هارتس : هل سينظر العالم إلى إسرائيل كما ينظر إليها الفلسطينيون المضطهدون؟

حجم الخط

بقلم: ديمتري شومسكي

الأنباء السيئة هي أن حكومة الإنقاذ الوطنية لبنيامين نتنياهو تصمم على توسيع البنية الدستورية المتداعية لدولة إسرائيل. وبسبب ذلك، تحظى بدعم أجزاء كبيرة من مواطني دولة إسرائيل، الذين، يجب قول ذلك بدون تردد، فقدوا البوصلة الأخلاقية.وهم، باسم تشجيع أعمى لزعيم مستبد وشعبوي، مستعدون لتمكينه من تدمير منظومة القانون والقضاء في الدولة للنجاة من الحكم.
هذا الجمهور لم يملأ الشوارع بعد، لم يلق بعد قنابل “ابروشمي” على من يعارضون الانقلاب النظامي لأنهم لا يعتقدون أن الاحتجاج الديمقراطي الحالي سيعرض بشكل ما عملية “بوتينية جهاز القضاء”. هم على قناعة بأنه لن يوقفهم شيء في طريقهم لفرض الحوكمة (في القريب، المفهوم العبري الرسمي الجديد للديكتاتورية).
الأنباء الجيدة، أنه إذا كان أعضاء عصابات قريبون من الانتصار، فثم احتمالية عالية لأن يكون هذا انتصاراً باهظ الثمن؛ لأن تصفية مظاهر الديمقراطية في دولة إسرائيل مثل استقلالية السلطة القضائية، ستجر وراءها بالضرورة تغييراً أساسياً وساحقاً في صورة الديمقراطية، التي بفضلها وبرعايتها تواصل “الدولة اليهودية والديمقراطية” بدون إزعاج منذ خمسين سنة، إقامة النظام الإجرامي للاحتلال، والتهجير واستعباد الشعب الفلسطيني من أراضي 1967.
عقب هذا التغيير، يمكن أن يحدث تغيير عميق في السياسة الخارجية لشعوب العالم الحر تجاه إسرائيل “الجديدة”، التي ستظهر من الآن فصاعداً في عيونهم بالضبط مثلما تظهر في عيون المضطهدين الفلسطينيين. عندها سنشعر أخيراً بالتسونامي السياسي على إسرائيل المحتلة والاستيطانية، فرض عقوبات دولية، الأمر الذي سيحرر دولة اليهود من نير قمع شعب آخر ويحولها إلى ديمقراطية كاملة – ليس بصورتها الخارجية فقط بل بواقعها الحقيقي.
في المقابل، يجب الاعتراف بأنه إذا تم لجم الانقلاب النظامي لنتنياهو ولفين، أو ربما يتم إحباطه، في هذه الحالة تحديداً، يجب عدم توقع أي تغيير في كل ما يتعلق بدكتاتورية الاحتلال والأبرتهايد. بالعكس، عند صد الهجوم على المحكمة العليا فإن الوسط – يسار واليمين المعتدل في إسرائيل والأمريكيين أيضاً سيبدأون بهتافات النصر لعملية إنقاذ الديمقراطية الإسرائيلية، التي ستصم الآذان بصورة أشد من سماع صرخات الشعب الفلسطيني الذي ينادي بالحرية والمساواة.
المحكمة العليا القوية والمستقلة التي تم إنقاذها من بين أنياب البيبيين ستعود لتكون “الدرع الواعي لجنود الجيش الإسرائيلي”، أي الدرع الواقي للاحتلال – وستواصل أيضاً شرعنة الغسيل الوسخ والملطخ بالدماء لجرائم الكولونيالية الإسرائيلية. في الوقت نفسه، ستهتم بين حين وآخر بحقوق الإنسان للواقعين تحت الاحتلال والمستعبدين، بينما تثير ضدها اتباع اليمين الاستيطاني الذين لا يقدرون الخدمة الثمينة التي يوفرها قضاة المحكمة لمشروعهم الإجرامي. هكذا، ستواصل المحكمة العليا البث للعالم الديمقراطي الغربي بأن الاسم السري للحرب الاختيارية لمشروع الاستيطان الذي يهدف لضمان السيطرة على الوطن القومي المسلوب للشعب الفلسطيني، ستفعل إسرائيل كل ما في استطاعتها لدعم القانون والعدالة.
إزاء كل ذلك، هل كان من المفضل على من يعارضون الاحتلال والأبرتهايد استثمار جهود كبيرة ضد الانقلاب النظامي؟ ألا يخدم هذا النضال المؤسسات وأجهزة الحكم المسؤولة عن الحفاظ على الوضع الراهن السياسي المشوه الذي في مركزه نزع الحقوق الأساسية لشعب آخر؟ لا وألف لا. هذه فوق كل شيء هي حرب على القيم، قيم الحرية والعدالة والمساواة، قيم حقوق الأقليات، الآخر والمختلف. وحقيقة أن للمحكمة العليا في إسرائيل تاريخاً طويلاً وبائساً من سحق هذه القيم مع شرعنة آفة الاستيطان خلافاً لواجبها الأساسي، لا يمكن أن تشكل المبرر لاستمرار هذه المعركة القيمية. بالعكس، النضال ضد فاشية ما بعد الحداثة لليفنيين والروتميين الذين يتطلعون إلى تحويل المحكمة العليا بشكل مطلق إلى ذراع حكومي للإثنوقراطية اليهودية، فإنه وبدرجة كبيرة نضال من أجل الصورة المستقبلية للسلطة القضائية في إسرائيل، مع تبني الخط المقاتل الذي لا يلين ضد مظالم الاحتلال.
إذا كان الأمر كذلك، فعلى من يعارضون الاحتلال والأبرتهايد أن يستمروا في الوقوف كرأس حربة للنضال المدني ضد تأسيس نظام استبدادي في إسرائيل. في الوقت نفسه، يجب أن لا يخافوا أكثر من اللازم من هزيمة محتملة في هذا النضال. عملياً، أتباع لفين وروتمان، ولا نريد التحدث عن أتباع سموتريتش وأتباع بن غفير، يجب أن يقلقوا من فوزهم، حيث أساس للاعتقاد بأنه الدرع الواقي للاحتلال عندما سينهار، ستكون أيام الاحتلال نفسه معدودة أيضاً.

هآرتس