يديعوت : أي الإسرائيليتين ستنتصر… العلمانية في “معركتها الأخيرة” أم الدينية “بعينها الكبيرة وفمها الصغير”؟

ناحوم-برنياع.jpeg
حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع

 ماذا كان أرئيل شارون ليفعل في ضوء شرخ داخلي كهذا؟ كان سيسأل نفسه ماذا كان بن غوريون سيفعل؟ وعندها يسير حتى النهاية. ربما ما كان ليدخل الحفرة منذ البداية، وربما نعم، ولكن ربما كان سيسد أذنيه ويندفع إلى الأمام في مرحلة معينة، أمام الحيطان التي تضيق عليه، وأمام جموع المتظاهرين، وأمام أزمة الثقة في الجيش، وأمام الضغوط من الداخل.

إحدى أساطير الوحدة الخاصة “سييرت” تروي رحلة مضنية في الشتاء في جبل الشيخ. تعثر نتنياهو في الثلج. توجه إليه أحد المقاتلين وقال: يا بيبي، لا يجب التوقف في الثلج. المنزلق سلس. من يتوقف في المنزلق يتدحرج إلى الأسفل.

لعل شارون ليس نموذجاً للقدوة؛ لعل الثلج في جبل الشيخ ليس سوى قصة. في الوضع الناشئ، يبدو السير إلى الأمام، حتى النهاية، خياراً خطيراً جداً. ثمة خيارات أخرى.

لقد شهدت الدولة موجات احتجاج في الماضي. موتي أشكنازي بعد حرب يوم الغفران؛ واليسار بعد المذبحة في صبرا وشاتيلا ولاحقاً على مدى 18 سنة احتلال في لبنان؛ والخيام في روتشيلد في 2011؛ والمستوطنون ضد اتفاق السلام مع مصر ضد اتفاق أوسلو وضد فك الارتباط؛ ومقاتلو الكسندروني بعد حرب لبنان الثانية؛ والحريديم بعد المصيبة في “ميرون”. لم يكتفِ المتظاهرون في كل هذه الأحداث بالصرخة على الظلم المحاق، بل طالبوا الحكومة بالقيام بفعل ما. أحياناً الحكومات تستسلم؛ وأحياناً تصر على موقفها. دوما دفعت ثمناً، آجلًا أم عاجلاً.

درس واحد يرافق كل هذه الأحداث: لا مفاوضات مع الاحتجاج. الاحتجاج موجة متصاعدة – هو ليس رئيس لجنة عاملين يأتي للتفاوض، أو محام يبحث عن صفقة. دور رئيس الوزراء هو إجراء حساب الكلفة مع نفسه – المنفعة. الكلفة هي الثمن الذي تدفعه الحكومة في ثقة الجمهور، وفي الاستقرار الاقتصادي، وفي التكافل الداخلي، والأمن، وصندوق الاقتراع؛ المنفعة هي في تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها. شدة المواجهة الحالية أكبر من كل ما شهدناه. من جهة، انقلاب نظامي مناهض للديمقراطية ويتم بأدوات ديمقراطية؛ من جهة أخرى، انتفاضة شعبية مصممة، فاعلة وترفض الذهاب إلى البيت.

مواجهات كهذه لا تحل بواسطة مخططات تعقد في الظلام. لا يوجد حل مدرسة. لا ابتكار منقذاً يأتي في اللحظة الأخيرة Deus Ex Machina. المطلوب في هذه اللحظة هو مهلة طويلة وتحريك مسيرة التشريع من بدايتها. مطلب إحداث تغييرات في موازين القوى بين المحكمة العليا والحكومة مطلب مشروع، شريطة ألا يمس بأساسات النظام في إسرائيل. من حق الائتلاف المضي بالقوانين وفقاً لفهمه. لا حق له في أن يدفع قدماً بقوانين أساس بمادة تنشيطية؛ وليس لوزرائه الحق في التصرف مثل “فتيان التلال” المعربدين في حوارة.

