معاريف : هكذا يقود نتنياهو مشروع "التضليل الأكبر"..

ران-ادليست.jpeg
حجم الخط

بقلم: ران أدليست



ليس في نهاية اليوم، بل الآن تماماً، الاحتجاج ملزم بأن يعرض أجندة كدية مقابل أجندة الائتلاف. بالفعل، "د ي م ق ر ا ط ي ة" هي شعار ممتاز يتلاءم والحرية الشخصية، ويوحد المعسكر. غير أنه كلما نال الاحتجاج زخماً، تتضح الحقيقة بأنه تقف خلف محاولة فرض دكتاتورية هنا أيديولوجية متماسكة ومصممة (التدين، الاستيطان، والأبرتهايد). ليس فقط إنقاذ آريه درعي وبنيامين نتنياهو من السجن ووظائف للمقربين.
ينال الاحتجاج طاقة هجومية لأجل الدفاع عن الحرية الشخصية، لكن تحققه الفاعل هو في اللعبة السياسية، ليس كحزب لكن مع ايديولوجية كدية. مثلاً، تأكيد الفوارق بين جيش الشعب في نظرة المحتجين وبين جيش اليئور ازاريا في نظرة حكومة ايتمار بن غفير، نتنياهو، وبتسلئيل سموتريتش (رقص الجنود والمشاغبين هذا الأسبوع في حوارة). وبخاصة عندما يتطابق احتجاج رجال جهاز الامن في الاحتياط مع المعارضة التي تدير جهاز الامن فعلاً حيال الحكومة.
يدير الجيش الإسرائيلي باذرعه و"الشاباك" اليوم سياسة كدية علنية حيال أعمال الشغب الفوضوية للحكومة. في الجيش يقولون (رئيس الأركان هرتسي هليفي) إن "الجيش خارج السياسة". فليكن. لكن ماذا يعني الدفاع عن جهاز القضاء ان لم يكن سياسة؟ ناهيك عن الجنود والطيارين الذين بدون جهاز قضاء مستقل يخاطرون بأن يقدموا الى المحاكمة في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي على الأعمال في الضفة وفي غزة. هذه هي المشكلة الحقيقية وليست الاستعراض العابث الايراني.
التقى وزير الدفاع، يوآف غالنت، هذا الأسبوع، رئيس الاركان الأميركي، الجنرال مارك ميلي. نشر غالنت بان "المحادثات عنيت بالتعاون الضروري لمنع السلاح النووي عن ايران". لم يرد ميلي، ولاحقاً التقى مع هرتسي هليفي. ناطق باسم ميلي أفاد بان "النووي الإيراني لم يكن أساس الحديث، بل نشاط ايران الإقليمي والتنسيق الدفاعي تجاهها وليس خطط الهجوم عليها". في رأس جدول الأعمال، حسب ميلي: "منع التصعيد في الساحة الفلسطينية، بما في ذلك تعزيز قوات الأمن في السلطة الفلسطينية".
بالتوازي زار واشنطن، هذا الأسبوع، وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، ورئيس هيئة الأمن القومي، تساحي هنغبي، كي يتعرضا للتوبيخ بسبب "الإصلاح"، يضاف اليه مطالبتهما بتهدئة مشاغبي حوارة في الحكومة وفي الميدان. ايران يوك. كيف أعرف؟ الكل يعرف. لا حاجة لنكون في الغرف المغلقة كي نعرف بأن ليس لإسرائيل قدرة على أن تدق دبوسا في سياسة الـ "هولد" الأميركية الأوروبية حيال إيران. وبخاصة حين يكون رئيس وكالة الطاقة الذرية، رفائيل غروسي، أدار الأسبوع الماضي محادثات في طهران بهدف استئناف الاتفاق النووي. "هجوم عسكري إسرائيلي هو عمل غير قانوني"، قال هناك، وشبه النية الإسرائيلية بالهجوم الروسي على محطة توليد الطاقة النووية زبوريجيا في جنوب اوكرانيا.
يحتمل أن يكون الإيرانيون يخدعونه في سياق إمكانية استئناف المحادثات. بالضبط مثلما يحتمل أن تكون حكومة نتنياهو تخدعنا، سواء في موضوع التهديد الإيراني أم في موضوع الهجوم على مواقع النووي.

