خطته لإصلاح القضاء مقدمة لحرب أهلية

تحليل: هل تتخلص "الدولة العميقة" في إسرائيل من نتنياهو للحفاظ وجودها؟!

نتنياهو
حجم الخط

رام الله - خاص وكالة خبر - مي أبو حسنين

تتواصل الاحتجاجات في دولة الاحتلال الإسرائيلي، للأسبوع العاشر على التوالي، ضد التعديلات القضائية التي تعتزم الحكومة القائمة برئاسة بنيامين نتنياهو تنفيذها؛ الأمر الذي سيحد من سلطات المحكمة العليا "أعلى سلطة قضائية"، وسيمنح الحكومة سيطرة على تعيين القضاة.

التعديلات القضائية.. إسرائيل تتآكل من الداخل

واحتشد أكثر من 50 ألفاً في مدينة حيفا و3 أضعاف هذا العدد في ميدان رئيسي في تل أبيب بالإضافة لآلاف في مدن ومناطق مختلفة.

ورفع المتظاهرون العلم الإسرائيلي وشعارات تتهم بنيامين نتنياهو وحلفاءه، من اليمين المتطرف والعنصريين والمتدينين المتشددين، بالانقلاب على القضاء والسلطة والنظام السياسي والسعي لتحويله إلى دكتاتورية تهدر حقوق المواطنين.

ويُشارك في هذه الاحتجاجات مئات الجنرالات المتقاعدين والرؤساء السابقين للأجهزة الأمنية والاستخبارات والموساد والخبراء ورجال الأعمال ومعاهد القانون وقادة وكوادر من أحزاب المعارضة ويقدر العدد الإجمالي للمشاركين في هذه المظاهرات بنحو ربع مليون إسرائيلي.

وتزامناً مع تزايد وتيرة التظاهرات، طالب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الخميس الماضي، نتنياهو بإلغاء التعديلات القضائية.

وتقول المعارضة: "إنَّ خطة الإصلاح القضائي تُمثل "بداية النهاية للديمقراطية"، فيما يُردد نتنياهو أنّها تهدف إلى "إعادة التوازن بين السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) الذي انتُهك خلال العقدين الأخيرين".

وفي المقابل، يقول نتنياهو الذي عاد رئيساً للوزراء لفترة سادسة في أواخر ديسمبر/كانون الأول: "إنَّ المظاهرات تهدف للإطاحة به. وهو يحاكم في 3 قضايا فساد وينفي ارتكاب أي مخالفات".

الحرب الأهلية مُستبعدة

من جهته، توقع المختص في الشأن الإسرائيلي، هاني أبو السباع، استمرار التظاهرات في دولة الاحتلال؛ لعدة أسباب أولاً بسبب "معارضة غالبية النخب في الدولة للتعديلات القضائية للحكومة القائمة بزعامة نتنياهو، و التي ستُغير النظام السياسي من ديمقراطي إلى ديكتاتوري".

وأضاف أبو السباع، في حديث لوكالة "خبر": "أما السبب الثاني لاستمرار التظاهرات، هو التخوف الكبير لدى أصحاب رؤوس الأموال والصناعات التكنولوجية في إسرائيل من حكومة اليمين التي ستفرض عليهم مزيدًا  من الضرائب"، مُردفاً: "هنا نلاحظ تهاوي قيمة الشيكل بعد سحب رجال الأعمال أموالهم وتحويلها للخارج".

ورأى أنَّ الاحتجاجات الإسرائيلية التي يقودها اليسار ستتواصل مدعومة من الغرب وأمريكا، حيث يرى الغرب وأمريكا أنَّ من مصلحتهما تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط  وعدم قيام "إسرائيل" بأيّ مغامرة- يقصد توجيه ضربة لإيران- في ظل الحرب مع روسيا، مُعتقداً أنَّ احتمال نشوب حرب في ظل حكومة اليمين بات كبيراً.

واستبعد أنّ تصل الأمور في دولة الاحتلال إلى حرب أهلية، فقد شهد العدو انقسامات سابقة، مثل اتفاق أوسلو والانسحاب من غزّة، مما أدى لسقوط الحكومات ولكِن لم تصل إلى الحرب الأهلية.

وبالحديث عن إمكانية نجاح نتنياهو، في تمرير خطته للتعديلات القضائية، قال أبو السباع: "إنَّ نتنياهو قد ينجح بسبب وجود أغلبية مريحة وسط تأييد جارف من اليمين، خاصةً أنَّ له مصلحة شخصية بوقف الملاحقات القانونية ضده، واشتداد المظاهرات والرأي العام سيُساهم في تأجيل ذلك".

