"اتفاق بكين" ..أول معالم "القطبية الجديدة" عبر بوابة السعودية وإيران!

1638599527-781-3.jpg
حجم الخط

كتب حسن عصفور

 سيبقى يوم 10 مارس 2023 علاقة سياسية فارقة في الأحداث السياسية الدولية، بعدما تمكنت الصين من رعاية اتفاق سعودي – إيراني حول التعاون بين البلدين، في مختلف المجالات، متجاوزا بشكل جوهري أبعاد الاتفاق الأمني الموقع بينهما أبريل 2001ـ وهو الأول بمضمونه بعد سقوط حكم الشاه 1979.

"اتفاق بكين" يحمل أبعادا متعددة بين الاستراتيجي والآني، ولكن المسألة المركزية تبدأ من "قنبلة الصين النووية سياسيا"، حيث تمكنت من تسجيل أول إنجاز تسووي في المنطقة، بل وكونيا، معلنة بوضوح خروجها من مرحلة المساندة والمساعدة في حل مشكلات إقليمية هنا وهناك، الى مرحلة الاقتحام المباشر والرعاية الصريحة.

"اتفاق بكين" السعودي – الإيراني، رغم أهميته الكبرى للبلدين وانعكاساته المتشعبة، لكن قيمته الحقيقية تاريخيا، تلك الانطلاقة الصينية في ترسيخ أول ملامح العالم الجديد، والذي بدأ في وضع حجر أساسه قرار الرئيس الروسي بوتين، لكسر الهيمنة الأمريكية المطلقة، التي سادت بعد هزيمة المنظومة الاشتراكية وفي القلب منها الاتحاد السوفيتي، ورضوخ روسيا لفترة زمنية للمعادلة الدولية، حتى كان قرار الاقتحام من "بوابة أوكرانيا" 24 فبراير 2022، لوضع حد، ويبدو الى الأبد لما كان ما قبل ذلك.

"الاختراق الصيني" لترسيم ملامح "عالم جديد" عبر بوابة الرياض وطهران، شكل جديد من اشكال الرعاية السياسية لحل قضايا معقدة، بلا ثمن سياسي أو أمني مسبق كما كان سائدا في "الزمن الأمريكي"، فالمصلحة المتبادلة بين أطراف "اتفاق بكين" خارج مفاهيم الهيمنة والسيطرة وفرض شروط مسبقة، تنال من "البعد السياسي" للدول وملامح استقلالها النسبي، كما كانت تفعل أمريكا.

ولعل تلك المسألة ستكون حافزا لبناء علاقات سياسية دولية بعيدة عن "الدفع مسبق الثمن"، ما يرسم قواعد مختلفة في عالم ما بعد الهيمنة الأمريكية، خاصة وأن العربية السعودية عاشت منذ نشأتها في ظل واقع سياسي "إحادي العلاقة"، دفعت خلاله "ثمنا" يفوق كثيرا ما توقعته "ربحا سياسيا"، فيما تمكنت وخلال أقل من سنوات خمسة، في زمن محمد بن سلمان، أن تعيد ملامح دولة حاضرة، بعدما قررت أن تضع نهاية، ويبدو الى غير رجعة مع "حصار أمريكي فريد"، كأن أبرز ملاحمها خيار التعاون النفطي في القرار الدولي مع روسيا، وفتح باب التبادل التجاري مع الصين ليصل بحدود 100مليار دولار، لتكسر نظرية "سي السيد الأمريكي".

بالتأكيد، يحمل "اتفاق بكين" مظهر التعاون الروسي الصيني المتسارع جدا، بعد فبرار 2022، بما يساهم في ترسيخ حقائق سياسية كونيا، ويعتبر ذلك "الاختبار الأول" للرؤية الاستراتيجية المشتركة، التي بدأت منذ تخلت روسيا والصين عن كل ما علق سابقا من "آثار الخلاف الفكري – السياسي" في مرحلة الاتحاد السوفيتي، والانتقال لمظهر مختلف من بناء قواعد ثنائية تؤسس لقطبية عالمية، خاصة أن الحقيقة السياسية أكدت أن لا مجال لأي منهما الذهاب منفردا لكسر "معادلة الهيمنة الأمريكية" الغربية.

