الأسرى ذخر فلسطين الإستراتيجي

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 


هناك مشكلة خطيرة تنجم عن عدم رؤية كثير من المسؤولين السياسيين لما هو إستراتيجي، حيث يأخذهم «الشو» الإعلامي، فلا يرون أبعد من أنوفهم الانتخابية، ومن هؤلاء بالطبع، قادة التطرف الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، هذا الذي لولا اقتحاماته المتكررة المستفزة والمتطرفة للحرم القدسي الشريف، خلال الأعوام السابقة، حين كان عضو كنيست فقط، لما حصل في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة على ما حصل عليه، بما أهله لأن يظفر بوزارة مهمة، كانت تسمى من قبل أن يتولاها وزارة الأمن الداخلي، ثم تحولت من أجله فقط، لوزارة الأمن القومي، بعد أن أضيفت إليها صلاحيات أخرى اقتطعت من أهم الوزارات الإسرائيلية، ونقصد وزارة الدفاع.
وأن لا يرى بعض المسؤولين سوى ما هو مثير ولافت للانتباه، يعني أن لا يروا ما بين السطور كما يقال عادة، وأن لا يروا ما هو وراء الأكمة، أو وراء الكواليس، وفي خضم المواجهة الدائرة حاليا في مدن وقرى الضفة الغربية، بالكاد، يفكر العالم الإقليمي ومعه الولايات المتحدة، القائد المسؤول عن العالم، والتي تهتم كثيراً وعلى نحو خاص بالشرق الأوسط، لأنه يحتوي على إسرائيل حليفها الاستراتيجي، وعلى بقعة النفط والغاز، التي تعتبر مفتاح التحكم بأوروبا، التي ما زالت ترى فيها واشنطن المربع الذي يؤهلها للاستمرار في قيادة النظام العالمي أحادي القطب، بعد أن كانت تؤهلها لزعامة القطب الغربي أو الرأسمالي إبان الحرب الباردة، في ظل النظام العالمي ثنائي القطبية الذي تلا الحرب العالمية الثانية.  
نقول بالكاد يفكر العالم ومنه الولايات المتحدة، بمحاولة تخفيض مستوى الصخب الدائر في مدن وقرى الضفة الفلسطينية، في ظل التطرف الإسرائيلي الحاكم، وعلى أبواب شهر رمضان، الذي عادة ما يكون مناسبة لإطلاق العنان للاستفزاز والاضطراب، نظرا إلى أن الفلسطينيين المسلمين، يكونون على موعد مع شهر الإيمان، فيما لا يتورع المتطرفون من المستوطنين، عن ممارسة كل الاعتداءات الممكنة على حقهم في العبادة في مساجدهم، خاصة الحرم القدسي والحرم الإبراهيمي الشريفين.  
ورغم أهمية ذلك، إلا أن عدم التزام التطرف الإسرائيلي الحاكم_ والذي ما زال عبر الجيش والمستوطنين يمارس اقتحامات المدن، وارتكاب المجازر بحق المواطنين الفلسطينيين المدنيين العزل من السلاح، وآخر تلك الجرائم، مجزرة جنين قبل أيام، والتي راح ضحيتها 6 شهداء، ثم جريمة جبع أمس باغتيال ثلاثة شبان دون محاكمة_ عدم التزام الجانب الإسرائيلي بتفاهمات التهدئة في العقبة، قبل أن يجف الحبر الذي كتبت فيه، كذلك كون رمضان بات على بعد أيام قليلة فقط، يعني بأن المرجل ما زال يغلي، وبأن صاعق الانفجار ما زال غير بعيد عن برميل البارود، وبذلك فإن المنطقة ذاهبة إلى مواجهة دموية على الأغلب.  
وانعدام التعقل لدى الجانب الإسرائيلي يجعله يغفل عن وجود عامل آخر يجري تسخينه بشكل حثيث ومتتابع، ونقصد به ملف الأسرى، حيث يقبع في السجون الإسرائيلية نحو خمسة آلاف أسير حرب فلسطيني، أصابهم من تطرف ابن غفير الضرر الكبير، ما دفعهم منذ شهر تقريبا إلى الإضراب عن الطعام، والدخول في حرب الأمعاء الخاوية، التي هي بمثابة الأسطورة التي سجل من خلالها فيما مضى الأبطال الأسرى ملاحم الانتصار على السجان  الإسرائيلي.  
والأسرى الفلسطينيون هم كلمة السر التي يُجمع عليها الشعب الفلسطيني بأسره، ومن أجلهم يقدم الغالي والرخيص، وهذا الملف بحاجة إلى اهتمام ينزع عنه صاعق التفجير أيضا، وإلا فإنه سيكون مرشحاً هو الآخر، حتى في حال التزم الإسرائيليون بتفاهمات العقبة، إلى معالجة وحل يعيد الوضع السابق، إلى ما كان عليه، أي الوضع الذي كان قبل قرارات وإجراءات بن غفير، وذلك على أقل تقدير، وإلا فإن الانفجار واقع لا محالة.  
