يُحيي الفلسطينيون في 26 من كانون الثاني (يناير) من كل عام ذكرى وفاة "حكيم الثورة الفلسطينية" جورج حبش الذي توفي في الأردن العام 2008 عن عمر ناهز 82 سنة.
ويعتبر حبش أحد أبرز الأسماء وراء تأسيس التيار اليساري في "المقاومة الفلسطينية"، إذ أنشأ في العام 1967 مع بعض رفاقه "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي تبنت الفكر الماركسي- اللينيني في ما بعد.
وقبل تأسيس الجبهة، كان حبش عضواً في "حركة القوميين العرب" التي تأسست بجهود طلاب في الجامعة الأميركية في بيروت عقب نكبة 1948 في فلسطين، وبدأت الحركة العمل بمسميات مختلفة وانتشرت تدريجياً في الدول العربية حتى عقد مؤتمرها الأول في العام 1956 حين تم اعتماد اسمها النهائي.
ويتحدر حبش من عائلة ميسورة الحال في اللد، وانتقل إلى لبنان لدراسة الطب في الجامعة الأميركية في العام 1944، وتخرج في العام 1951 بشهادة بكالوريوس في طب الأطفال.
وبعد تخرجه تفرغ أكثر للعمل السياسي على رغم عمله في الجامعة، وفي إحدى المرات قررت الجامعة إغلاق الأبواب ونشر قوات الأمن في محيطها من أجل منع إحدى التظاهرات، لكن حبش وبالتعاون مع رفيقه الفلسطيني وديع حداد قاما بخلع أحد الأبواب لخروج التظاهرة[t1] ، وبعدما علمت الجامعة بما قام به بادر إلى تقديم استقالته، ومن ثم قرر الانتقال إلى الأردن حيث أنشأ أول عيادة طبية له.
وأسهم حبش في إصدار مجلة "الرأي" القومية التي لم تستمر طويلاً، بسبب إغلاقها، ولم تحظ "حركة القوميين العرب" بالدعم في الأردن، واتُهمت بتنفيذ تفجيرات عدة، ما دفع حبش إلى الهرب والانتقال إلى دمشق في العام 1958 بعد صدور أحكام غيابية في حقه بالسجن".
وفي العام 1964 تحولت "قيادة إقليم فلسطين" في "حركة القوميين العرب" التي كان يقودها حبش مع وديع حداد وأحمد اليماني إلى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" من دون الإعلان رسمياً عن هذا التحول، وتألفت هذه الجبهة من ثلاث مجموعات هي "أبطال العودة" و"شباب الثأر" و"جبهة التحرير الفلسطينية" التي كان أسسها أحمد جبريل في العام 1964. وبقي العمل في هذه الجبهة غير معلن حتى العام 1967 حين أُعلن رسمياً عن تأسيس "الجبهة الشعبية".
وتعرض الحكيم إلى ملاحقات في دمشق حتى تم اعتقاله في العام 1968، وقال حبش بعد اعتقاله بسنوات في كتابه "الثوريون لا يموتون أبداً" أن السبب الحقيقي لاعتقاله كان إصراره على تنفيذ عمليات مقاومة ضد إسرائيل انطلاقاً من الجولان، لكن التهمة التي وُجهت إليه رسمياً كانت التدبير لقلب نظام الحكم.
وبعد اعتقاله بسبعة شهور، نفّذ رفيق دربه وديع حداد عملية خاطفة لإطلاق سراحه، وهاجم القافلة التي كانت تنقله من السجن إلى المحكمة متخفياً مع رجاله بثياب الشرطة العسكرية، وتمكن من إنقاذ رفيقه وتهريبه إلى لبنان.
وعندما خرج حبش من السجن، وجد انشقاقاً سياسياً في "الجبهة"، نفذه رفيقه نايف حواتمة الذي شكل ما أصبح يُعرف بـ"الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين".
وبعد هزيمة العام 1967، قرر حبش التخلي عن الخط القومي التقليدي الذي عُرف به، وأعلن انتماء "الجبهة الشعبية" إلى الفكر الماركسي- اللينيني. وقام بجولة في الصين والاتحاد السوفياتي وكوريا الشمالية، ثم صاغ مع وديع حداد شعاراً ينص على مطاردة العدو في كل مكان. وترجم حداد هذا الشعار في عمليات خطف طائرات إسرائيلية وأجنبية بهدف لفت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية، واشتهرت الجبهة حينها بهذه العمليات التي نجح بعضها في تحقيق المرجو منه، لكن في العام 1972 أعلن حبش وقف عمليات خطف الطائرات بعد اعتراض بعض حلفاء الجبهة الدوليين، من بينهم الاتحاد السوفياتي والصين، مع التأكيد في الوقت نفسه على التمسك بالكفاح المسلح. وعلل حبش حينها القرار بالقول: "أوقفنا العمليات لأنها تتعارض مع تحالفات الجبهة الدولية"، وتسبب القرار في انشقاقات جديدة في الجبهة.
وعندما بدأت فكرة المفاوضات والحلول الانتقالية تظهر في أروقة "منظمة التحرير الفلسطينية" كان حبش من المعارضين لها، وأسهم في شكل كبير في قيام "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول السلمية".
وبعد انطلاق مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بقيادة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، أصبح الحكيم من أشد المعارضين لعرفات، ورفض اتفاق اوسلو الذي وقع في العام 1993، وقال حينها: "نسعى إلى إحباط التسوية الراهنة، وإفشالها لأننا نرى فيها تسوية لا تنسجم مع حقوق شعبنا المشروعة، بل هي تسوية تستهدف الإجهاز على تلك الحقوق".
وحاولت إسرائيل اعتقال "الحكيم" واغتياله مرات عدة، واعتبر بعض السياسيين الإسرائيليين بقاءه حياً أحد إخفاقات الموساد الإسرائيلي.
وتنحى جورج حبش في العام 2000 عن منصب الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية" ليصبح أول زعيم فلسطيني يتنحى طواعية عن قيادة حزبه، وتولى الأمانة أبو علي مصطفى الذي اغتالته إسرائيل في العام 2001، ومن ثم تم انتخاب الأمين العام الحالي أحمد سعدات المعتقل في السجون الإسرائيلية. حسب تقرير لـ "مدرسة الحياة"