حل الدولتين لذر الرماد في العيون

image_processing20220528-1757358-ivs3ys.jpeg
حجم الخط

بقلم: تمارا حداد

 

 

تُعتبر الدولة الوحدة القانونية الدائمة التي تتضمن وجود هيئة إجتماعية لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة في مواجهة أمة مستقرة على إقليم محدد وتباشر الدولة حقوق السيادة بإرادتها المفردة عن طريق استخدام القوة المادية التي تحتكرها، والدولة هي تنظيم سياسي له صفة الدوام يضم مجموعة من الأفراد يقطنون إقليم معين ويخضعون لسلطة سياسية، وتنقسم الدول الحديثة إلى قسمين أساسيين تتفرع من كل منهما أنواع أخرى تبعاً للشروط السياسية والثقافية والحضارية وهما: الدول البسيطة والمركبة.
الدول البسيطة هي التي تتخذ السيادة فيها صورة موحدة وتبسط سيادتها على جميع أراضيها وتتمتع بدستور موحد وقوانين ناظمة موحدة يتم العمل بها على جميع أراضي هذه الدولة، أما الدول المركبة فهي تتألف من دولتين على الأقل أو مجموعة من الدول اتحدت فيما بينها وتحتفظ كل دولة فيها بسيادتها الكاملة وتنظيمها السياسي والاقتصادي الخاص وتعمل هذه الدول على التقارب في جميع المجالات لتحقيق الرخاء العام لجميع دول الاتحاد.
وبما أن السلطة الفلسطينية حتى اللحظة لم تتحول إلى دولة بسبب موت "حل الدولتين" جراء امتلاء الأرض بالمستوطنات وقطع التواصل الجغرافي بين مدينة وأخرى وهذا يعني ان شكل الدولة البسيطة أو الوطنية لا تصلح في ظل هذا الواقع الاستيطاني الذي يومياً يلتهم الأرض دون رادع سواء من قبل المجتمع الدولي أو الاقليمي.
فلا بد من البحث في صلب إدارة الدول لإيجاد صورة جديدة للخروج من المأزق الإداري والسياسي والاقتصادي والقانوني للسلطة ووضع خيار يُنهي وظيفتها الحالية وهي الحفاظ على أمن الاحتلال والتحول لدولة بمهام جديدة تقع في صلب تشكيل الدول حفاظاً على صمود الشعب الفلسطيني قبل التهجير.
بالتحديد أن خطة سموتريتش هي القائمة حالياً ويتم العمل عليها وهي "خطة القرار" او "حسم" الصراع (الاسرائيلي_ الفلسطيني) وضم الضفة الغربية الى دولة الاحتلال وبعد ذلك يتم تخيير السكان الفلسطينيين المُقيمين إما القبول بالعيش تحت حكم الاحتلال دون نقاش ومقاومة وإما الهجرة وإما أن يتعامل الجيش الاسرائيلي بالمُقيم بطريقته الخاصة هذا يعني اما اعتقاله او اغتياله.
وهذا الأمر يشير ان الاحتلال ما زال متعنتاً في الاستمرار في قضم الأرض دون حقوق سياسية للفلسطيني وان فكرة التهجير قائمة مستقبلاً آجلاً أم عاجلاً الى الاردن لسكان الضفة والى مصر لسكان القطاع، من هنا يجب البحث في تشكيلة الدول المركبة وهي تتمثل بأكثر من خيار إما الاتحاد الشخصي ونعني به الاتحاد الذي يكون بين دولتين او اكثر في اطار ميثاق يعبر عنه زعيم الاتحاد في حين تحتفظ كل دولة بسيادتها الكاملة وتنظيمها الداخلي المستقل وبالتالي مظاهر الاتحاد هنا لا تتجسد الا في شخص الدولة فقط برئيس الدولة او زعيمها وهو المظهر الوحيد والمميز للاتحاد الشخصي الامر الذي يجعله اتحاداً عرضياً وموقوتاً يزول وينتهي بمجرد اختلاف رئيس الدولة ومع ذلك تبقى الدول المشتركة في الاتحاد الشخصي متمتعة بكامل سيادتها الداخلية والخارجية وباعتقادي أن هذا الخيار في الواقع الفلسطيني غير صالح بسبب ان الزعيم الاقوى سيكون الاحتلال وقد يفك الاتحاد الشخصي بأي لحظة.
