من «العقبة» إلى «شرم الشيخ» .. حُلول عاجزة

BGh5Q.jpg
حجم الخط

بقلم طلال عوكل

 

 

 

اجتماعٌ آخر، في شرم الشيخ، لمن اجتمعوا في العقبة، ولمتابعة نتائج الاجتماع الأول، بهدف خفض التصعيد، الذي يُحذّر منه الجميع في شهر رمضان، عسى أن يؤجّل انفجاراً شاملاً للصراع تمتدُّ آثاره إلى الإقليم ولا ترغبه الأطراف المشاركة باستثناء إسرائيل.
أُراهن أن اجتماعاً آخر، واجتماعات أخرى، لن تنجح في خفض الصراع، والمسؤولية الحصرية عنه تتعلّق بالجانب الإسرائيلي الذي لا يستطيع مغادرة طبيعته ومخطّطاته وأهدافه.
كم مجزرة ارتكبت إسرائيل بعد «لقاء العقبة»، وكم مرّة اجتاحت مدناً وقرى فلسطينية، وكم قتلت، واعتقلت، ودمّرت، ومتى أعلنت أنها ملتزمة بتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه في «العقبة»؟
لقد تصاعدت حُمّى الإرهاب الوحشي الإسرائيلي، وتصاعدت تصريحات الكراهية والتحريض على الإرهاب حتى باتت حكومة بنيامين نتنياهو، أو على الأقلّ وزيراها: بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، منبوذين دولياً حتى من قبل الجاليات اليهودية.
تعرّضت السلطة الوطنية الفلسطينية لانتقادات لاذعة واتهامات من قبل عديد الفصائل الفلسطينية، من دون أن تأخذ في الاعتبار، انسداد الخيارات المتاحة أمام السلطة، إلّا بمجاراة المساعي نحو التهدئة، حتى لو أنها تتضمّن نظرياً التزامات صعبة.
في الواقع فإن الفلسطينيين هم أصحاب المصلحة في خفض التصعيد، وتحقيق التهدئة، وهذه أبداً لا تخدم، ولا هي في مصلحة حكومة نتنياهو التي تعاني من أزمة داخلية خطيرة، وتدهور سمعة إسرائيل على المستوى الدولي.
الأزمة الداخلية تتفاقم، وتتعمّق، وتأخذ أبعاداً خطيرة على تماسك مجتمع المستوطنين، وتتّسع دائرة الاحتجاجات، وربما تؤدي إلى عصيانات مدنية، قد تمتد، أيضاً، إلى الجيش والأجهزة الأمنية بينما يمضي نتنياهو في مشروعه بشأن ما تسمّى إصلاحات القضاء.
هل سمعتم أن نتنياهو يصدر تعليماته لوزرائه بعدم السفر إلى أميركا، وهل سمعتم أن إسرائيل ترفض استقبال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل بسبب تصريحاته ضد إسرائيل؟
كمن يُصاب بالجَرَب، نتنياهو ووزراؤه، يُستقبلون في العواصم الغربية تسبقهم احتجاجات ومطالبات بعدم استقبالهم، ورفض يهودي للمشاركة في نشاطاتهم.
بعد «العقبة»، وقبل «شرم الشيخ»، يعلن وزراء نتنياهو رفضهم لتقديم أي تسهيلات للفلسطينيين خلال شهر رمضان، ما يعني أن إسرائيل تبنّت سياسة تصعيدية، من شأنها أن تدفع الأوضاع نحو الانفجار الشامل.
ولكن لماذا تركّز التحذيرات على شهر رمضان؟
في الواقع ثمّة تجارب كثيرة تشير إلى أن الفلسطينيين يتوجهون إلى المسجد الأقصى بعشرات الآلاف خلال شهر رمضان لأداء الصلاة والاعتكاف في رحابه، ما يؤكد لإسرائيل وغيرها بأن القدس والأقصى لن يكون إلّا فلسطينياً، وأن الفلسطينيين، مهما فعلت إسرائيل سيدافعون عن حقوقهم وتاريخهم.
تتعمّد إسرائيل وضع عراقيل أمام مرور الفلسطينيين الراغبين في الوصول إلى المسجد الأقصى، وتحدّد أعمار من يحقّ لهم ذلك، بما لا يسمح لعشرات الآلاف من الشباب فضلاً عن سكان قطاع غزة بأداء وممارسة حقوقهم الدينية.
