تقدم العلاقات السعودية الإيرانية أنموذجا فريدا في العلاقات بين الدول. وتعكس تفسيرا لنظريات العلاقات الدولية وابرزها النظرية الواقعية والسلوكية ونظرية الدور والمكانة والمصالح القومية.
فالعلاقات الدولية ليست ثابته ولا تقوم على العداء التام وليست زواجا كاثوليكيا مقدسا.وهذا حال العلاقات بين ايران والسعودية. ما يجمع إيران والسعودية الإنتماء لأهم إقليم جغرافى ،والأكثر أهمية جيوسياسيا وإقتصاديا و إستهدافا من قبل القوى الإقليمية والدولية. وهنا تلعب العوامل الجيوسياسية دورا مهما فى تفسير هذا الاتفاق. والقراءة السريعة للعلاقات التاريخية بينهما تؤكد غلبة الاتفاق على الإختلاف. فتاريخيا تعود العلاقات لعام1929 بعقد أول إتفاق تم بموجبه قيام علاقات ديبلوماسية وإفتتاح اول سفارة لإيران في جده. وبعدها تأرجحت العلاقات بين ألإختلاف والإتفاق، فشهدت العلاقات مراحل من التوتر والإختلا ف أكثر من مرة.فساد التوتر في زمن حكم الشاه عام 1943 ثم عادت عام 1946 وعاد التوتر ثانية عام 1987 والإتفاق عام 1991،وأدى إعتراف إيران بإسرائيل للتوتر في العلاقات وأبرز الأحداث زيارة الملك فيصل لهران عام 1965، ليعود التوتر في العلاقات بعد قرار بريطانيا الانسحاب من المنطقة وإحتلال إيران للجزر الثلاث العربية التابعة للإمارات ومطالبتها ولاية تابعة لها. ثم للتوافق بالوساطة المغربية وزيارة الشاه للسعودية. ولتبدأ العلاقات مرحلة جديده مع الثورة ألإيرانية عام 1979 ليسود التوتر على الاتفاق بسبب سياسات إيران الجديدة بتصدير مبادئ ثورتها للمنطقة وتمسكها بالبعد القومى الإيراني وهنا تبرز نظريتان متناقضتان للمنطقة. ولتنتهى العلاقات تماما مع 2016 وقطع العلاقات الدبلوماسية بينهما ولتدخل العلاقات في مرحلة أشد توترا وتأزما وخلافا في العديد من القضايا في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وليبرز الخلاف الشيعي السنى. لنصل إلى نجاح الوساطة الصينية لتنهى قطيعة سبع سنوات من العلاقات.وهنا بعض الملاحظات ألأولية على الاتفاق.
الملاحظة الأولى أن هذا الاتفاق ما كان يمكن أن ينجح لولا التغير في السلوك السياسى وفى الرغبة والدافع المشترك.وهنا تصريح ولى العهد محمد بن سلمان قبل عام لمجلة ذي انتلانتيك:إننا نعتبر إيران بمثابة جارة لنا وإن حل المشاكل يصب في مصلحة الطرفين إلا أنه يجب معالجة مخاوف المملكة الأمنية أولا. في هذا السياق هناك تحولات وتغيرات داخلية لدى البلدين تدفع للتوافق، فرؤية السعودية لعام 2030 والحاجة للإستقرار والأمن والرغبة في وضع حد للحرب في اليمن وغيرها. والإعتراف المتبادل بقوة الدولتين. ومن ناحية إيران تعانى من عقوبات وإحتجاجات داخلية وإدراكها بقوة الدور السعودى ومكانته الإقليمية والدولية . هذا التحول سببا في الاتفاق.
الملاحظة الثانية ان الاتفاق ليس مثاليا فلا توجد إتفاقات مثالية في العلاقات الدولية وإنما تخضع لمعايير القوة والثقة المتبادلة والقدرة على حل المشاكل العالقة بالحوار والدبلوماسية وهنا عبارة وزير الخارجية السعودية الأمير فرحان بن سعود ألأصل في العلاقات الدولية علاقات ديبلوماسية بين الدول تتواصل حتى في أوقات الأزمات.ويعزز ذلك في حال دولتين جارتين بحجم السعودية وإيران .وأن الرغبة في الحوار والتواصل بداية لإحتواء الخلافات.
الملاحظة الثالثة تتعلق بالدور الصينى ذاته والعلاقات الإستراتيجية بين الصين وكل من إيران والسعودية , التي تمثلت في لقاءات القمة التي قام بها الرئيس الصينى للسعودية. وهذه العلاقات دافعة للقبول بالدور الصينى ،علما ما للصين من دور وتطلعات عالمية ،وما لها من تاثير وعلاقات بدول المنطقة ، في الوقت ذاته تراجع الدور الأمريكي في المنطقة والحاجة للإستفادة من القدرات النووية الصينية ، اضف عإلى حجم العلاقات الاقتصادية بين الصين والسعودية والتى زادت عن 70 مليار دورلا ومع إيران لأكثر من 20 مليار دولار ومعاهدة الشراكة الإستراتيجية مع إيران. هنا الدور الصينى تتوفر فيه كل مقومات النجاح
الملاحظة الرابعة لا يمكن أن نقلل من الدور الذى لعبته كل من العراق وعمان على مدار سنوات من الحوار مهدت البيئة والدور للصين.
الملاحظة الخامسة وهى انه لا يمكن تجاهل تأثير الحرب الأوكرانية وتداعياتها على المنطقة ، وما تشهده المنطقة من توترات لا تعمل في صالح الدولتين والمنطقة.فالإتفاق إنعكاس لبيئة إقليمية ودولية ،ولم يعقد بعيدا عنها لما للدولتين من وزن ودور، فإيران قوة إقليمية صاعده والسعودية تحولت لدولة قوةإقتصادية عالمية.ويبقى أن هذا الاتفاق خاطب حاجة الدولتين ويقوم على ركيزيتين رئيسيتين تتوافقان مع رؤية الدور الصينى الجديد عالميا إحترام السيادة الداخلية للدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والإعتبارت والمخاوف الأمنية ، يترجم ذلك بعودة العلاقات الدبلوماسية وإستئناف الاتفاق الأمني لعام 2001. ويفتح الباب أما دول المنطقة كمصر وتركيا ،وأختتم المقال بالتأكيد ان هذا الإتفاق يؤكد على إستقلالية القرار لدوله ، وان هذا الاتفاق ليس بديلا للسعودية عن علاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحده ، ولا يضع قيدا على علاقات الدول المستقبلية ،وابعد السيناريوهات طموحا هل يمكن ان يكون نواة لتحالف إقليمى جديد يضم مصر وتركيا والإمارات ودول المنطقة . وامام هذا الاتفاق تحديات كثيره ابرزها القوة النووية وفلسطين واليمن ، وتبقى الثقة هي المحك الرئيس لنجاحه وهذا ما سيحكم المستقبل عليه.وأخيرا هناك قراءات أخرى للإتفاق تتعلق بتغيير السلوك السياسي ونجاح الدبلوماسية السعودية والتداعيات الإقليمية تحتاج منا لمزيد من التحليل.