الدبلوماسية هي أحد حقول العلوم السياسية، لا أقلل من شأن (الفهلوة)، الا ان السياسة لا تقتصر على ذكاء الشوارع، السياسة كما الدبلوماسية هي علم له أسس ومعايير للنجاح وقد تطور هذا العلم على مدار سنوات عديدة وحان الوقت لتبني سياسة في فلسطين تستند للتخصص.
كما تعرفون، في عالم الاكاديميا وخاصة في العلوم الاجتماعية والانسانية من الصعب أحياناً الاتفاق على تعريف واحد لأي مفهوم كان، في تعريف "الدبلوماسية" ومع كثرة التعريفات وعدم اتفاق المفكرين على تعريف موحد إلا أن التعريفات تلتقي جميعاً في نقطة واحدة تتمثل بعدم اللجوء للعنف والسلاح والدم كوسيلة لتحقيق الاهداف. من التعريفات الدارجة للدبلوماسية، حسب Berridge and James 2001, Palgrave ، هي تسيير العلاقات بين الدول ذات السيادة عن طريق المسؤولين الرسميين بطريقة سلمية. الدبلوماسية اذاً هي أي محاولة لتعزيز العلاقات أو المفاوضات الدولية أو تقويتها وهي تتمركز حول استخدام اللباقة في التعامل مع الطرف الآخر. من التعاريف المتداولة تعريف قاموس اوكسفورد الذي تبنّاه هارولد نيكلسون Harold Nicolson ، فقال الدبلوماسية هي إدارة العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات والأسلوب الذي يستخدمه السفراء والمبعوثون لإدارة وتسوية هذه العلاقات، وهي وظيفة الدبلوماسي أو فنه. ويعرفها ارنست ساتو Ernest Satow بأنها تطبيق الحيلة والذكاء في إدارة العلاقات الرسمية بين الحكومات والدول المستقلة. ويقدم شارل كالفو charle calvo تعريفاً للدبلوماسية بأنها علم العلاقات القائمة بين مختلف الدول، وهي ضرورية لقيادة الشؤون العامة ومتابعة المفاوضات كما تنشأ عن مصالحها المتبادلة، من مبادئ القانون الدولي ونصوص المعاهدات والاتفاقيات التي تنشأ.
اما اللورد Sir Henry Wotton فعرف الدبلوماسية انها فن الكذب من أجل مصلحة الوطن، وبالمناسبة خسر اللورد وطون عمله كدبلوماسي بعد هذا التعريف مباشرة. بالرغم من تعدد التعريفات إلا أنها جميعاً تشجب وتبتعد عن العنف والسلاح والدم كوسيلة لتحقيق الأهداف، والمعروف انه اذا تدخل العنف نخرج من مفهوم الدبلوماسية ونتجه نحو القوة والحرب. كما ان نجاح الدبلوماسية يرتكز علئ النزاهة الكفاءة والشفافية بعيدا عن الكذب، فكما شاهدنا في مثال الدبلوماسي البريطاني الذي فقد وظيفته عندما ربطها بالكذب!!!
العمل الدبلوماسي الفلسطيني يجب ان يخدم الشعب والمصالح الوطنية للبلاد، العمل الدبلوماسي هو الاداة التي يجب توظيفها في تحقيق أهدافنا الوطنية. ليس من المقبول ان يصبح العمل الدبلوماسي أداة ضغط ضد مصالحنا، قد تكون المشاركة في اجتماع شرم الشيخ جزءا من العمل الدبلوماسي وتندرج تحت تعريفات الدبلوماسية، فكما جاء المشاركة هدفها الدفاع عن حقوق شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال وللمطالبة بوقف العدوان الاسرائيلي المتواصل ضد ابناء شعبنا ووقف الاجراءات والسياسات التي تستبيح الدم والأرض والممتلكات والمقدسات. هذا الكلام يتطابق مع تعريف العمل الدبلوماسي الحضاري إلا انه يستثني ويغيب واقع الدم والعنف والتطرف والعنصرية الذي تنفذه قوات الاحتلال العسكري الإسرائيلي وبشراسة مع قدوم حكومة جديدة يمينية متطرفة بعيدة كل البعد عن كل ما هو دبلوماسي وسلمي وهذه هي الرسالة التي يجب ان تصل للعالم. ان الشريك الفلسطيني للسلام يواجه إرهاب المستوطنين المنظم من قبل آلة الحرب الإسرائيلية.