نَصّ أشبه بالهزيمة

مثل كثير من الأزمات السياسية، هذه الأزمة بدأت بالنصر أيضاً. نتائج الانتخابات كانت جيدة أكثر مما ينبغي للأحزاب التي تدور في فلك كتلة نتنياهو. وقد انتهكت التوازن الداخلي في الكتلة، وسمحت لسموتريتش وبن غفير لابتزاز نتنياهو ولفين في مواقع نفوذ كان محظوراً منحهما إياها، وأثارت حسد درعي وجفني المر. تحولت الكتلة من معارضة مقاتلة إلى ائتلاف انفعالي. للأمهات البولنديات وصف لهذا الوضع. عندما يلتهم الطفل كل ما في الصحن ثم لا يستطيع ابتلاع ما يأخذه، يقلن: عينان كبيرتان وفم صغير. كل يوم مشروع قانون جديد؛ كل مشروع يثير الأعصاب ويشغل البال أكثر من سابقه.

ما كان نتنياهو ملزماً بإعطاء لفين وزارة العدل. لقد أغصب لفين على الوزارة رغم علمه وربما بسبب علمه، بأنه سياسي مهووس، تأكله الكراهية، لا يميز بين الحقيقة والكذب؛ وما كان ملزماً بإعطاء سموتريتش لجنة الدستور رغم علمه، وربما بسبب علمه – بأن سمحا روتمان، الرئيس المرشح، يمقت النظام في إسرائيل من أساسه. فلا يعقل أن يودع محطة الاطفائية في أيدي محبي إشعال النار.

الفكرة الأساس للرجلين كانت البدء من الطرف الأقصى والتحرك في سياق التشريع لقطع شوط قصير إلى الوسط. هذه هي العنزات التي كان يفترض أن تخرج، العنزات التي سوقت بنجاح لرئيس الدولة ولوكلاء الحكومة في وسائل الإعلام. لكنهما لم يأخذا بالحسبان بأن ما نجح لدى الحاخام بشتعتال لن ينجح في العالم المستقطب في الشبكات الاجتماعية. كل فكرة شوهاء أصبحت هدفاً محصناً؛ كل تنازل أصبح خيانة للوطن.

بين القيود التي فرضتها المستشارة القانونية على نتنياهو، طموحات لفين وروتمان، وضغط سموتريتش، ومطالبات زوجته وابنه، وكل هذا أفقده مجال المناورة، وبدلاً من قيادته للحكومة وقف في الطابور للحصول على الغنائم: ميزانية شخصية أخرى، شقة للتزين، حراسة من “الشاباك”، قانون هدايا، تعيين مقربين – لا حدود للسلب والنهب.

الأزمة ليست سياسية فقط؛ فثمة من يرى فيها، وربما عن حق، مواجهة بين إرثين، نخبتين: الأولى، إسرائيل القديمة، العلمانية، التي تشعر أنهم يدحرونها جانباً، وأن هذه معركتها الأخيرة. والأخرى، التيار المسيحاني للصهيونية الدينية المقتنع بأن الوقت حان للوراثة. مصوتو الليكود ينظرون إلى هذا الصراع من بعيد، ويتساءلون إذا كان يتعلق بهم. التساؤل الأكثر حدة موجود في الوسط العربي رغم أنه إذا ما نجح طريق روتمان ولفين، فستتغير حياة العرب في إسرائيل، بحيث لا يمكن معرفتها. هذه هي الثورة.

على هذه الخلفية، لا يمكن الابتسام عند قراءة اعتذار سموتريتش على ما قاله بعد أعمال الشغب في حوارة. فهو لم يعتذر للمواطنين الذين أحرقت بيوتهم، بل للطيارين الذين احتجوا على الانقلاب النظامي، وحتى هذا ليس على ما قاله، بل على التفسير. اليسار مذنب. هو لن يؤيد محو قرى من المنطقة، كما يعد. ولن يقع أي ضرر لضمير الطيارين. ولن يؤيد إلا هدم المنازل من على جانبي محاور الطريق.

