطى وقائد فرقة "يهودا" و"السامرة". بعد ذلك جاء الى قيادة لواء شومرون المجاورة رئيس الاركان، هرتسي هليفي، والضباط الكبار، واجتمعوا لتقدير الوضع. وعندما خرجوا من الاجتماع تقريبا في التاسعة مساء كانت احترقت عشرات البيوت والمحلات في حوارة. تفصل بين مدخل القرية المشتعلة وقيادة اللواء بصعوبة بضع مئات من الأمتار. وإذا كنت أتذكر بشكل جيد فانه من غرفة الاجتماعات على قمة التلة في القاعدة، يمكن مشاهدة القرية. ولو أن أي أحد اهتم بأن يفتح النافذة فربما كانت القيادة الامنية ستشم في الوقت ذاته بأن الضفة بدأت تحترق تحت أنفهم.
في الجيش يعترفون بالفشل، ويقولون إن رد القوات يجب أن يكون اكثر حزماً. في وقت الاحداث كان في القرية فصيلان من حرس الحدود، وتم استدعاء جنود من كتيبة احتياط. قبل الليل وصلت ايضا كتيبة من المظليين، تم ارسالها بعد العملية من قاعدة اليكيم، لكن لم يكن لديها ما يكفي من الوقت للاستعداد. لم تكن تظاهرة المستوطنين عادية. في الجيش يقدرون بأنه الى جانب المشاغبين الذين عملوا بشكل تلقائي، قادت مجموعة منظمة العنف، وخططت مسبقا لاحراق عدد كبير من البيوت قدر الامكان، ووزع الاعضاء فيها فيما بينهم المهمات.
مساء الأحد، في الوقت الذي وجدت فيه قوات الأمن صعوبة في مواجهة المشاغبين واضطرت الى تقليص حجم مطاردة "المخرب" الذي قتل الأخوين، ظهر صرف آخر للأنظار. مئات المستوطنين، برئاسة فايس، صعدوا مجددا الى بؤرة افيتار التي تم إخلاؤها بالاتفاق بعد أن استوطن فيها المستوطنون بشكل مفاجئ في أيار 2021، اثناء عملية "حارس الاسوار" في قطاع غزة. الآن جرت عدة محاولات للجيش والشرطة لإخلائهم مرة اخرى من المكان، وتعقدت هذه المهمة بشكل واضح عندما وصل بن غفير، الوزير المسؤول عن الشرطة، الى البؤرة لعقد جلسة طارئة مع أعضاء الكنيست في قائمته. إن هستيريا الواقع الحالي حول توزيع الصلاحيات الغريب في "المناطق"، والقوة التي أُعطيت لوزراء اليمين المتطرف، تجسدت بشكل جيد لقادة الجيش في "المناطق". هكذا قالوا، أول من أمس، بأن الأمور لا يمكن أن تستمر على هذا النحو.

يحتاج الأميركيين لكنه يغضبهم

فوق هذه الفوضى غير المسبوقة تحلق شخصية رئيس الحكومة المتملصة بدرجة معينة، بنيامين نتنياهو. فهو الذي قام بفتح بوابة الجنون عندما قرر اعطاء سموتريتش وبن غفير مكانة غير مسبوقة في الحكومة الحالية على أمل مساعدته في النجاة من المحاكمة. مساء أول من أمس، بناء على الطلب المستعجل من كبار جهاز الامن، نشر نتنياهو فيلماً قصيراً دعا فيه المواطنين إلى عدم أخذ القانون في أيديهم، رغم الغضب والحزن على موت الأخوين. ولكن كلما مر الوقت يبدو أن نتنياهو يجد صعوبة في مواصلة الركوب على النمر الذي أطلق سراحه عند عودته الى الحكم. الجنون الذي دخلت اليه الدولة تحت مسؤوليته الكاملة منذ أن اطلق الانقلاب النظامي يؤثر الآن ايضا على "المناطق".
السؤال هو هل لا يزال يمكن اعادة المارد الى القمقم، قبل ثلاثة اسابيع ونصف من بداية شهر رمضان؟ منذ بداية السنة تم احصاء 14 قتيلاً إسرائيلياً في القدس وفي الضفة الغربية، واكثر من 50 قتيلاً فلسطينياً. هذه ارقام غير مسبوقة منذ فترة الانتفاضة الثانية، ربما باستثناء بضعة اسابيع في موجة "ارهاب" "الذئاب المنفردة" في 2015.
سلطت الاحداث في حوارة الضوء بشكل يثير الشفقة على الجهود الأميركية لاحلال الهدوء في الضفة الغربية من خلال مؤتمر العقبة الذي عقد، الأحد الماضي. موقف إسرائيل في المؤتمر والانتقاد العلني الذي وجهه له سموتريتش وبن غفير بعد العملية فقط جسد الوضع غير المحتمل الذي ادخل رئيس الحكومة نفسه اليه. في المؤتمر وقع ممثلوه على وثيقة تفاهمات مع الفلسطينيين، تعهدوا فيها بأن يقلصوا بالتدريج النشاطات العسكرية في مناطق أ ووقف نشاطات البناء الجديد في المستوطنات لبضعة اشهر.
عملياً، لا يوجد لإسرائيل أي صعوبة في ضمان مثل هذا الامر بعد أن أطلقت الحكومة عملية لشرعنة عشر بؤر استيطانية غير قانونية وخطة لبناء حوالي 9 آلاف وحدة سكنية. ولكن هذا ايضا كان كثيراً جداً على وزراء اليمين المتطرف الذين تنصلوا منه بشكل علني.
في الوقت الذي يحتاج نتنياهو الى الأميركيين كي ينسق معهم خطوات أمام المشروع النووي الايراني، يغضبهم بشكل يومي من خلال افعاله في "المناطق" والانقلاب النظامي، وسجل احراجاً آخر. فحكومته ببساطة غير قادرة على الوفاء بالالتزامات الدولية أو بلورة سياسة واضحة. بشكل عام كلما مر الوقت يصبح من الصعب اكثر فهم كيف ينوي رئيس الحكومة تمهيد طريقه فيما بعد، بين الاحتجاج والرفض والاقتصاد المتدهور والضغوط الأميركية، حيث يحدث كل ذلك في خلفية الدخان المتصاعد من "المناطق".

عن "هآرتس"