ومع القيمة الاستراتيجية التاريخية لـ "اتفاق بكين" في وضع حجر الأساس لنهاية "عالم قطبي" وبناء "عالم قطبي جديد"، لكنه يحمل قيما مضافة مباشرة ومستقبلية، ثنائية وإقليمية، ورسم مشهد مختلف قد يدوم، وربما يتعرقل هنا أو هناك مع "أشواك محطات متعددة"، خاصة في اليمن، سوريا، لبنان، العراق، المفهوم الفارسي للخليج، ونظرية "الهيمنة" والبعد الطائفي المتشابك مع مصالح "النفوذ الإقليمي" المغلفة بـ "الطموح الخاص".

ولكن، القيمة الأبرز في البعد الإقليمي، الخسارة الاستراتيجية لدولة الكيان العنصري في استخدام "الورقة الإيرانية" كسلاح خاص في تعزيز دورها "الإقليمي"، ليس فقط ما يعرف بـ "التطبيع"، بل يتجاوز ذلك الى حدود "الراعي الأمني"، باستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية كبديل عن القوة الأمريكية (من راعي أمريكي الى راع إسرائيلي)، وكانت المؤشرات تذهب بعيدا الى ذلك، حتى وصل نشر تقرير في صحيفة أمريكية، ساعات قبل انجاز "اتفاق بكين" حول شرط العربية السعودية للعلاقة مع الكيان، "النووي مقابل التطبيع".

وقياس القيمة السياسية لـ "اتفاق بكين" إقليميا، ينطلق من رد فعل قادة الكيان، حكومة ومعارضة، و"الملطمة السياسية" التي بدأت بلوم كل منهما للآخر، ما يكشف أن "الحدث" لم يكن كما يقال معلوما لهم مسبقا، كحقيقة قادمة، ولعل تلك أحد مكامن قوة الاتفاق، خاصة الاستهتار الأمريكي بجوهر المحادثات رغم علمهم بها، ما يعيد للذاكرة موقف أمريكا من مفاوضات أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية يناير 1993 حتى أغسطس 1993، علمت بها ولكنها استخفت بها الى حد السخرية، فكان ذلك أحد مقومات التوصل الى الاتفاق، كما "اتفاق بكين".

هل نجاح "اتفاق بكين" سيكون مضمونا، بالتأكيد لا، فأمريكا وتحالفها الغربي لن يقف متفرجا أبدا على صناعة عالم جديد، يكسر "هيمنة استعمارية فريدة" نحو عالم تبادل مصالح متوازن، كما أن دولة الكيان وحكومة إسرائيل المأزومة شموليا، بعدما خسرت ورقة استخدام استراتيجية، هي الورقة الإيرانية، قد تذهب لـ "المغامرة الكبرى" بتوجيه ضربة عسكرية الى النووي الإيراني، يدفع بإشعال "حرب إقليمية محدودة".

القيمة الاستراتيجية لـ "اتفاق بكين" بدأت، ولكنها صيرورة قد تواجه بعضا من "مطبات صناعية" او "مخلفات ذاتية"، ما يتطلب مراقبة غير تقليدية، والاستعداد لما سيكون بشكل جديد.

ملاحظة: حسنا فعلت حكومة د.اشتية بوضع حلول "مؤقتة" للأزمة مع النقابات..لكن اللي مش كويس ابدا "البعد الأمني" للحل..كان أستر لكم ما تكشفوه.. أما هيك فطلعت القصة مش قضية حقوق بل خوف من شي تاني خالص..غريبين إنتم بجد!

تنويه خاص: ملفت جدا أن دولة الكيان العنصري لم تصب بهتسيريا التهديد المعتاد ورا أي عملية عسكرية فما بالكم في تل أبيب وشارعها "الحيوي"ديزنغوف..لم نسمع ولا نقرأ أنها "زعلت" من حماس ولا حكمها الخاص، مع أنه "الفدائي الشهيد" طلع منها..قصة بدها تفكير لليش سكتت مرة واحدة!