وفي شهر رمضان تتولّد لدى الشباب شحنات إيمانية، بالإضافة إلى ما لديهم من شحنات وطنية، تدفعهم للتضحية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، خصوصاً أن شهر رمضان يصادف بعض أعياد اليهود.
يتذكّر الجميع مسيرات الأعلام الاستفزازية الإسرائيلية وأبطالها موجودون الآن في الحكومة، ويحظون بدعم وحماية وتغطية ومشاركة من قبل الجيش والشرطة.
إذا كان بن غفير أصرّ على تنفيذ «مسيرة الأعلام» في العام المنصرم في ظلّ حكومة يائير لابيد، فإنه اليوم صاحب قرار، ولا نظنّ أبداً أن حكومة نتنياهو ستمنعه من القيام بكلّ ما يسعى إليه من استفزاز.
استعراضات بن غفير ومستوطنيه بالتأكيد سيُقابلها ردّ فعلٍ فلسطيني، خصوصاً أنه ينتهك حُرمة المسجد الأقصى، وينتهك حق المسلمين في العبادة.
وشهر رمضان يتصادف مع مناسبة «يوم الأرض»، بما أنه يوم فلسطيني بامتياز يخرج فيه الفلسطينيون في كل بقاع الأرض، وخصوصاً في أراضي العام 1948، دفاعاً عن أرضهم، وحقوقهم، ولتأكيد وحدتهم وتمسُّكهم بحقوقهم التاريخية.
الاحتكاكات بين الفلسطينيين والمستوطنين المدعومين من قبل الشرطة والجيش، لن تتوقّف في «يوم الأرض» على القدس، بل إنها قد تؤدّي إلى اندلاع اشتباكات في مدن وقرى فلسطين التاريخية في أراضي 1948، بالإضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
كيف يمكن مع كل هذه العوامل أن تنجح «العقبة» أو «شرم الشيخ» في خفض التصعيد من دون ممارسة ضغوط شديدة على الحكومة العنصرية الفاشية، باعتبارها الطرف المسؤول حصرياً عن التصعيد؟
لا يمكن القبول بلغة وضع الضحيّة والجلّاد في مستوى واحد، ومطالبة الطرفين بالالتزام بخفض التصعيد، ومثل هذه اللغة تعكس إما انحيازاً لصالح الجلّاد، أو تواطؤاً مع سياساته وممارساته.
في الواقع حتى الآن لم يمارس أي طرف، خصوصاً الولايات المتحدة، أي ضغطٍ فعّال، سوى إصدار بيانات التعبير عن القلق والتحذير ممّا سيأتي، والمطالبة بكذا وكذا.
القراءة السياسية المقبولة والواقعية في مثل هذه الحالة تقول إن مجاراة السلطة للمساعي الإقليمية والدولية من أجل خفض التصعيد، بما يعني نزع الذرائع، تصبح هي السلوك المناسب.
ولكن مقابل ذلك لا بدّ للطرف الفلسطيني المشارك في اجتماعات «شرم الشيخ»، بعد «العقبة»، أن يطالب الأطراف المشاركة ببعض الضمانات، وممارسة الضغط الفعّال.
وربّما، أيضاً، بالإضافة إلى مطالبة الأطراف بفتح الأفق السياسي، رغم المعرفة المُسبقة بالرفض الإسرائيلي، نقول ربّما على الطرف الفلسطيني مطالبة الأطراف المشاركة بإرغام إسرائيل على التوقُّف عن وضع العقبات أمام إمكانية استعادة الفلسطينيين لوحدتهم.
في هذا السياق ينبغي على الفلسطينيين أن يتوجهوا إلى حوار يؤدّي إلى توافق على كيفية التصرف إزاء التصعيد الإسرائيلي، بما يخدم القضية الفلسطينية.
الفلسطينيون أمام فرصة تعميق التناقضات المتفاقمة في إسرائيل، ولذلك ينبغي عليهم، أيضاً، أن يبتعدوا عن أي مبادرة تصعيدية تعطي حكومة نتنياهو مبرّراً، للقيام بحملة عدوانية كبيرة للتغطية على ما يجري داخل إسرائيل.