غزّة بمكوناتها وكينونتها الرائعة وبعاداتها وتقاليدها الجميلة والتي وإنّ اندثر بعضها، ظلَّ جزءٌ منها باقٍ ويتمسك به الجيل القديم ويتوارثه الجيل الحالي، عادات وتقاليد كانت تُعبر عن رمزية المواطن الفلسطيني وتعلقه بالأرض وتعلق الأرض به، تلك العادات التي كتب عنها العديد من الأدباء والشعراء والقصصين في كتبهم وقصائدهم.
ما يبعثُ الحزن اليوم هو فقدان جزء كبير من تلك العادات خاصةً في الأفراح والمناسبات المختلفة، وأيضاً في مواساة الآخرين بمصابهم، وغيرها من العادات والتقاليد التي سنتحدث عنها في هذا التقرير
قديماً: عادات الناس في العزاء
كان الناس قديماً حينما يسمعون عن وفاة أحدهم يهبون لمشاركة أهل المتوفى في تشييع جثمانه، ثم يذهب الأقارب والجيران والأصدقاء إلى منزل المتوفى أو الديوان لتقديم واجب العزاء، كما أنّهم يقومون بتقديم الطعام لأهل المتوفى طوال فترة العزاء، وفي القرى عند حدوث حالة وفاة يتم تبليغ القرى المجاورة ويقومون بالمشاركة بكل ما يستطيعون فعله.
عادات في المرض
كان الناس يقفون إلى أهل المريض ومعه شخصياً، ويعرضون عليه المساعدة المادية والمعنوية، ويظل الناس يسألون عنه طوال فترة علاجه، عدا عن تكاثف الجميع للوقوف مع المريض والسؤال عنه وزيارته والاطمئنان عليه حتى يشعر المريض أنهّ محبوب من الجميع فترتفع روحه المعنوية ويتماثل للشفاء سريعاً.
عاداته في الزيارات
كان الناس قديماً ليس عندهم هم أو مصالح يُمكن أنّ تشغلهم عن السؤال عن رحمهم، أو زيارتهم، فكانوا يخرجون من الصباح الباكر للعمل في أرضهم أو للسوق لبيع محاصيلهم وغيرها من المهن وقبل المساء يعودون للمنزل يتناولون طعامهم، ويجلسون بعدها مع جيرانهم أو أقاربهم في الساحات العامة أو على باب البيت، أو في الديوان المخصص للعائلة، وإذا كان القريب بعيداً يُخصص الفلسطيني يوماً للزيارات يصطحب فيه عائلته لتقديم واجب الزيارات للأقارب، فلم يكن لهم أيّ وسيلة للتواصل سوى بالزيارات العائلية المتواصلة والدورية.
إذاً ما الذي اختلف من هذه العادات، ولماذا تغيرت وحلَّ مكانها عادات ربما تكون دخيلة على المجتمع الفلسطيني أو لا تُناسبه!!، وقد تابعت مراسلة وكالة "خبر" هذا الموضوع وسألت المواطنين عن بعض العادات التي ما زالوا يتمسكون بها والبعض الآخر الذي استغنوا عنه.
المواطنة سمر عبد العليم، قالت: "ما في شك بأن العادات قديماً كانت أجمل بكثير من عادات هذه الأيام ولكن لكل وقت ظروفه، فالمجتمع يتأثر بالعوامل الخارجية، كما أن التطور التكنولوجي والحياتي أثر سلباً وإيجاباً في بعض المواضع".
وعن الإيجابيات والسلبيات التي طرأت على هذه العادات، أجابت: "وسائل التواصل الاجتماعي جعلت العالم كله قرية صغيرة ، فأصبح الناس يتواصلون عبرها بالصوت والصورة وفي أي وقت، أيضاً الهواتف حلت محل الزيارات البعيدة للأقارب والأهل، فبدلاً من التكلف بمزيد من المصاريف والوقت، يتم الاتصال على الأحبة والأقارب، عدا عن أنَّ الوضع الاقتصادي أثر بشكلٍ سلبي على استمرار تلك العادات، فرب الأسرة الذي لا يعمل كيف سيكون باستطاعته تأمين المال لشراء هدية ودفع ثمن المواصلات لزيارة قريبه، ومن وجهة نظري فقد سهلت الاتصالات الكثير بالإيجاب".
يُخالفها الرأي إسماعيل الدواوسة، وهو في الستينيات من عمره، حيث قال لمراسلة "خبر": "وين عادات اليوم من عادات زمان، هو في أفضل من زمان وناس زمان، ما تحكي تطور ولا ظروف، الناس زمان كان وضعها قد الحال، ورغم هيك بيجاملوا أهل الفرح والترح أيام طويلة، يعني مثلاً وقت ما يسمعوا في حالة وفاة يهبوا بسرعة لبيت المتوفي ليوقفوا بجانب أهله، ويقوموا بتحضير الفطور والغداء والعشاء ويضلوا طول أيام العزاء وبعده، لكن احنا اليوم بيكون في عزا وجاره عنده فرح، وعشان يرفع العتب عن حاله بيروح يطلب الإذن من أهل الميت من مبدأ فرحنا السابق، وأهل المتوفي لا يستطيعون إلا القبول، وهيك بيكون جيران عاملين حفلة ورقص بصوت عالي وجيرانهم يبكوا بصوت واطي".