يعرف سموتريتش أن قريباً سيدشن طريق 60 جديد يتجاوز حوارة من الشرق. فلا منازل ولا بطيخ. عندما تحدث عن محور القرية قصد ما قال. كانت ذريعته الأولى ترن على نحو أفضل – “عصف نفسي”. لم يطلب سموتريتش محو قرية واحدة، إنما طلب محو كل قرى الضفة. محو، طرد، ضم: هذه هي الهيمنة الجديدة، وهذه هي رؤياها. سموتريتش وعصبته أقلية ليس فقط بين الإسرائيليين أو اليهود، بل أقلية حتى بين سكان المستوطنين.

رئيس أركان على حبل رفيع

تسلم هرتسي هليفي مهام منصب رئيس الأركان قبل أقل من شهرين. تعثر حظه، وفي مرحلة مبكرة من ولايته علق الجيش، وهو كقائده، في نار من الجانبين: من جهة المحتجون، الذين يفهمون بأن رافعتهم الوحيدة للتأثير على الحكومة هي خدمتهم في الاحتياط؛ ومن جهة أخرى جيش دعاية للحكومة، الذي يسمي المتظاهرين “فوضويين”، “إرهابيين”، “دمل” (!) ويقترح عليهم الذهاب إلى الجحيم. “تحدث إلى الجمهور”، هكذا ناشده رجال الاحتياط الذين التقاهم. دافع عنا. ألقِ بالرافضين من الجيش، طالب جنرالات الشبكات.

هليفي تردد. خشي من أن يؤدي ظهوره أمام الجمهور إلى تفاقم الوضع: فهو سيجعل الجيش الإسرائيلي ويجعله هو نفسه عنصراً مركزياً في صراع ليس لهما فيه دور، ومحظور عليها أن يكون لهما فيه دور. وكان قد أوضح لنتنياهو ولغالنت خطورة المسيرة، ولاحقاً اتصل بجهات سياسية أخرى في محاولة لتهدئة الخواطر. هذا الأسبوع عقد في كل مساء تقريباً لقاءات مع رجال احتياط يهددون بالرفض. السؤال مفتوح، هل هذا يكفي، ألا يحاول إطفاء حريق بملعقة. هذا سؤال مزعج في طرفيه: لماذا لا يهاجم الشاتمين علناً؛ لماذا لا يعاقب الرافضين.

لقد وضع لنفسه سلم أولويات، على رأسه أهلية الجيش واستعداده، حالياً وفي المستقبل القريب، ثم الانضباط لاحقاً. سلاح الجو مبني على خدمة طيارين في الاحتياط وعلى أهليتهم. لا يمكنه أن يتخلى عنهم أو أن يسمح لهم بالرفض الآن ثم العودة في الحرب.

هذا يعني استماعاً لاحتجاج الضباط، في النظامي والاحتياط، والابتعاد عن كل إجراء انضباطي تجاههم. رئيس الأركان يسير على حبل رفيع: رفض الرفض لكنه تفهم حججه والشجب والعناق. هدفكم جدير، لكن الوسيلة مرفوضة. فلا يجب على أحد أن يمس بمنظومة طوارئ الدولة.

قال لإحدى المجموعات التي التقاها: أنا شخص متفائل بطبيعتي. لكن دعونا نأخذ بالفرضية الأسوأ: تقوم دكتاتورية. حتى لو حدث هذا، فسأبقى هنا وأحاول التغيير. محظور قص فرع الشجرة الذي نجلس كلنا عليه. نفضل دكتاتورية آمنة على فوضى غير محمية”.

لم يكن سهلاً على الضباط في الاحتياط قبول هذه الصيغة. فهم يكافحون لأجل وجود ديمقراطية آمنة، ليس فوضى، ولا دكتاتورية.

لم يكن هذا سهلاً للطرف الآخر. أحتاج لأن أحرص على الجيش الإسرائيلي وليس على تربية دولة إسرائيل، قال لمن طالب بإجراءات انضباطية. أفترض بأنه إذا ما اتخذت إجراءات تجاه 37 طياراً في سرب 69، فإن كثيرين آخرين سيرفضون في أعقابهم. ثم تصبح الأزمة لاحقاً تمرداً.

 يديعوت أحرونوت