ملخص القول، هو أن انشغال الولايات المتحدة بالملف الروسي/الأوكراني في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، وانشغال بنيامين نتنياهو مع الخارجية الأميركية بملف التطبيع، والركض وراء موريتانيا والصومال، اندونيسيا والنيجر، وترك الملف الفلسطيني ببنوده المتوترة لكل من بن غفير وسموتريتش، يعني بأن حال الطرف الآخر مثل حال النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، فلا هي ترى ما يدور حولها، ولا هي تدرك ما سيحل بها بعد حين.  
وهذه المرة، قد لا تقتصر المواجهة التي تلوح في الأفق عند حدود وحيدة وحسب، فليس بعيدا عن جبهة المواجهة في جنين ونابلس، جبهات القدس وغزة، كذلك جبهة الجنوب اللبناني، حيث يضغط الاقتصاد في ظل الفراغ السياسي الناجم عن عدم انتخاب رئيس دستوري، ومع بدء العد التنازلي لتنفيذ الاتفاق الخاص باستخراج الغاز، والذي يعتبر خشبة الخلاص للاقتصاد اللبناني، والذي كما هو معروف وقعته الحكومة الإسرائيلية البديلة، ورفضه نتنياهو، بل والتزم بعد تنفيذه، ما قد يدفع لتسخين أو حتى اندلاع مواجهة بين لبنان وإسرائيل، ولعل واقعة الاحتكاك بين المواطنين اللبنانيين مع الجنود الإسرائيليين، قبل أيام مؤشر على ذلك.
كذلك لا يمكن اعتبار أن الجبهة السورية الإسرائيلية ستظل هكذا تحتمل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة دون رد سوري رسمي وشعبي غير معتاد، فيما يبقى احتمال اندلاع مواجهة عسكرية إسرائيلية إيرانية قائما في أية لحظة.
وإذا كانت إسرائيل وهي محكومة بحكومة يرأسها رجل متهم بقضايا فساد، دخل بسببها في عراك داخلي، أحد أشكاله الاحتجاجات غير المعتادة في المدن الإسرائيلية بشكل متواصل، حول ملف القضاء، وتضم في عضويتها أطياف اليمين والتزمت الديني والتطرف العنصري والفاشي، أي حكومة هي نفسها بمثابة صاعق تفجير لبرميل البارود في الشرق الأوسط، وإذا كانت الولايات المتحدة، منشغلة بملفات دولية غير ملف الشرق الأوسط، ورغم إدارتها الديمقراطية إلا أنها عجزت عن حل ملف صراعها مع إيران، رغم أنها صرفت نصف ولايتها من اجل العودة للاتفاق النووي الذي سبق لها وأبرمته مع إيران عام 2015، وذلك بسبب إسرائيل، فإن كل ما فعلته واشنطن حتى اللحظة، لا يعد كافيا لتجنيب المنطقة، وفي المقدمة منها الجبهة الفلسطينية - الإسرائيلية مخاطر واحتمالات الانفجار، الذي يفقدها السيطرة على الواقع السياسي الحالي في ظل لحظة هي _نقصد واشنطن أحوج ما تكون فيها، لأن تركز على محاولتها القبض على زمام القيادة العالمية في ظل التحدي العسكري الروسي والتحدي الاقتصادي الصيني.  
فمتى تدرك واشنطن بأن إسرائيل خاصة في ظل متطرفيها من العنصريين الفاشيين، قد باتت عبئا عليها، وهي بعد أن حرمتها من النجاح في احتواء الملف الإيراني بتأثيراته الإقليمية، ها هي تدفع الخارجية الأميركية لإلهائها بملف التطبيع، عن الملفات الساخنة، بل عن الملفات التي ترى واشنطن فيها الأولوية من أجل عودتها للتفرد بقيادة النظام العالمي، وكل ذلك يحدث من أجل تحقيق مصلحة إسرائيل، بل ربما من أجل مصلحة التطرف الإسرائيلي الضيقة بالدرجة الأولى، وليس من أجل مصلحة أميركا، لا في الشرق الأوسط، ولا على صعيد العالم، ويقيناً بأن ظاهرة المعارضة الأميركية لهذه العلاقة الأميركية الإسرائيلية، التي ظهرت كثيرا كما لو كانت أميركا مثل الجمل الذي يمسك بمقوده الراعي، ستتعاظم، لدرجة أن تتزايد الأصوات المؤثرة في المجتمع الأميركي التي تطالب بوضع حد لما يحدث في سدة الحكم الإسرائيلي، بحيث لا تقتصر المطالبة على تدخل الرئيس جو بايدن لمنع تمرير قانون تقويض القضاء الإسرائيلي فقط.