الكاتب الإسرائيلي عاموس هرئيل : الجيش الاسرائيلي لا يتماشى مع توجيهات نتنياهو الجيش

ARNY-660x330
حجم الخط

كتب عاموس هرئيل، في “هآرتس” ان تقييمات الجيش الاسرائيلي، كما نشرت، امس الثلاثاء، تحدد الفجوات بين الموقف الرسمي لإسرائيل، الذي ينعكس في تصريحات رئيس الحكومة وبعض الوزراء، وبين تحليل المهنيين للوضع على الساحة الفلسطينية. ففي الوقت الذي يختار فيه نتنياهو التركيز على التحريض الفلسطيني، ويواصل توجيه أصابع الاتهام الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يؤكد الجيش جوانب اخرى للواقع في المناطق.
في الجيش يقللون من التطرق الى التحريض، ويشخصون في المقابل محفزات عالية لتصعيد العنف في المناطق، إذا لم يتم اتخاذ تدابير للتدخل من اجل تهدئة الأوضاع. كيف سيحدث هذا؟ الجيش يمنع من التطرق لكل ما يرتبط بالأفق السياسي للفلسطينيين، ولكنه يوصي بشكل علني بالحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع السلطة وخاصة استمرار التنسيق الأمني مع اجهزتها الأمنية. ويعتبر الجيش هذين التوجهين كابحان أساسيان لحدوث تدهور آخر في الأوضاع.
هذه الأمور، بالإضافة الى التوصية الواضحة بمواصلة تشغيل حوالي 120 الف عامل فلسطيني في إسرائيل والمستوطنات، قيلت بعد أقل من يوم على العملية التي اسفرت عن قتل شلوميت كريغمان في بيت حورون. فردا على العملية أمر رئيس الحكومة الجيش بتنفيذ امر سابق له بتطويق القرية الفلسطينية المجاورة للمستوطنة، بيت عور التحتا، ومنع خروج العمال منها يوم امس. ومع ذلك، يكرر الجيش تحذيره من أن سحب تصاريح العمل بشكل شامل من الفلسطينيين، سيؤدي الى دفع الكثيرين الى دائرة الارهاب.
هل وصلت الفجوة بين نتنياهو والقيادات المهنية الخاضعة له الى حد كبير؟ ليس بالضرورة، ولكن رئيس الحكومة يتواجد في وضع غير محتمل. فعلى الرغم من لهجته المتشددة، لا ينجح نتنياهو بتوفير الأمن المعقول للمدنيين الإسرائيليين (خاصة للمستوطنين في الضفة)، في ظل استمرار هجمات الطعن والدهس. الدورة الجديدة من العمليات، والتي شملت ثلاث عمليات تسلل الى مستوطنات، انتهت بقتل امرأتين وجرح امرأتين أخريين خلال اسبوع، تقوض المشاعر الأمنية بشكل اكبر. وفي هذه الظروف، يضطر نتنياهو الى التلويح بخطوات علنية، كفرض الطوق على القرية، لكنه عمليا، هذا رد محدود في قوته ورئيس الحكومة لا يقوم حاليا بتطبيق توجيهاته الى الجيش بالعمل المتشدد بشكل اكبر، بينما يتفق وزير الأمن موشيه يعلون، مع موقف الجيش بشأن الامتناع عن خطوات عقاب جماعي. اللهجة الخطابية شيء، والتطبيق شيء آخر.
في الوقت الذي يبرز فيه نتنياهو وبعض الوزراء التحريض في وسائل الاعلام الفلسطينية، يرسم الجيش صورة اكثر تعقيدا. رئيس الأركان غادي ايزنكوت، اعترف في الأسبوع الماضي، بأنه بعد اكثر من 100 عملية طعن، لم يتم تسجيل ولو حالة واحدة تلقت فيها قوات الأمن تحذيرا مسبقا حول نوايا المخربين. صورة المخرب في المواجهة الحالية، كما بلورها الجهاز الأمني، تبرز طابعا يختلف عن توجيهات رجال الاعلام المبسطة بعض الشيء. ولا يتوقف الأمر على كون الغالبية المطلقة من المخربين ليسوا اعضاء في تنظيمات ارهابية، وانما على كون السياق الايديولوجي لأعمالهم سطحي نسبيا (باستثناء الكراهية الأساسية لإسرائيل ومعارضة الاحتلال)، ومحفزات عملهم تتبلور، ضمن امور أخرى، في منتديات غير رسمية على شبكة الانترنت، ويبرز في الاسابيع الأخيرة ان المحرك المركزي لعملهم هو الرغبة بالانتقام لمقتل اقاربهم ومعارفهم، خلال محاولتهم او قيامهم بتنفيذ عمليات سابقة.
في مجالات أخرى، لا يحرص الجيش على رسم عملياته داخل الخطوط التي يمليها رجال الاعلام. لقد سبق وقال رئيس الأركان ان الاتفاق النووي مع ايران ينطوي على “تهديدات الى جانب فرص”. والان يقولون في القيادة العامة انه كان يمكن للوضع ان يكون افضل لو عالج الاتفاق ايضا، التآمر الاقليمي لإيران ومؤامراتها ضد إسرائيل، ولكن لا يمكن تجاهل انجازاته في مجال تفكيك البنى التحتية للتسلح النووي. وربما كانت التوقعات الإسرائيلية بشأن المكانة الاقتصادية التي ستمتلكها ايران بعد رفع العقوبات حازمة جدا. فانخفاض اسعار النفط في العالم سيقلص جزء من تأثير الغاء العزلة الدولية لإيران. ومنذ الآن، قامت ايران بإجراء تقليص كبير في المساعدات المالية لحزب الله، رغم انه يعاني من مشاكل اقتصادية ويجد صعوبة في تمويل قسم من نشاطاته الجارية، ناهيك عن الخسائر الكبيرة التي تكبدها في الحرب الأهلية السورية.
ولكن في المقياس نفسه، هناك اخبار (بل توقعات) سيئة. خطر مبادرة حزب الله الى حرب ضد إسرائيل بقي منخفضا، بفعل السببين الاعتياديين: انشغال التنظيم بشكل كبير في الحرب السورية، التي تمتص غالبية اهتماماته وموارده، وتخوفه من الضرر الذي ستسببه له جولة اخرى من الحرب مع الجيش الاسرائيلي. وفي المقابل، وبشكل استثنائي جدا، يقوم الجيش هذه السنة بتخفيض تقييماته الى مستوى “الاحتمال المتوسط” حول إمكانية أن تؤدي سلسلة من الحسابات الخاطئة إلى مواجهة بينه وبين حزب الله، حتى لو كان ذلك لا يخدم مصالح أي طرف.
في الفترة التي تنشغل فيها العناوين الرئيسية في الصحف والمواقع الالكترونية بمطالب وزيرة الثقافة بأداء الولاء وفي الخلافات حول فرض الرقابة التي يسعى اليها وزير المعارف، من المشجع ان نرى الجيش يواصل عرض مواقف مهنية، دون ان يتماشى مع توقعات الجهاز السياسي. الحاجة الى الحفاظ على استقلالية وجهات النظر المهنية للجهاز الأمني والجهات الأمنية عامة، هي درس ترسخ في اسرائيل بعد مرورها بتجارب قاسية في الماضي. السؤال هو اذا كان يمكن الحفاظ على هذه الاستقلالية لفترة طويلة حتى في الظروف الحالية.