لم تنتظر قوات الاحتلال الإسرائيلي، بدء الأسبوع الثالث من شهر رمضان المبارك، لتسخين الأوضاع في المسجد الأقصى المبارك، حيث تسمح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى مصحوبين بقرابينهم؛ لأداء ما يُسمى بالطقوس التلمودية مع حلول عيد الفصح اليهودي الذي يتقاطع مع شهر رمضان مُنذ ثلاث سنوات، وإنّما سارعت مُنذ الليلة الثالثة للشهر الفضيل إلي إفراغ الأقصى من المعتكفين فيه بالقوة؛ بتحريض من وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير.
تصعيد من بوابة الأقصى
"الاحتلال الإسرائيلي يبدأ حملته المسعورة على المسجد الأقصى المبارك ويحارب عبادة الله فيه ويفرغه من المصلين المعتكفين". بهذه الكلمات عبَّر خطيب المسجد الأقصى، عكرمة صبري، عن غضبه مما جرى ليلة أمس، بحق المعتكفين في المسجد المبارك.
واقتحمت قوّات الاحتلال الإسرائيلي، مساء يوم أمس السبت، المسجد الأقصى المبارك وقمعت المصلين المعتكفين داخل المصلى القبلي وأخرجتهم بالقوة.
وبحسب مصادر محلية، فإنَّ قوات الاحتلال منعت عودة أيّ شخص إلى داخل المسجد الأقصى عقب مغادرته، حيث أمهلت شرطة الاحتلال المعتكفين داخل المسجد الأقصى مدة 10 دقائق للخروج من المسجد أو إخراجهم بالقوة.
كما اعتقلت قوات الاحتلال مواطنين من المعتكفين داخل المصلى، وأجبرت جميع المعتكفين على الخروج من باب السلسلة، وحاولت الاستيلاء على هواتفهم الخلوية.
إدانات فصائلية لاقتحام الأقصى
وقال عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، أسامة القواسمي: "إنَّ اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى وإخراج المعتكفين فيه بالقوة واعتقال المصلين يُنذر بعواقب وخيمة، وهو عدوان آثم على شعبنا ومقدساتنا في شهر رمضان المبارك".
من جانبه، أكد الناطق باسم حركة "حماس" عن مدينة القدس، محمد حمادة، على أنّ الصلاة والاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك حق لشعبنا سيدافع عنه بكل وقت وبكل الوسائل، مُشدّداً على أنَّ ضغط الاحتلال وإرهابه لن يفلح في وقف الاعتكاف بالأقصى.
أما المتحدث الإعلامي باسم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، طارق عز الدين، فقد أكّد على أنَّ اقتحام جنود الاحتلال للمسجد الأقصى وانتهاك حرمة الشهر الفضيل والاعتداء على المعتكفين، جريمة كبرى بكل المقاييس، تستوجب وقفة وطنية جادة للتصدي لهذا العدوان.
من جهته، اعتبر الناطق باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، عماد محسن، أنَّ اعتداء قوات الاحتلال على المرابطين في المسجد الأقصى المبارك هو جريمة ضد الإنسانية، وتمس بشكلٍ مباشرٍ بحرية العبادة المكفولة في كافة القوانين الدولية، وهو عدوان آخر يمس بمكانة الحرم القدسي الشريف ويتناقض مع الالتزامات الدولية التي تحرّم إجراء أي تغييراتٍ في هويته ورمزيته.
ويتعرض المسجد الأقصى لاقتحامات يومية لباحاته من الجماعات الاستيطانية، ما عدا يومي الجمعة والسبت، وما عدا أيام الأعياد والمناسبات الدينية والإسلامية، كعيدي الفطر والأضحى أو يوم الإسراء والمعراج.
وتختلف ساعات الاقتحام بين فصلي الصيف والشتاء؛ في الصيف يبدأ الاقتحام عند الساعة السّابعة والنصف صباحاً حتى الحادية عشر صباحاً، وهي ما يُعرف بالفترة الصباحيّة، ومن ثم تأتي فترة ما بعد صلاة الظهر، من الواحدة والنصف حتى الثانية والنصف بعد الظهر.
أما شتاءً فتبدأ الفترة الصباحية عند السّابعة لتنتهي عند العاشرة والنصف، وتبدأ فترة ما بعد الظهر من الثانية عشرة والنصف حتى الواحدة والنصف ظهراً.
مستقبل نتنياهو السياسي والتصعيد في الأقصى
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي من القدس، راسم عبيدات، أنَّ "إخراج المعتكفين من المسجد الأقصى بالقوة، وإدخال المستوطنين، مُؤشر على أنّ الأوضاع آخذه بالسخونة، وأنَّ المرجل المقدسي الفلسطيني قد ينفجر من بوابة الأقصى ومدينة القدس المحتلة".
وأوضح عبيدات، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنَّ المسألة في القدس لا تتوقف على إدخال المستوطنين للأقصى وإخراج المعتكفين، بل تتعدي ذلك بأوسع عمليات اقتحام للأقصى فيما يُعرف بعيد الفصح اليهودي الذي يتقاطع مع شهر رمضان بدءًا من 6/4 حتى 12/4، وسعى ما يُسمى بجماعات الهيكل؛ لإدخال القرابين الحيوانية وذبحها في ساحات الأقصى، الأمر الذي سيخلق أزمة وسيؤدي إلى التصعيد.
وأشار إلى تدرج جماعات الهيكل والجماعات الاستيطانية في عملية إدخال القرابين مُنذ عشر سنوات، ففي العام 2014 أقامت هذه الجماعات الطقوس التلمودية في بلدة لفتا، المهجرة عام 1948، وفي العام 2015 جرى تقديمه في مستوطنة " شيلو" شمال شرق رام الله.
وأضاف: "أما في العام 2016 فقد تم إجراء هذه الطقوس في بلدة الطور، وفي 2017، فقُدمت عند ما يُسمى "كنيس الخراب" في حارة المغاربة بالبلدة القديمة، وفي العام 2018 في السور الجنوبي للمسجد الأقصى، وفي العام 2019 في بناية مطلة مباشرة على المسجد الأقصى".
وأكّد على أنَّ الأزمة السياسية العميقة والبنيوية التي تعيشها الحكومة "الإسرائيلية" القائمة بزعامة بنيامين نتنياهو، تطال المُؤسستين الأمنية والعسكرية، تُنذر ببداية التفكك في حزب الليكود على خلفية ما يُعرف بالإصلاحات القضائية، مُشيراً مساعي حكومة نتنياهو، لتصدير أزمتها الداخلية من بوابة التصعيد في الأقصى.
وبيّن أنَّ نتنياهو سيسعي لتصدير أزمته الداخلية باتجاه الشعب الفلسطيني من بوابة المسجد الأقصى؛ خاصةً مع وجود معارضة من أربع أعضاء في حزب الليكود- من ضمنهم وزير جيش الاحتلال، يوآف جالانت، ورئيس الشاباك الأسبق آفي ديختر ورئيس الكنيست الحالي وعضو آخر في اللليكود - حيث يرفضون عملية الإصلاحات القضائية؛ وإضعاف سلطة محكمة العدل العليا.
وختم عبيدات حديثه، بالقول: "إنَّ عدم قدرة حكومة نتنياهو على تمريرلخطة داخل الكنيست، سيؤدي إلى تفكيك الليكود وبالتالي ضياع الحكومة التي تضمن لنتنياهو مستقبله الشخصي والسياسي؛ خاصةً أنّه يواجه ثلاث تهم أمام القضاء الإسرائيلي وهي كفيلة بإيداعه في السجن لعدة سنوات".