يديعوت : انعطافة استراتيجية في الشرق الأوسط

حجم الخط

بقلم: إيهود باراك*

 

 



1. السعودية – إيران، جوهر ومثال. استئناف العلاقات بين السعودية وإيران يشكل نقطة انعطافة استراتيجية في المنطقة. هي ضربة لإسرائيل والولايات المتحدة، ومدخل لإنهاء الحرب الزائدة في اليمن، وإنجاز مهم للصين. في هذه المرحلة فإن احتمال اتفاق سلام مع السعودية يبدو قليلاً، والذي هو واحد من أهداف نتنياهو الأربعة.
هذا فشل جوهري ومثال على باقي ادعاءاته: تسير إيران بثقة إلى دولة "عتبة نووية" بحكم الأمر الواقع. يتخذ التنسيق الأميركي – الإسرائيلي صورة التنسيق القومي في المجال الدفاعي، لكنه ضعيف ويحتاج لسنوات أخرى في المجال الهجومي.
كما أن الأهداف الداخلية التي وضعها نتنياهو بقيت ميتة وفاشلة. فهل سمعتم شيئا عن التصدي لغلاء المعيشة؟ أو ضائقة السكن؟ لا شيء. لماذا يهجر نتنياهو كل أهدافه المعلنة ويركز على "الانقلاب النظامي"؟ حتى عندما يعاني الاقتصاد من أضرار جسام، وانكسار ينتشر في منظومات الأمن، وتهتز مكانتنا في العالم، والمقاتلون لدينا عرضة للمحكمة الدولة في لاهاي؟
يقتبس عن "هآرتس" عن ضابط احتياط كتب يقول: "ربونا دوما على أن نرى وان نقول الأمور كما هي. إذاً ها هي: عصابة إجرامية تنفذ الآن انقلابا نظاميا عنيفا، وتحاول سحق جهاز القضاء الإسرائيلي، أي، إنهاء أيام دولة إسرائيل كديمقراطية تحترم القانون".
2. "مخطط" وحوار. لا خلاف في صدق نوايا الرئيس هرتسوغ، فهو يفعل كل ما هو ممكن من أجل الدولة ومواطنيها. لقد عمل الرئيس على نحو صائب حين قضى بأن "جملة التشريع التي تبحث الآن في اللجنة يجب أن تنقضي من العالم وبسرعة. هي خاطئة. هي كاسحة. هي تهز أساساتنا الديمقراطية". وأضاف الرئيس، إنه "يجب استبدالها بمخطط آخر متفق عليه وفوريا". من المشكوك فيه أن يكون ثمة مخطط متفق عليه. نتنياهو ولفين يسعيان إلى تسييس تعيين القضاة، والى منع إمكانية شطب قوانين أساس وغيرها. وهما سيسران على هذه العناصر ولا يوجد طريق للمعارضة، للاحتجاج أو للرئيس نفسه لقبولها.
على افضل ما أرى سيحسن الرئيس صنعا إذا ما تضمن المخطط، الذي سيعرضه، قواعد عمل إذا ما أخذ بها فقط من كل الأطراف تكون جدوى للبحث. مثلا:
1. إصلاحات تشريعية متفق عليها، وحماية استقلالية جهاز القضاء، ووثيقة الاستقلال كأساس للدستور.
2. سحب كل تشريعات الشهر الماضي.
3. تشكيل لجنة رئاسية واسعة تضم مهنيين وممثلين عن الجمهور، تبحث في إطار زمني مناسب وبدون مسدس إلى الرقبة، في جملة التعديلات.
4. تعهد علني ومسبق من كل الأطراف ألا تسن إلا قوانين بإجماع واسع ويبدأ انطباقها من الكنيست القادمة.
في هذه القواعد عملت كل أمة متقدمة ومتنورة في مئات السنين الأخيرة، وهكذا يجدر بنا نحن أن نعمل أيضا. إذا رفض أي من الطرفين فإنه يشهد على نفسه بأن ما قاله الضابط العسكري في الاحتياط كان محقا.
3. وإذا لم يتحقق حل وسط؟ قال المستشار القانوني السابق مندلبليت أن نتنياهو، لفين، وروتمن يسعون إلى الدكتاتورية، وان "المقاومة افضل من الحل الوسط السيئ". لقد تسبب نتنياهو بالأزمة الدستورية. في اللحظة التي يسن فيها أي من القوانين بالقراءة الثانية والثالثة، فإننا نكون في دكتاتورية بحكم الأمر الواقع. هذا تغيير يصعب إدراكه. حتى مع قانونيين فقط، تسييس تعيين القضاة، وإلغاء إمكانية شطب قوانين أساس، نكون بتنا في دكتاتورية؛ لأنه لا يكون هناك أي سبيل لوقف الحكومة من أن تسن أي قانون يروق لها. من المعقول أن تشطب المحكمة العليا تشريعا كهذا، ويحتمل جدا أن تتجاهل الحكومة. سيجد "حماة الحمى" انفسهم أمام أوامر مختلفة، وينبغي الأمل في أن يطيعوا محكمة العدل العليا.
عندما تعمل الحكومة بشكل غير شرعي على نحو ظاهر وعلم اسود يرفرف فوقها، تتغير القواعد. ليس للدكتاتورية صلاحيات شرعية على المواطنين محبي الحرية.
مقاتلو الجيش الإسرائيلي في الاحتياط سيمثلون، وأنا مقتنع بذلك، كرجل واحد، إذا ما نشبت - لا سمح الله - حرب جديدة. لكنهم عمليا متطوعون. يوجد لهم عقد مع حكومة ديمقراطية بموجبه حتى عندما يختلفون مع سياستها فإنهم مستعدون لأن يخاطروا بحياتهم في خدمتها. ليس لنا ولا يمكن أن يكون لنا عقد كهذا مع دكتاتورية.
في الدكتاتورية لا يتبقى للمواطنين الموالين لضميرهم ولوثيقة الاستقلال إلا التوجه إلى المسار الذي عملوا فيه بنجاح مع المهاتما غاندي في الهند ومارتين لوثر كينغ في الولايات المتحدة. هذا هو مسار "العصيان المدني غير العنيف". هذا ليس تمردا وليس رفضا. هذا عمل ضد عدم الشرعية العميقة لحكومة الطغيان، إلى أن تتراجع أو تسقط.
في مرآة التاريخ في نظرة إلى الوراء، في الديمقراطية يسجل في حقهم ويحاسبون من لا يطيعون القواعد والأوامر. أما في الدكتاتوريات فيدان من أطاعوا الأوامر ومن أصدروها. نحن على شفا هذه الهوة. الشعب في إسرائيل في معظم عناصره يؤمن بقيم وثيقة الاستقلال، ويريد أن يعيش في ديمقراطية. معا سنكافح ضد محاولة إطفاء النور. ومعا سننتصر.

عن "يديعوت"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*وزير دفاع إسرائيلي أسبق.ورئيس وزراء اسبق