وتابع: "طبعاً هاد كله قلة احترام للجيرة والإنسانية، كيف بيهون عليك تشوف جارك بيتألم وبتعمل حفلة في المكان، في ناس بترفض تعمل فرحها في مكان عزاء جارهم، وبيضطروا يبلغوا الناس، ويفرحوا من غير ما يجرحوا ناس لسا دم ابنهم ما برد، ليسمعوا جارهم بيرقص، ولهؤلاء الناس كل الاحترام".
محمود جنينة، وهو عامل بناء بسيط يخرج يومياً منذ الصباح الباكر ليلتقط رزقه ولا يعود إلا آخر اليوم، ويقول لمراسلة "خبر": "عادات زمان حلوة واليوم كمان حلوة، بس أنا بفضل عادات زمان لما كان أبي الله يرحمه يجمعنا كل ليلة لنسهر عنده بالبيت، غير يوم الجمعة طبعاً، والي فيه كانت أمي تعمل الأكل المفضل من مفتول وقدرة ولحمة وكُرش، وكان المتعة في لمة العيلة، أما اليوم حياتنا وظروفها منعتنا نضل مستمرين بهادي العادات، أحياناً بيمر شهور ما بقدر أحكي فيه مع اخواتي أو أزورهم، بآخر الليل الي بشوفه صاحي برنلو ع الماسنجر أو الواتساب وبندردش سوا، وقليل لما نشوف بعض بالمناسبات أو الأعياد".
انتصار المصري، وهي أم لأربعة أبناء، عقبت بالقول: "لا يوجد مقارنة بين عادات زمان وعادات اليوم، اليوم ما في حدا بيطبق منها غير القليل، عادات الجيران مثلاً كنا برمضان يومياً نخصص صحن نسميه صحن الجيران، ونسكب به الطعام الذي نطهيه وقبل الآذان نرسله لبيت الجيران ليتذوقوه، وهم بدورهم يرجعون الصحن مباشرة ولا يكون فارغاً وإنما مليء بطبخة الجيران، أما اليوم فقدنا تلك العادة والجار يكون معتازاً وفقيراً ولا يملك لقمة يقدمها لابنائه وجاره لا يعرف عنه شيئاً، بل تشم رائحة طعامه في الشارع على بعد عشرة منازل ولا يقدم لجاره طبقاً مما طبخ".
إبراهيم وادي، أجاب هو الآخر قائلاً: "كنا قديماً نعرف العائلة من الجد وجد الجد واليوم تسال أحدهم هل تعرف فلان يقول لا أعرفه، وبالنهاية تكتشف أنه يكون ابن عمه القريب، اليوم بالكاد نعرف أهلنا وأحبتنا وهذا نتيجة عدم التعرف عليهم وزيارتهم، الأخ اليوم بالكاد يسأل عن أخيه أو حتى يزور أخته ويطمئن على أحوالها، برأيي أن هذه التصرفات والممارسات نهى عنها الدين الاسلامي، الهدف منها التهرب من المسؤوليات بحجة الظروف".
عدلة وافي، قالت: "قديماً كان من المحرمات إحياء الأفراح في المدينة وفيها متوفي جديد، حيث تقف مظاهر الفرح في القرية لمدة أربعين يوماً وخاصة إذا كان الميت شاباً، ويمتنع المقربين والجيران عن لبس الملابس الجديدة والمرأة لا تتزين والرجل لا يتطيب، أما اليوم فهذه العادة أخذت تضيق لتقتصر على عائلة الميت وأصدقائه فقط، وإذا كان أحد أفراد العائلة فرحه قريب يؤجل إلى مدة طويلة تمتد لعام أحياناً، بالإضافة إلى أنه لا تُصنع الحلويات من قبل أهل الميت في الأعياد ولا تقبل المعايدة".
الحاجة عائشة، تقول: "لا يمكن يا بنتي نقارن عادات اليوم بعادات زمان، زمان كان لما بدنا نعمل فرح نحضر اله من شهور ونقعد أيام نغني ونعمل الأكل ونسهر مع أهل العرس ونساعدهم بالتحضيرات، الفرح كان من القلب، وما بنطلب أكل جاهز متل اليوم، كنا بنطبخ وبنعجن وبنعمل العصير، وياكل كل أهل القرية، اليوم الجاهز شغال، والصالات مليئة، وتلاقي الصالة فيها ألف وأكتر وما في غير أهل العرس الي بيقوموا بالواجب، أما البقية جالسين للنميمة على العروس والعريس، وياعيني على الثوب الي مزين جسم الصبايا قبل العواجيز، لا في لبس بنطلون ولا تنورة كلنا بالثواب نغني ونرقص وكله من تفصيلنا وشغل ايدنا، ساق الله على هذيك الأيام ، إلي ما راح ترجع".
وعن العادات التي مازالت تتمسك بها الحاجة عائشة، قالت: "زي ما انتي شايفة ما بلبس غير الثوب، وبعمل الكحل العربي لنسوان الحارة مش زي الكحل إلي مش عارفين من شو مصنوع، ويوم مايصير فرح بالحارة إلا يكون قبل بأيام عند أم العريس أو العروس بننقش الحنة على أيدي العروس وأمها وبنقعد طول الليل نزغرد ونطبل ونتعشى، وبعد نخبز على فرن الطين 300 رغيف لإطعام كل الموجودين، وهذه العادات مش عند كل الناس بتصير بس بعض القرى الي ضلت متمسكة فيها".