هناك خيار الاتحاد الاستقلالي الكونفدرالي ينشأ عن اتفاق دولتين او اكثر في معاهدة دولية على تكوين الاتحاد او الانضمام اليه مع احتفاظ كل دولة باستقلالها الخارجي وسيادتها الداخلية ويقوم هذا الاتحاد على تكوين مجلس يتكون من مندوبين عن الاتحاد وهذا المجلس لا يختص الا بالمسائل التي تضمنها الصك وهذا لا يعتبر الهيئة التي تمثل الدول في الاتحاد دولة فوق دول الاعضاء بل مجرد مؤتمر سياسي، وفي هذا الاتحاد تبقى كل دولة متمتعة بسيادتها الداخلية محتفظة بشخصيتها الدولية وحق الانفصال ممنوح للدول الاعضاء تقرره حسب مصالحها الوطنية وفي نظري ان هذا الخيار جيد لكن هذا الخيار لا يصلح الا للدول المستقلة وللاسف دولة فلسطين غير مستقلة لانها ما زالت سلطة ضمن ادارة ذاتية تابعة لدولة الاحتلال.
اما الخيار الاخر هو الاتحاد المركزي هو ليس اتفاقاً بين دول ولكنه في الواقع دولة مركبة تتكون من عدد من الدول او الدويلات اتحدت معاً ونشأت دولة واحدة وينشأ التجمع برضى جميع الاطراف لدول مستقلة والاتحاد المركزي لا يشمل فقط دول وانما شعوب هذه الدول ايضاً، ونضيف ان في هذا الاتحاد تنصهر السيادة الخارجية للدول بشخصية الاتحاد وايضا هذا الخيار جيد لكن للاسف الاحتلال لا يريد الشعب بل يريد ارض دون شعب.
اما خيار الاتحاد الفعلي او الحقيقي بحيث يتم ابرام عن طريق ابرام اتفاقية بين دولتين او يجري الاتفاق بشانه في اطار التسويات التي تتم بعد الحروب والنزاعات وهذا النوع من الاتحادات يصبح للدولة الداخلية فيه ملك او رئيس واحد وتشكل هيئات مشتركة لادارة الشؤون الخارجية وبعض الشؤون الداخلية وتصبح المعاهدات التي يبرمها الاتحاد ملزمة للدول الاعضاء وباعتقادي ان هذا الخيار جيد لكن المشكلة ان الاحتلال قد لا يلتزم باي بنود من بنود المعاهدة التي يتم عقدها.
وهناك خيار النموذج الفيدرالي وهو عبارة عن مجموعة من الدول تقرر فيما بينها ان تتوحد في اطار سلطة اعلى تتفق على تشكيلها وتخضع لها في الوقت نفسه ولكن دون ان تفقد كل سماتها وخصائصها المحلية او تذوب ذوباناً في الدولة الجديدة التي حلت محلها اي ان الدولة الفيدرالية تفقد شخصيتها الدولية لصالح شخصة دولية جديدة واحدة تتكون منها جميعاً وتتحول هي الى ولايات او اقاليم او كيانات ذات مسميات مختلفة ولكن كاجزاء في اطار كلي واحد هو الدولة الفيدرالية الجديدة ويصبح لهذه الدولة الفيدرالية دستور خاص بها ينظم العلاقة بين الولايات بعضها البعض من ناحية وبين الولايات والسلطات الفيدرالية او المركزية من ناحية اخرى، وهذا الخيار يصلح لدى السلطة الفلسطينية كونها ما زالت غير مستقلة كون الولايات الفدرالية لا يشترط لديها الاستقلال ولكن معترف بها كولاية ضمن دولة فدرالية.
وهناك الدولة العلمانية وهي التي تفصل بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية واعتقد ان هذا الخيار لم يعد ممكنا امام التحول التدريجي في دولة اسرائيل من دولة ديمقراطية علمانية الى دولة يهودية متدينة بالتحديد بعد القيام بعملية اصلاح القضاء المستقبلي.
ومن هذه الانواع لا بد البحث بطريقة وطنية لايجاد صيغة سياسية تُلزم المجتمع الدولي ايجاد حلاً جذرياً للشعب الفلسطيني، وقبل الزام المجتمع الدولي بايجاد صيغة نهائية لا بد أن نُعزز ذلك داخلياً من خلال بلورة صيغة والتي تبدأ ببناء الدولة ومؤسساتها ويأتي بدءاً بالأسس السياسية والإقتصادية والإجتماعية الذي يجب أن يتضمنها الدستور، وصولاً لبنية مؤسسات الدولة وسلطاتها ونظامها الإداري، وحتى يتم ضمان فعالية المؤسسات يجب العمل بمبادئ الحكم الرشيد والتي تعتمد على سيادة القانون وتوزان السلطات والشفافية ومكافحة الفساد والرقابة المالية والإدارية على مؤسسات الدولة وترسيخ الانتخابات الشاملة وان كان تحت الاحتلال وهي اولى البدء في الترتيب الداخلي للبيت الفلسطيني ومن ثم البدء بايجاد صيغة سياسية تعمل على ترتيب شكل الدولة الفلسطينية امام خيارات عديدة من انواع الدول المركبة والا استمر الاحتلال في التهام الارض لضعف البيت الفلسطيني ومن ثم عدم قدرته على ايجاد صيغة لذاته التحررية الوطنية.