عمليات وتصفيات
أعجب حقاً أحياناً مما يحصل هناك في مكتب رئيس الوزراء او في رأسه نفسه. بداية دفع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليعرقل الاتفاق النووي، ما سرع التطوير فيما هو يجند جهاز الأمن كي يلدغ ايران. هذا الأسبوع تسلى البعض هنا في مناورات مشتركة كـ "دفاع" عن دول الخليج في وجه عدوان ايراني، فيما لعب الجيش وسلاح الجو دور مرتزقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
دوما كنت واثقاً بأن سياسة الالتفاف على الفلسطينيين من خلال اتفاقات إبراهيم مآلها الفشل. بخاصة بسبب الأكاذيب، والوعود العابثة، والمشادات في الأقصى، والعنف في "المناطق"، والتي اجتازت مستوى غض النظر من جانب دول الخليج حتى قبل الاعتداء الجماعي في حوارة. هذه سياسة تنتهي اليوم بكتف باردة من جانب السعوديين، وإلغاء زيارة نتنياهو الى الإمارات، وبالطبع ارتفاع إيران درجة في الطريق الى قنبلة نووية.
المشكلة: نجحت متلازمة ايران لدى نتنياهو في أن تجرف وراءها جهاز الأمن من خلال الوصفة العابثة لعدو وجودي أسطوري. لمن يتساءل كيف تجند الجهاز لصالح سياسة مغلوطة (ان لم تكن مغرضة لأجل خلق مظهر تهديد متدحرج) الجواب هو أن الجهاز تجند بسهولة، وبحماسة.
عندما يكون صنبور المالية مفتوحاً بلا رقابة، وعندما يكون للكثير من الناس الطيبين الكثير من الوقت والمال لتنفيذ أعمال موضعية فإن الجهاز يستجيب برد فعل شرطي. وبخاصة حين يدور الحديث عن إنقاذ الشعب، الدولة، ويقول رئيس الوزراء ان هذا أيضاً إنقاذ للعالم. وبالفعل، بفضل بضعة أعمال وتصفيات، فان "الموساد" هو المنقذ الرسمي لدولة إسرائيل من الإبادة. يدور الحديث بالطبع عن ترهات. يقوم عمل "الموساد" على لذعات ليس لها صلة بموازين قوى حقيقية واستراتيجيات عليا تملي الوضع الحقيقي.
لا يعني هذا أن إيران لا تريد قنبلة او أن هذه دولة صالحة. في تقدير واقعي، سيكون لها خيار نووي غامض، ما يدخل المنطقة كلها الى ميزان رعب نووي ويحيد الخيار الإسرائيلي، وخير أن هكذا. اذا كنت أحتاج لأن أحاكم تفكير قيادتي إيران وإسرائيل، فواضح أني اثق اكثر بتفكر آيات الله واقل بتفكر الحاخامين المسيحانيين الذين يديرون هنا احتفالاً دموياً.
الى جانب "الموساد"، الذي يشحن بالوقود التهديد الايراني بعمليات متكتكة، تساهم ايضا الوحدات الخاصة بدورها في القضاء على "الارهاب". هي ايضا جزء من مشروع التضليل الكبير. فبينما الحكومة وسياسة الأمن تتعرضان لضربة إثر ضربة على المستوى الاستراتيجي – من انتفاضة خالدة حتى فشل دولي مدوٍ في إيران – تدير الوحدات الخاصة عمليات خاصة للقضاء على "الإرهاب".
لا يدور الحديث عن الجندرما العنيفة في "المناطق" والتي تتخذ صورة عملية من الأفلام. هناك يدور الحديث عن سفاري صيد مع موازين قوى 100 الى 1. مثل ما لـ "الموساد"، يوجد للوحدات الخاصة ايضا بشكل عام زمن للتخطيط، مال فائض وابداعية. أليست متعة؟ نعم. ضمن امور أخرى هذه خطة بقاء فائقة جدير بكل شاب (وشابة) ان يجتازها. ذلك مرغوب دون تلبية احتياجات معنوية وعديمة المنفعة ودون قتل الآخرين والتعرض للقتل بالطبع.
قبل سنين، لأجل إنقاذ الروح العاصفة لجموع بيت إسرائيل الذين يئسوا من فشل الجيش الإسرائيلي المتواصل في حرب الاستنزاف، هرعت وحدة خاصة لتنفيذ "عملية من الأفلام". هذه ليست كلماتي بل كلمات رئيس الأركان في حينه، حاييم بارليف، الذي استقبلنا بعد واحدة من تلك العمليات. وقد بث إحساساً بأننا أنقذنا الدولة. أما عملياً، فقد كانت هذه واحدة من تلك العمليات – بالفعل رائعة وانتجت عناوين رئيسة صاخبة – لكن دون أي درس سياسي – استراتيجي.
على سلاح الجو أيضاً تعمل متلازمة إيران. عندهم أيضا صنبور المياه مفتوح، وكل متملص دوري يتملص من تحت رادار الحسابات السياسية – الاستراتيجية، والوسيلة نفسها تصبح استراتيجية. التهديد الأكبر على أيديولوجيا نتنياهو هو الفهم المتزايد اليوم لخدعة سياسته. من إيران وحتى الدولتين، من القضاء على "الإرهاب" وحتى تصفية غلاء المعيشة.

عن "معاريف"