أما عن احتمالية تخلص "الدولة العميقة" لدى الاحتلال من نتنياهو؛ خوفاً من تآكل الدولة من الداخل؛ بسبب خطته للإصلاح القضائي، أوضح أبو السياع، أنَّ "هناك محاولات جادة من أقطاب الدولة في الحكومات السابقة؛ للضغط على نتنياهو ومن بعض رؤساء الأجهزة الأمنية والطيارون للتراجع عن خطته"، مُتابعاً: "أيضاً من الممكن الدعوة لانتخابات قادمة يرى نتنياهو أنّه عائد لها".

واستدرك: "لكِن في حال اندلعت مواجهة مع إيران أو حزب الله، سنكون أمام تشكيل حكومة ائتلاف للحفاظ على الجبهة الداخلية"، مُؤكّداً في ذات الوقت على أنَّ ما يجري في دولة الاحتلال يخدم المقاومة؛ خاصةً أنَّ الكيان بدأ يتراجع اقتصادياً، وقد تزامن ذلك مع انهيار أمني كبير وارتفاع عدد القتلى مُنذ بدء العام إلى 14 قتيلاً في عمليات فدائية للمقاومة الفلسطينية.

المستقبل للحريديم

من جهته، توقع الكاتب والمحلل السياسي خالد عمايرة، أنّ تتواصل الاحتجاجات المعارضة لخطة الإصلاح القضائي، وذلك حتى يُصبح هناك مخرجاً للمظاهرات والاحتجاجات؛ لأنَّ الحكومة الجديدة الأكثر فاشية في تاريخ إسرائيل منذ العام 1948، تُريد تغيير النظام السياسي؛ بحجة أنَّ الشعب انتخب أحزاب مغايرة لما كان في السابق.

وقال عمايرة، في حديثه لمراسلة وكالة "خبر": "إنَّ الجمهور الإسرائيلي كان ينتخب حزب العمل ومن ثم حزب الليكود والآن هناك موجة ثالثة من أحزاب  الصهيونية الدينية وأحزاب الحريديم، وهؤلاء لديهم رؤيتهم الخاصة، فالحركة الصهيونية الدينية لها تفسيرها الخاص للقوانين التلمودية والحريديم يرفضون مبدأ الحركة الصهيونية".

 ورجح عمايرة، أنّ يتحول "الحريديم" بعد عقد أو عقدين إلى أغلبية في المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي الأمر مهم جداً بالنسبة لمستقبل "إسرائيل"، فإذا لم يتم حسم الأمور، ستكون دولة الاحتلال أمام حرب أهلية فعلية في العقود القليلة القادمة.

وعن إمكانية نجاح نتنياهو في تمرير خطته؛ لإصلاح القضاء في دولة الاحتلال، رأى عمايرة، أنَّ "نتنياهو قد يسمح بالوصول إلى اتفاق للاحتفاظ بماء وجهه؛ بما لا يؤدي إلى قص أجنحة محكمة العدل العليا والمس بالحقوق الأساسية للمواطن في إسرائيل، والتي تعتبر بمثابة دستور لدولة الاحتلال، حيث لا يوجد هناك دستور، بل ما يُسمى بالقوانين الأساسية".

واستطرد: "لكِن مثل هذا الحل لن يُرضى شركاء نتنياهو من اليمين المتطرف مثل سموترش وبن غفير، وستكون الحكومة مُعرضة للسقوط في أيّ لحظة".

وبشأن تخلص الاحتلال من نتنياهو خوفاً من انهيار الدولة العميقة من الداخل، قال عمايرة: "إنَّ الدولة العميقة (قادة الجيش المتقاعدين والشابك والموساد ورؤساء الأجهزة الأمنية) إذا وصل الأمر لنقطة لا يمكن الرجوع عنها، فقد يلجأون لذلك"، مُشيراً إلى أنّه عند محاولة  اعتقال سموترش، قال للشاباك "إذا لم تتركوني سأكشف عن الشخصيات التي ساعدت في قتل اسحاق رابين، لأنّه يعرف أنّ قتل رابين تم بمساعدة من حكومة الاحتلال".

وإسحاق رابين خامس رئيس وزراء لإسرائيل، وتقلّد هذا المنصب في فترتين؛ الأولى من 1974 إلى 1977 والثانية من 1992 انتهت بإطلاق الرصاص عليه ومقتله في 4 نوفمبر 1995 على يد قاتل يهودي اسمه إيجال عامير، ليصبح رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الوحيد الذي يقضي اغتيالاً، ويُعد رابين من أشهر رجالات البالماخ المتفرعة من الهاجاناه.