قال لي صديق عاد من زيارة في لندن، هذا الاسبوع، وبخيبة أمل كيف أن المدينة الضخمة التي يزيد عدد سكانها على عدد سكان اسرائيل دون الحديث عن السياح الكثيرين، تنجح في تسفير وتحريك الجميع بسرعة وفعالية تثير الحسد في المواصلات العامة المتطورة جدا مع قطار تحت الأرض لا يكف عن التجدد وحافلات تصل كل دقيقتين وقطارات تخرج الى كل زاوية في المملكة. «لماذا نحن لا نستطيع تقديم خدمات مشابهة؟»، سأل، «لماذا لا توجد عندنا مواصلات عامة ملائمة؟ لماذا لا يوجد قطار تحت الأرض؟ ولماذا خدمات الحافلات سيئة الى هذا الحد؟». يتبين أنه لكل جسم كمية محدودة من الطاقة. ولا يمكن أن تكون جيدا في كل شيء. اذا كانت المصادر والامكانيات موجهة للحرب ضد «الارهاب» والاستعداد للحرب القادمة، لا يمكن تقديم الادوات الكافية للمواصلات والتعليم والثقافة والسكن والرفاه، هذا غير ممكن. انظروا مثلا الى أقوال شخصين يقرران مصيرنا في الآونة الاخيرة: نفتالي بينيت، وزير التربية والتعليم، وبنيامين نتنياهو رئيس الحكومة. قبل بضعة ايام، في خطاب استراتيجي شامل، قال بينيت: «علينا انتاج موقف أمني جديد وابداعي، علينا تجديد المواقف». لم يتحدث عن موقف جديد أو ابداع في مجال التعليم وازمة السكن والمواصلات العامة أو محاربة الفقر. لقد تحدث فقط عن الحاجة الى الاستثمار أكثر في مجال «القضاء والوعي»، بعد أن استثمرنا بما يكفي في الطائرات. هكذا هي سبارطا: «الجيدون لسلاح الجو» وليس «الجيدين للتعليم». الجهود، الابحاث، القدرة على الاختراع، الايدي العاملة الجيدة – كل ذلك موجه للأمن. الشعب كله جيش والبلاد كلها جبهة، والمواضيع المدنية لم يبق لها قوة وأدوات. في بداية الاسبوع وبعد عودته من المؤتمر الاقتصادي في دافوس، أكمل نتنياهو الصورة التي قدمها بينيت. لقد تحدث للوزراء في جلسة الحكومة أن وضعنا في العالم ممتاز، وهذا خلافا لـ»ما يُقال في وسائل الاعلام». تحدث عن لقائه مع كبار العالم الذين يريدون التعاون معنا «في الصراع ضد الارهاب» و»كل ما يمكننا تقديمه من اجل الامن». واضح. نحن الأمن. وخلال نقاشات الميزانية يهتم نتنياهو دائما بزيادة ميزانية الامن. والوزارات الاجتماعية لا تعنيه. بالنسبة لنتنياهو لا يوجد ثمن لتحويلنا الى سبارطا. من ناحيتنا لا يوجد ثمن لرفضه لقاء محمود عباس، لا توجد مقاطعة للبضاعة الاسرائيلية، ولا يوجد وسم لمنتوجات المستوطنات، لا توجد مقاطعة للمحاضرين الاسرائيليين، لا توجد ازمة في السياحة، لا يوجد نمو متدن ولا يوجد تضخم كبير ومهدد في 2016، ونسبة البطالة ليست الكبرى في الغرب، ولا يوجد شباب غير قادرين على اكمال الشهر، لذلك يتركوننا ويذهبون الى الولايات المتحدة، لا يوجد تراجع في مستوى الحياة قياسا مع الغرب. نتنياهو لا ينتبه ايضا الى حقيقة أننا تحولنا الى دولة قبيحة ومنفرة بالنسبة للمستثمرين الاجانب. فقط الشركات الضخمة الصينية، التي تعتبر في العالم لها اشكالية من ناحية مصداقيتها وبسبب سيطرة الحكومة الشيوعية، مستعدة لشراء شركات هنا. شركات من العالم الغربي لا تريد الاستثمار هنا، ليس في شركات التأمين المعروضة للبيع وليس في البنوك وليس في الصناعة وليس ايضا في «ميغا» التي كانت ستُخطف منذ وقت في مكان آخر في العالم. نتنياهو لا يعترف بحقيقة أن سياسة الرفض التي ينتهجها هي التي جعلت الفلسطينيين يشعرون بهذا اليأس الكبير، الى درجة أنهم مستعدون لـ»الانتحار» في انتفاضة الافراد. وهو ايضا لا يعترف بحقيقة أن رفضه السير في حل الدولتين سيؤدي بالضرورة الى حل الدولة الواحدة مع اغلبية اسلامية، أي نهاية الحلم الصهيوني – هذا هو الثمن الكامل والتراجيدي لسبارطا.