التطرف الإسرائيلي يحرق الشرق الأوسط

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 

بعد وصول التطرف اليميني الإسرائيلي مع التزمّت الديني إلى مقود الحكم بشكل مؤثر، في الكنيست الخامس والعشرين، وعبر حكومة الليكودي بنيامين نتنياهو السادسة، يمكن القول، بأن بقاء الائتلاف الحالي في الحكم مدته القانونية، أي 4 سنوات قادمة، يحمل خطراً شديداً فعلياً على الشرق الأوسط كله، ذلك لأن هذا الائتلاف يمكنه في حال بقي في الحكم كل تلك الفترة، ليس فقط أن يغلق أبواب الحل السياسي تماماً مع الجانب الفلسطيني، بحيث يضع إسرائيل بشكل صريح وعلني أمام خيار أن تذهب لدولة واحدة بقوميتين، أو أن تذهب لخيار الفصل العنصري، وحسب، بل إن الإجراءات التي سيقوم بها هذا الائتلاف داخل إسرائيل نفسها، خاصة على صعيد إقرار جملة القوانين التي تغير من طبيعة الدولة التي تأسست عام 1948، وفق ظروف إقليمية ودولية معينة، ستأخذ الحكم في إسرائيل لطريق الاستبداد الشرقي، خاصة وأن الائتلاف يقف على باب تقويض القضاء، كذلك ينوي أن يضفي على المؤسسات الأمنية بما فيها الجيش السمة السياسية.
فماذا لو أن متطرفاً عنصرياً وفاشياً مثل ايتمار بن غفير أو بتسئليل سموتريتش، تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، بعد تقويض القضاء واحتواء المؤسسات الأمنية من قبل الحكومة، في ظل رئاسة أحد هذين الفاشيين، كما كنا قد قلنا في مقال سابق من قبل، والكل يعلم بأن لدى إسرائيل نحو مئة رأس نووي، ألن تفعل على أقل تقدير كما تفعل روسيا حالياً، أي حين تشن حرباً على دولة شرق أوسطية _إيران مثلاً_، فتهدد باستخدام النووي، في حال تعرضت لضغط عسكري؟
وهل يمكن لأي أحد أن يضمن في حال تقوضت مؤسسات الدولة الإسرائيلية لصالح الحكومة، والتي ستظل على الأغلب لسنوات قادمة رهينة المتطرفين العنصريين والفاشيين، أن لا يتم استخدام القوة التدميرية العسكرية الإسرائيلية الهائلة، بما فيها القوة النووية، أو التهديد بها على الأقل ؟
بالطبع لا أحد يمكنه أن يضمن ذلك، لذا فإن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يتحملان اليوم مسؤولية كونية مضاعفة، تتمثل في أقل مستوياتها، بالبدء في التفكير بهذا الاحتمال، ووضع حد لإمكانية وقوعه، قبل فوات الأوان، فأي دولة نووية في العالم، لا يجوز للمجتمع الدولي أن يسمح بوقوعها بيد المتطرفين، من عنصريين وفاشيين، لأن ذلك بكل بساطة يحمل في طياته احتمال تعريض البشرية بأسرها لخطر الفناء، وذلك خلال ساعات أو أيام قليلة، حيث من الواضح بأن انتشار الأسلحة النووية في العديد من الدول يجعل الرقابة عليها أقل وأضعف، وفي الحالة الإسرائيلية الخطر مضاعف، كون إسرائيل خارج إطار الرقابة الدولية على سلاحها النووي، الذي يتجاوز في قوته ما لدى كوريا الشمالية، والهند وباكستان من قوة نووية.  
أي أن وجود بن غفير وسموتريتش في الحكم، عليه أن يدق ناقوس الخطر أمام المجتمع الدولي، بحيث يبدأ العمل على منع تحول إسرائيل إلى دولة فصل عنصري، ومن ثم لدولة استبداد فاشي، وفي نفس الوقت، يبدأ العمل على إخضاع إسرائيل للرقابة النووية، ذلك أنه من غير المنطقي أبداً أن لا تسمح الولايات المتحدة بذلك، في الوقت الذي  تقود فيه عملية الحد من انتشار السلاح النووي، مع روسيا، وما دامت الدول العظمى كلها قد وقعت على الاتفاق الكوني بالحد من انتشار السلاح النووي، بما يشمل إخضاع تلك الدول للرقابة الدولية بالخصوص.
