يجتمع البنك المركزي الأوروبي،وسط اضطرابات استثنائية في الأسواق المالية قد تجبره على الابتعاد عن خطط رفع أسعار الفائدة مرة أخرى رغم أن التضخم لا يزال مرتفعا.
قرار الفائدة المنتظر من المركزي الأوروبي يأتي وسط صخب شهدته أسواق العالم بعد أزمة انهيار سيلكون فالي، والتراجعات الحادة لسهم بنك كريدي سويس السويسري، قلق من انتقال العدوى إلى قطاع المصارف عالميا.
وأصبح صانعو السياسة النقدية في مأزق فيما يتعلق بالمدى الممكن لرفع الفائدة من أجل مواصلة معركتهم لكبح التضخم دون التسبب في هزة بالقطاع المالي.
وكان المركزي الأوروبي تعهد بزيادة الفائدة 50 نقطة أساس في اجتماعه ، لكن انهيار سيلكون فالي في أميركا الأسبوع الماضي أثار مخاوف من تأثير التشديد النقدي على الاستقرار المالي للبنوك، إلى جانب المشكلات التي يعاني منها بنك كريدي سويس.
ويخشى المركزي الأوروبي من الإضرار بمصداقيته في خطط مكافحة التضخم الذي تراجع إلى 8.5 بالمئة في منطقة اليورو خلال فبراير الماضي، لكنه لا يزال أعلى كثيرا من مستهدفه البالغ 2 بالمئة.
ويأتي قرار الفائدة المرتقب من المركزي الأوروبي قبل أسبوع من اجتماع الفيدرالي الأميركي الذي يرجح المستثمرون حاليا أن يبطئ وتيرة رفعه للفائدة إلى 25 نقطة أساس فقط لتقليل الضغط على القطاع البنكي، بعدما كانوا يتوقعون ارتفاعا قدره 50 نقطة أساس قبل أسبوع.
* في فبراير الماضي، رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة الرئيسية للمرة الخامسة على التوالي، لتصل إلى 3 بالمئة، و2.5 بالمئة على الودائع.
* خلال 2022، رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة 4 مرات بإجمالي 250 نقطة أساس (في أسرع وتيرة لزيادة الفائدة على الإطلاق).
* تشير توقعات المستثمرين حاليا إلى فرصة بنسبة 40 إلى 45 بالمئة فقط بأن يقوم المركزي الأوروبي بزيادة الفائدة 50 نقطة أساس، بعد أن كانت 100 بالمئة الأسبوع الماضي.
* التوقعات الخاصة بزيادة الفائدة 50 نقطة أساس كانت تستند إلى أن التضخم سيظل مرتفعا للغاية لعدة سنوات، إلى جانب استعادة اقتصاد منطقة اليورو لقوته.
قال الأكاديمي الفرنسي بيير لويس ريمو، في تصريحه، إن "هناك حالة من عدم التفاؤل إزاء القرار المرتقب للمركزي الأوروبي، والذي تذهب التوقعات إلى أنه سيقر رفع سعر الفائدة.. هذه القرارات (رفع الفائدة) تؤرق المستثمرين وأرباب الشركات والمواطن الأوروبي كذلك".
وأضاف أن الأزمة الروسية الأوكرانية كان لها انعكاسات خطيرة على أوروبا، وبالتالي متوقع استمرار قرارات رفع سعر الفائدة لكبح جماح التضخم، إلا أن هذه القرارات كانت لها أضرار كبيرة على المواطن الأوروبي، خصوصاً أولئك المطالبين بسداد القروض، علاوة على أن رفع سعر الفائدة يشكل ثقلاً يتعلق بديون الدول، ما ينعكس على الحالة الاقتصادية لدول تعيش بالأساس أوضاعاً صعبة من حيث حجم الدين العام.
وكانت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، قد أكدت في 18 فبراير الماضي، عزم البنك مواصلة رفع سعر الفائدة بـ50 نقطة أساس في مارس، وقالت إن:
* معدلات التضخم تشكل ضغوطاً كبيرة خصوصاً بسبب أسعار الطاقة.
