هاجمت تحت حماية الجيش يوم الأحد الموافق 26/2/2023، مجموعات من المستوطنين من منتخبي حزب الصهيونية الدينية بزعامة وزير المالية والوزير في وزارة الجيش (سموتريش)، وحزب القوة اليهودية الكاهاني بزعامة وزير الأمن القومي (بن غفير) بلدة حوارة جنوب نابلس.
وكان الهجوم الذي إستمر لساعات قد أسفر عن حرق عشرات المنازل والمحلات التجارية والمركبات، علاوة على قتل أحد المواطنين وجرح المئات، وترويع وترهيب معظم سكان البلد، وذلك على أثر مقتل إثنين من المستوطنين على يد أحد الملثمين الفلسطينيين في خطوة انتقامية على المجزرة التي نفذها جيش الإحتلال في البلدة القديمة من نابلس يوم الأربعاء الموافق 22/2/2023, التي إرتقى على أثرها أحد عشرة شهيداً، وجُرح أكثر من مائة شخص.
وفيما أدان المجتمع الدولي برمته الجريمة بما في ذلك شُركاء إسرائيل وحُماتها، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية، حيث شبهها البعض بليلة البلور وفق التوصيف الألماني، وليلة الزجاج المكسور وفقاً لموسوعة الهلوكست، حيث هاجم النازيون الألمان في تلك الليلة من شهر نوفمبر العام 1938 البيوت والمحلات والكنس اليهودية وذلك على أثر مقتل الدبلوماسي الألماني (فوم راث) في باريس من قبل أحد الشباب اليهود، دعا سموتريتش علناً الى محو حوارة عن الوجود، الأمر الذي دفع الناطق بإسم الخارجية الأمريكية (تيد برايس) يوم الجمعة الموافق 2/3/2023 الى وصف دعوة سموتريش "بالمقززة"، ودفع السفير الأمريكي لتل أبيب (توم نيدس) بالقول في أحد اللقاءات وفقاً للقناة 12 العبرية "لو كان الأمر بيدي لألقيته خارج الطائرة"، وفي وقت لاحق أضاف: "سموتريش شخص غبي ويعتبر شخصية غير مرغوب فيها لدى الإدارة الأمريكية".
بالمقابل تشهد كبرى المدن في إسرائيل كتل أبيب وحيفا وبئر السبع والقدس الغربية وللأسبوع التاسع على التوالي مظاهرات ومسيرات إحتجاجية أسبوعية عارمة تطالب الحكومة بوقف تشريعاتها التي بدأت بسنها مباشرة بعد تشكيل الحكومة في ديسمبر/ كانون أول الماضي، خاصة تلك التي تتعلق بالقضاء والتي تركز سلطات الدولة التشريعية والقضائية بيد السلطة التنفيذية، الأمر الذي يغير من طبيعة النظام ويحوله من نظام ديموقراطي الى نظام ديكتاتوري.
وتجدر الإشارة هنا أن هذه الإحتجاجات تتصاعد أسبوعياً سواء من حيث أعداد المشاركين, حيث بلغ عدد المشاركين في مظاهرات يوم السبت الماضي الموافق 4/3/2023 أكثر من أربعمائة الف محتج، أما من حيث القطاعات التي تنضم اليها، إذ إنضم اليها مؤخراً عدد مؤثر من معظم قطاعات المؤسسة الأمنية، حيث كان ضباط الإحتياط من سلاح الجو الذي يشكل العمود الفقري لقوة إسرائيل العسكرية هم القطاع الأبرز من هذه القطاعات، وكذلك ضباط وحدة السايبر (8200) التي تعتبر الوحدة الإستخبارية الأكثر تطوراً في إسرائيل وربما الأكثر خطورة حول العالم، الأمر الذي من شأنه أن يشل الدولة ويعطل عمل مؤسساتها، لا سيما وأن قطاع الهاي تيك الذي يعتبر القطاع الإقتصادي الأكثر مساهمة في إجمالي الناتج القومي الإسرائيلي كان قد بدأ بترحيل إستثماراته الإقتصادية لخارج إسرائيل.