ندرك جيداً ان الفلسطينيين يواجهون ضغطاً سواء من الدول الاقليمية الحدودية أو امريكا، ومن الطبيعي ان يتم توجيه اصابع الاتهام واللوم للجانب الفلسطيني في حال عدم المشاركة في هذه اللقاءات التي تتبنى نهجاً دبلوماسياً يتنافى مع النهج الذي تتبناه حكومة نتنياهو التي تطالب السلطة الفلسطينية بتهدئة الاوضاع وتتهمها بعدم القدرة على السيطرة الامنية بينما تستمر هي في ممارسة الغطرسة وجرائم ضد الانسانية تتمثل في عمليات الاعدام الميداني والاغتيالات والاستيطان وهدم المنازل وطرد السكان.
الدبلوماسي الفلسطيني يحب ان يحاكي الواقع الذي نشهده من انعكاس لـ 75 عامًا من الاحتلال والابارتهايد والاستعمار الكولونيالي وارهاب الدولة المنظم. لقد اعدمت الآلة العسكرية الإسرائيلية، منذ مطلع شهر كانون الثاني (يناير) 2023 وحده ،89 مدنياً فلسطينياً، بينهم 17 طفلاً وامرأة واحدة. 130 أما فلسطينية تنتظر وداع ودفن ابنائها بكرامة، والاحتلال مستمر في احتجاز الجثامين في الثلاجات في مختبرات جامعة تل أبيب! وتزامنا مع شهر المرأة, ما زالت 29 فلسطينية أسيرة الى جانب حوالي 5000 اسير يقبعون خلف القضبان الإسرائيلية.
إتقان فن الدبلوماسية يمكن ان يحقق لنا بعض الأهداف اذا عملنا من خلال التخطيط والمعرفة والبناء على ما تشهده إسرائيل من سيناريو تدميري تجاه الديمقراطية والليبرالية وحقوق الانسان العالمية, اللغة التي تجمع الشعوب, من المفترض ان نبني على هذه اللغة ونستغل فرصة دبلوماسية لتقوية الموقف الفلسطيني بفعل جاد قبل المشاركة.
إذا لم يكن لدينا في عام 2023 المهارة الدبلوماسية والحنكة السياسية لتسمية الأشياء بمسمياتها، اذا لم نتقن أبجديات علم الدبلوماسية في خدمة مصلحة وطننا، كيف سنتحلى بالشجاعة أو الأمانة لحماية شعبنا وحقوقه، الدبلوماسي الفلسطيني يجب ان يقول لا في وجه الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الفصل العنصري ومحاسبة المجرمين في دولة الاحتلال. حتى لو ان الضغط الممارس ضدنا رهيب ولا يمكن وصفه، لمَ لا نقوي الموقف الفلسطيني، كان من أبجديات الدبلوماسية ان تستغل السلطة الفلسطينية الموقف الضعيف لإسرائيل بعد المجازر الميدانية الموثقة وتطالب بخطوات بناء ثقة وإثبات حسن النوايا من قبل الطرف الاسرائيلي قبل الموافقة بلا ثمن!
ما دمنا نعيد تجارب الماضي ونتوقع نتائج مختلفة فعلينا تحمل وقبول حقيقة ان إسرائيل ستواصل سلوكها فوق كل القوانين وسيستمر إفلاتها من العقاب بسبب الحصانة التي تتمتع بها من قبل كل نظام سياسي بات متورطاً بطريقة مباشرة او غير مباشرة بجرائم الحرب ضد الفلسطينيين.
"عندما يكافأ العنف لا يمكن للواقع الا ان يزداد سوءًا".
- دلال عريقات: كاتبة وأكاديمية