اقترب شهر رمضان المبارك، تفوح معه روائح عطره هي روائح النفحات الروحية، والعطاءات الإلهية، والتجليات الربانية، التي تملأ الأجواء، وتسر القلوب، وتبهج النفوس فأوله رحمه وأوسطه مغفره وآخره عتق من النار، خاب من انشغل عنه وفلح من تعبّد وقرأ القرآن به، وهو شهر الصّيام، الذي اختصّ الله عز وجل الثواب فيه لنفسه، والصيام هو العبادة التي تحمي المسلم من عذاب النّار، وهو انتصارٌ على النفس والهوى والشيطان .
شهر رمضان الكريم هو الشهر التاسع من السنة الهجرية، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهوشهر الخضوعٌ، والطاعةٌ، والحرمانٌ من ملذات الحياة، وشهواتها طيلة النهار إيمانًا واحتسابًا لله، وهو شهر الرحمة والتوبة والمغفرة، تُكفر فيه الذنوب، وتكثر به الحسنات، وتُقبل فيه توبة العبد الصائم، وهو الشهر الذي ينتظر فيه المسلمون أن تُغفر خطاياهم ،وأن تُولد أرواحهم الطيبة وقد أنعم الله علي عباده بهذا الشهر الكريم للتعجيل بالتوبة واغتنام الفرصة للمغفرة والصفح والرضا، وشهر رمضان شهرٌ يُهذب النفوس العاصية ، ويبعث الراحة والطمأنينة في القلوب التي أرهقتها الذنوب و المعاصي.
-
الإستعداد لشهر رمضان
شهر رمضان شهر النفحات الإيمانيه، فقد أشار لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا فقال: (إن لله في أيامكم هذه نفحات فتعرضوا لنفحات الله)، فعلى المسلم أن يتوب لله عز وجل توبةً نصوحًا، وأن يقضي ما عليه من حقوق الناس، وأن يصل رحمه، ويقضي ما عليه من فرائض لم يؤدها لأن دين الله أحق أن يُقضى، وهناك الكثير من الأمور التي يمكننا من خلالها الاستعداد للشهر الفضيل منها:
• الاستعداد بالنية الصادقة
لا بد أن يستقبل الإنسان الشهر الكريم بالنية الصادقة على الاجتهاد في الطاعات فإن النية الصالحة الصادقة من أسباب عون الله للعبد وتوفيقه، يقول الله تعالى: ﴿ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نية المؤمن خير من عمله"، وفي لفظ: "نية المؤمن أبلغ من عمله". صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• الاستعداد بالتوبة الصادقة
نستقبل الشهر الكريم بالتوبة النصوح إلى الله، لأن الذنوب تحول بين العبد والخير، فتكون عائقًا عن القيام بالأعمال الصالحة، فإذا تاب العبد من ذنوبه انبعثت النفس بالطاعات وأقبلت عليها، فمن الأحرى له أن يسارع بالتوبة مما بينه وبين ربه من ذنوب ومعاصي ارتكبها، ومما بينه وبين الناس من حقوق اغتصبها، ليدخل عليه الشهر المبارك فيتفرغ للطاعات والعبادات بسلامة صدر، وطمأنينة قلب، يقول الله تعالى ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) كما يقول نبينا الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)
• الاستعداد بالفرح بقرب بلوغ هذا الشهر العظيم
إن بلوغ شهر رمضان من نِعَم الله العظيمة على العبد المسلم، لأن شهر رمضان من مواسم الخير الذي تُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وهو شهر القرآن، تأتي الفرحة في رمضان برحمة الله ومغفرته والعتق من عذابه، وفيه نفرح بمنح الله التي لا تحصى، يقول تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، ويمكننا كذلك أن ننشر فرحتنا بقدوم الشهر الكريم فنتدبر الأمر مع العائلة والأهل والخلان ونتفق على أن يحفز بعضنا بعضّا لتلاوة القرآن وصلاة الجماعة وبالطبع صلاة التراويح أعمال الخير جميعًا، ويمكننا كذلك أن ننشر الفرح بين الصغار، ونُهيئهم لاستقبال الشهر الكريم، فنحدثهم عنه وعن كراماته وفضائله.
• الاستعداد بالإكثار من الدعاء
أفضل ما يمكن أن نستعد به لاستقبال شهر رمضان هو الإكثار من الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل: وهو "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وطاعتك"، وهذا الدعاء عام في رمضان وفي غيره لكن الحاجة تتأكد له في رمضان ، فعن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته.
الإستعداد بالصدقات
يقول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ، أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللهُمَّ، أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)، فالصدقة تدفع البلاء على المتصدق، كما يقول عليه الصلاة والسلام (باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطّى الصدقة)، ومن ثمّ فعمل الخير ومساعدة المحتاجين كلها من الصفات التي يجب أن نحرص عليها قبل قدوم شهر رمضان، وهي تعزز من روح الفضيلة لدينا وتصل بنا إلى مرحلة الرضا والاتزان النفس.
-
الإستعداد بصلة الرحم
صلة الرحم سبب لمغفرة الذنوب وتهوين الحساب على المسلم، فقد ورد في الحديث: (أنَّ رجلًا أتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي أصَبتُ ذنبًا عظيمًا فَهَل لي مِن تَوبةٍ؟ قالَ هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: لا، قالَ: هل لَكَ من خالةٍ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فبِرَّها)، ولصلة الرحم صور متعددة ، منها : زيارة الأرحام وتفقّد أحوالهم، وصلة القاطع منهم ، والتصدق على فقيرهم، وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة على الأرحام بقوله: ((إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ ، وَإِنَّهَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ : صَدَقَةٌ ، وَصِلَةٌ ))، وأولى الأرحام بالصلة الوالدان، ثم من يليهم من الأهل والقرابة.
• الاستعداد بنية ختم القرآن لعدة مرات مع التدبر
قراءة القرآن لها فضل كبير فقد قال تعالي (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)، والنية بختم القرآن فيها أجر مضاعف والشفاعة في الآخرة، والقرآن الكريم نورٌ يضيء دروبنا بالإيمان، ونرفع به درجاتنا، فإنّ لقارئ القرآن الأجر العظيم من عند الرحمن.
• الاستعداد بالصيام في شهر شعبان تعويدًا للجسم على ساعات الصوم الطويلة
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ، فيستحب للإنسان أن يبدأ بالصيام في شعبان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
• الاستعداد بالخلق الحسن
يقول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ), وعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِم) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك لا بد للمسلم أن يتعامل مع الناس بخلق حسن وأن يكون هين لين فهذا الشهر الكريم هو شهر البُعد عن الخصومات والنزاعات، وهو شهر التآلف والمحبة بين المسلمين، وقد دعانا الإسلام إلى التحلي بمكارم الأخلاق بأيامنا المعتادة فما بالنا بهذه الأيام الكريمة العظيمة والتي يعظم فيها الأجر والثواب، وندعو الله سبحانه وتعالى “اللهمّ بلّغنا شهر رمضـان بلاغ قبولٍ وتوفيــق، وقربّنا فيه يا ربّنا إلى مرضاتك، وجنبنا فيه الفعل الذي يؤدي لنقماتك برحمتك يا أرحم الراحمين"