وحقيقة الأمر أن الداخل الأميركي ومنه التجمعات اليهودية المؤثرة، بدأت منذ النجاح اللافت الذي حققه التطرف اليميني في الانتخابات الأخيرة يستشعر الخطر المحدق بإسرائيل وعموم المنطقة، وبما يؤثر حتماً على المصالح الأميركية في المنطقة والعالم، وقد عبرت عن الصدمة بعد أن شاهدت ما فعله هذا التطرف الفاشي حتى الآن وحسب، خاصة بعد أن مارس الفعل الفاشي، حين أقدمت الفاشية الاستيطانية بتحريض من سموتريتش وبن غفير على حرق بلدة حوارة/نابلس، بحيث تقدم أعضاء في الكونغرس مؤخراً بالطلب من إدارة بايدن بمقاطعة زيارة سموترتيش لأميركا، خلال الشهر الحالي، وهذا أمر يذهب في الاتجاه الذي نقول به، لكنه لا يكفي، حيث لا بد من متابعة الأمر، وخير دليل على ذلك تقدم الخارجية الأميركية بطلب رسمي من نتنياهو يطالبه بتوضيح رسمي فيما يتعلق بتنصله شخصياً إضافة لوزيريه المتطرفين من تفاهمات العقبة.  
كما طالب أعضاء الكونغرس الرئيس جو بايدن بالضغط على نتنياهو لوقف خطته الخاصة بتقويض القضاء الإسرائيلي، وعدم السماح لمتطرفيه بالترويج لسياسة ضم الضفة الغربية وإقامة المستوطنات بما يقطع الطريق على حل الدولتين وبما يهدد الديمقراطية الإسرائيلية.
وكل ذلك يحدث فيما تتواصل الاحتجاجات الشعبية الإسرائيلية بشكل لافت جداً، في أهم المدن الإسرائيلية، بحيث بات واضحاً جداً، بأن الفاشية الإسرائيلية التي باتت جزءا مهما من الحكم في إسرائيل، غير مقبولة على قطاعات واسعة داخل إسرائيل وداخل الولايات المتحدة، وهذه معركة لا بد أن تتواصل، وتستكمل مع مقاومة شعبية فلسطينية وتحرك سياسي عربي وأميركي، لأنه بأية لحظة سيندفع التطرف الرسمي الإسرائيلي نحو تصدير أزمة الحكومة الناجمة عن هذه الضغوط للخارج، وكل المؤشرات ترجح أن يجري ذلك على الأرض الفلسطينية المحتلة، خاصة وأن شهر رمضان، كما سبق وقلنا أكثر من مرة بات على الأبواب، ورمضان كما هو معروف مناسبة لوقوع الاحتكاكات والمواجهات الحادة، وفي ظل الواقع المشتعل منذ أكثر من شهرين، أي منذ وصل الفاشيون لسدة الحكم في إسرائيل، فإن أي غفلة أميركية أو فلسطينية/عربية، ستعني أن يقع الانفجار بشكل دموي للغاية.  
وصحيح أنه لا يمكن تصور حلول الأمن والاستقرار لا في فلسطين ولا في الشرق الأوسط مع بقاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض وشعب دولة فلسطين، لكن إنهاء الاحتلال الذي يحرر الشعب الفلسطيني وبنزع خطر الحرب في الشرق الأوسط، ويحرر إسرائيل نفسها من خطر الوقوع في قبضة الفاشية، يبدأ أولا بتكتيف العنصريين بن غفير وسموتريتش، ومن ثم الدفع باتجاه إخراجهما من الحكومة، كونهما يحرضان على الإرهاب، ومن ثم البدء بفتح الطريق أمام التفاوض من أجل الحل السياسي.  
وقد بات صحيحاً أيضاً، على الأقل لدى الأميركيين بأن الخطر على الأمن والسلام العالمي، لا يقبع وراء أسوار كوريا الشمالية، أو إيران أو حتى روسيا، بل أشد الخطر يكمن في بقاء الفاشيين ضمن حكومة إسرائيل، خاصة وأن «الصهيونية الدينية» التي تقود المستوطنين شرعت في تشكيل الميلشيات الفاشية، وقد اتضح ذلك جلياً في واقعة حرق حوارة.  
لابد من مواصلة الضغط إذا من كافة الاتجاهات، من أجل دحر النواة الفاشية من داخل حكومة نتنياهو أولاً، وقبل كل شيء، ومن ثم ملاحقة عناصرها الميدانية، وبعد ذلك إلزام إسرائيل بأسرها بما وقعته من اتفاقيات، وبعد ذلك إخضاعها للقانون الدولي، وللنظامين الإقليمي والدولي، حتى يمكن الحديث بهدوء عن إعادة ترتيب المنطقة على قاعدة الاستقرار، وبما يشمل الجميع دون إقصاء لأحد، بمن فيهم الشعب الفلسطيني، الذي لا بد أن يكون عضواً طبيعياً كدولة ضمن دول الشرق الأوسط والعالم، وهذا يعيد القصة لبدايتها منذ أقر المجتمع الدولي في الأمم المتحدة مبدأ الدولتين، منذ قرار التقسيم عام 1947، وما تلاه من قرارات متعاقبة، تضمنت فلسطين عضواً مراقباً في المنظمة الدولية، غير ذلك سيواجه العالم إسرائيل فاشية ستقدم على تغيير شكل وجوهر الشرق الأوسط كله ليتوافق مع طبيعتها التوسعية الفاشية، وبما يعني احتمالاً قوياً لاستخدامها القوة النووية التي تمتلكها دون رقابة دولية.