للوهلة الأولى, قد يبدو للبعض أن لا علاقة تذكر بين محرقة حوارة ومجازر جنين ونابلس وأريحا والقدس وبيت لحم، وما يجري في تل أبيب من مظاهرات واحتجاجات، لا سيما وأن المعارضة التي تتواجد في احتجاجات تل ابيب تتوحد مع الحكومة في معاداتها للفلسطينيين والهجوم عليهم، الأمر الذي تجلى أيما تجلي في إنضمام المعارضة للإئتلاف الحاكم في التصويت على قانون سحب الجنسية.
إلا أن الفحص الدقيق للمشهد يظهر أن هناك ارتباط عضوي بين ما جرى في حوارة وما يجري في أنحاء الضفة عموماً، وبين ما يجري في تل أبيب، لا سيما وأن غاية حسم الصراع مع الفلسطينيين الذي لم يحسم منذ العام 1948، ولا يبدو أنه سيحسم لصالح المشروع الصهيوني أبداً، هو المحرك الرئيس لليمين القومي الديني الفاشي بزعامة نتنياهو وسموتريش وبن غفير الذي يحكم في إسرائيل الآن، في تغوله على سلطات الدولة خاصة السلطة القضائية التي يرى هذا اليمين في تغليف أحكامها بقيم الديمقراطية والليبرالية معوق من معوقات الفشل في حسم صناعة الوجود.
إذ يرى هذا اليمين أن عدم إتمام المؤسسين الأوائل للدولة التحول الديموغرافي لصالح اليهود العام 1948، من خلال إحراقهم وذبحهم وطردهم خارج حدود فلسطين شكل المأزق الجيوسياسي الأول لإسرائيل، أما المأزق الثاني فكان قد نشأ بعد إحتلال الضفة الغربية وعدم طرد سكانها العام 1967، وكان توقيع إتفاقية أوسلو العام 1993 التي أظهر فيها قطاع واسع في حينه إستعدادهم للتخلي عن الضفة الغربية أو أجزاء منها لصالح سكانها الأصلانيين بمثابة المأزق الإستراتيجي الثالث، الأمر الذي أدى الى تجند التيارات الدينية والدينية القومية المتطرفة الى الدفاع عن (أرض إسرائيل) والإقدام على إغتيال الجنرال العسكري الأبرز في إسرائيل إسحاق رابين.
ويبدو هنا أن الشعور المتنامي لدى هذا التيار أنهم أي, الحركة الصهيونية بحلتها الكاهانية الجديدة لم يعودوا أصحاب البيت كما يتجلى في شعار حزب القوة اليهودية (من صاحب البيت) يعمق من هذا المأزق، ويدفعها الى محاولة إستعادة ملكية البيت من خلال إستنساخ سياسة هولاكو في المنطقة، الأمر الذي يعارضه نسبة عالية من اليهود داخل إسرائيل وخارجها كونه ينزع القناع المزيف عن حقيقة المشروع الإستعماري الصهيوني في فلسطين، ويقدمه كمشروع عنصري فاشي، وليس نموذجا للقيم الليبرالية والديمقراطية باعتبار إسرائيل هي "الفيلا الوحيدة في الغابة".
وعلى ذلك أكرر هنا ما قاله جورج فريدمان في بداية الألفية الجديدة أن "إسرائيل تعيش مأزقا غير قابل للحل"، وما قاله توماس فريدمان بعد تشكيل الحكومة الحالية قبل ثلاثة أشهر بأن إسرائيل "قد دخلت في نفق مظلم"، مما يجعل من حرب الروايات على قائمة حروب الصراع بين المشروع الوطني الفلسطيني، والمشروع الإستعماري الصهيوني والعنصري، والإنتصار سيكون يقيناً للفلسطينيين كمال كتب قبل عدة سنوات أحد أهم اقطاب العلوم السياسية حول العالم جون ميرشايمر، ولكن ميرشايمر أضاف أنه ولكي ينتصر الفلسطينيون في هذه الحرب عليهم الإستعداد لذلك من خلال التوحد حول رواية واحدة ثم إختيار المؤهلين منهم لإنتاج وتسويق وإعادة إنتاج روايتهم.