* البنك المركزي الأوروبي سينشر مجموعة جديدة من التوقعات الاقتصادية بطريقة تمكن من تقييم المسار المستقبلي للسياسات النقدية الأوروبية.
وإذا رفع البنك المركزي الأوروبي بالفعل معدلات الفائدة كما هو متوقع، فسيكون قد رفع معدلاتها ست مرات على التوالي منذ يوليو، ما يمثل في المجمل 3.5 نقطة مئوية. وبالتالي تقترب المعدلات من مستوى يُسمّى "مقيّد"، يبطئ أكثر الاستهلاك والاستثمار بهدف تخفيف الضغط عن الأسعار.
وشرحت لاغارد أن إبقاء معدلات الفائدة "في مستوى مقيّد سيخفض في المستقبل التضخم عبر إبطاء الطلب وسيحمي أيضا من خطر الزيادة المستمرة في توقعات التضخم" من جانب الأسر والشركات.
وتشير أحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات التابع للاتحاد الأوروبي (يوروستات) إلى أن:
* تضخم أسعار المستهلكين في 20 دولة تتعامل باليورو انخفض إلى 8.5 بالمئة في فبراير من 8.6 بالمئة في يناير (على وقع تراجع تكاليف أسعار الطاقة).
* ارتفع معدل التضخم الأساسي (الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة) إلى 5.6 بالمئة، من 5.3 بالمئة.
* ارتفع نمو الأسعار في قطاع الخدمات (الذي يعد أكبر مكونات التضخم الأساسي) إلى 4.8 بالمئة، مقارنة بـ 4.4 بالمئة في يناير.
هل يتخلى الفيدرالي الأميركي عن سياسة رفع الفائدة في مارس؟
مخاوف من عدوى "سيلكون فالي"
تذهب بعض التوقعات إلى أن الأحداث الاقتصادية الأخيرة والمثيرة في الولايات المتحدة الأميركية مع انهيار بنكي سيلكون فالي وسيغنتشر قد تكون لها انعكاسات على اجتماع المركزي الأوروبي؛ نظرا لأن تلك البنوك ذات طابع إقليمي.
لكن يرى المشرفون على البنوك في منطقة اليورو أن انهيار بنكين أميركيين سيخلف آثارا محدودة على بنوك المنطقة، غير أنهم يشددون على الحاجة إلى مراقبة أي تداعيات أخرى عن كثب.
وقال أحد كبار المشرفين بالبنك المركزي الأوروبي إن بنوك منطقة اليورو تتمتع بتمويل جيد وأكثر تحفظا من بنك سيلكون فالي، الذي يقرض في الغالب شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا، ومنافسه بنك سيغنتشر في نيويورك، الذي أغلقته السلطات في مطلع الأسبوع.
من جانبه، يقول رئيس وحدة دراسات الطاقة في مركز الحبتور، محمد شادي، في حديثه ، إن التضخم في أميركا "منفلت" وبالنظر إلى معدلاته المرتفعة إلى جانب مشكلة انهيار البنوك، فإن الفيدرالي الأميركي سيكون مضطراً إلى رفع سعر الفائدة إلى نحو 25 نقطة أساس، وهذا يعني أن المركزي الأوروبي سيرفع سعر الفائدة في الاجتماعات القادمة لمجاراة الولايات المتحدة.
ويشدد على أن وضع عدد من البنوك الأوروبية في الفترة الأخيرة صعب للغاية، وإذا فقدت الولايات المتحدة السيطرة على موجة انهيار البنوك فقد تمتد إلى أوروبا.
وفي خطوة غير مسبوقة تدخل البنك المركزي السويسري بإتاحة قرض بقيمة 54 مليار دولار لصالح بنك كريدي سويس من أجل تعزيز الثقة في البنك بعد الانهيارات التي شهدها سهم البنك في تعاملات الأربعاء بعد أن قال أكبر مساهم فيه أنه لا يعتزم إضافة مزيد من السيولة في المصرف.
المصدر: سكاي نيوز عربية