أصدرت وزارة الاقتصاد الوطني في غزة قرار يمنع أي شركة أو أي جهة من التعامل في مجال التداول والعملات الرقمية من خلال تشغيل أموال المواطنين، ويأتي هذا القرار مكملاً لسلسة من القرارات التي تجرم العمل في مجال الفوركس في قطاع غزة، كما جاء القرار الأخير في أعقاب تداول وسائل الإعلام أخبار تتعلق باختفاء منصة هوغ بول للاستثمار والأرباح في جمهورية مصر العربية بعد أن جمعت أموال من المواطنين المصريين قدرت بنحو 195 مليون دولار.
ولقد حذرت سلطة النقد بل ومنعت منذ العام 2017 البنوك من تسهيل التداول بالعملات الرقمية حفاظاً على مدخرات المواطنين، حيث ورد في بيان صحفي صدر في العام 2017 بأنه بهدف الحفاظ على نظام مالي مستقر ومتين وحرصاً من سلطة النقد على الحفاظ على أموال المواطنين، فإنها تحذّر المواطنين من التعامل بما يسمى العملات الافتراضية بكافة أشكالها وخصوصاً ال Bitcoin ، وذلك لما تحمله هذه العملات من مخاطر مرتفعة جداً كونها غير مضمونة من قبل أية جهة كانت وهي عالية التذبذب الأمر الذي قد يلحق خسائر مالية فادحة بالمتعاملين بها، إضافة الى أن كافة الجهات والأطراف التي تقدّم وتتعامل بهذه العملات غير خاضعة أو مرخصة من قبل أي جهة رقابية.
وقد جاء في بيان وزارة الاقتصاد الوطني بأنها تحارب كافة الظواهر السلبية المرتبطة بالقطاع المالي، مثل التداول بالفوركس، التسويق الهرمي والشبكي، التدريب غير المنضبط على تداول العملات الرقمية.
وقد آثار قرار وزارة الاقتصاد حالة من الجدل في أوساط المواطنين المستثمرين في مجال التداول والعملات الرقمية المتعاملين مع الشركات العاملة في هذا المجال في قطاع غزة وقد نظموا وقفة احتجاجية مطالبين وزارة الاقتصاد بالتراجع عن قرار المنع حيث يرون بأنهم يحققون أرباحاً شهرية دون أي تعب وأن الشركات التي يتعاملون معها تتعامل معهم بكل شفافية ووضوح، كما أن الخبراء في المجال المالي والإقتصادي كانت لهم آراء متباينة حيث أيد فريق منهم قرار الوزارة ورأى أنه يأتي في إطار حماية ممتلكات المواطنين، كما رأى آخرون بأن المنع ليس الأسلوب المناسب لهذه النوع من الاستثمار في ظل العولمة والتحول الرقمي الهائل، وإنما على الوزارة أن تقوم بإتخاذ إجراءات تتعلق بتنظيم عمليات التداول على الشاشة وفي مجال العملات الرقمية كما فعلت دول كثيرة عربية وأجنبية، وسنقوم في هذا المقال يتناول ونقاش وجهتي النظر المؤيدة والمعارضة للقرار.
وبداية لابد من الإشارة إلى أن أصحاب وجهات النظر المختلفة يتفقون على أن حماية المستهلك والمستثمر وحماية رأس المال الوطني هو واجب أساسي من واجبات الحكومة ممثلة بوزارة الاقتصاد، كما أن هناك بالفعل على أرض الواقع عدد من الأنشطة التي تقوم على أساس توظيف الأموال والاستثمار بالوكالة.
ويرى أصحاب وجهة النظر المعارضة لقرار وزارة الاقتصاد بأن ما يسمى التداول على الشاشة هي تجارة ذات مخاطر عالية وأرباحها أيضاً تكون مرتفعة، ويعتمد الحصول على أرباح في التداول على محددين أما الأول فهو الخبرة الخاصة بالمتداول والتي يتم اكتسابها بعد تجربة ودراسة ومتابعة ومعاناة وخسارة، أما المحدد الثاني هو مصداقية الشركة الأم صاحبة منصة التداول وتاريخها ومكان وجودها، حيث يتجاوز حجم التداول اليومي في هذا السوق ال 14 تريليون دولار....
كما يرون أيضاً بأن منع الشركات المحلية من تشغيل أموال المواطنين لا يمكن ضبطه أو مراقبته حيث يستطيع أي مواطن من التداول عبر الانترنت ويمكن أن يقوم بالإيداع والسحب عبر الفيزا أو غيرها من الطرق، وأن عمليات النصب والاحتيال غالباً تكون من خلال مدير الحسابات أو الوكيل الذي يعمل نيابة عن المستثمر، وأن التداول مثله مثل أي استثمار يكون فيه ربح وخسارة.
أما وجهة النظر المؤيدة لقرار وزارة الاقتصاد فترى أنه لا ينبغي تشجيع المواطنين على التداول والتعامل بالعملات الافتراضية والمشفرة لأسباب عديدة أهمها المخاطر العالية جداً والتذبذب الكبير، والمجازفة مما يعرض مدخرات المواطنين للضياع بشكل كبير، ويرون بأن ضمان وحماية مدخرات الناس أولى من جلب المصلحة الفردية لاسيما وأن مختلف الشرائح بالعموم في غزة ليس لديها الدراية والخبرة في دهاليز التداول في العملات الافتراضية والمشفرة.
وختاماً نرى بأن على المواطنين التروي وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الفردية والبحث عن فرص الاستثمار قليلة المخاطر لأنهم عند حصول أي مشكلة -نصب واحتيال مثلاً- سوف يلقون اللوم على الحكومة لأنها لم تقم بحماية ممتلكاتهم، كما نرى بأن قرار وزارة الاقتصاد الوطني صائب مرحلياً، ولطن يجب أن يتبعه إجراءات أخرى يمكن أن تبدأ بجهد مجتمعي مشترك بين الحكومة والأطر القانونية والقطاع الخاص ممثلاً بالشركات والأفراد الذين يمارسون هذا النشاط من أجل إطلاق لوائح تنفيذية ذات صفة إلزامية تنظم عمل الأنشطة المتاحة ، وتعمل على رعاية مصالح جميع الأطرف وتشمل الاقتصاد المحلي والمستثمرين الأفراد وكذلك الشركات العاملة في المجال.