بغض النظر عن التفاصيل و تفاصيل التفاصيل ، فإن انفجارا كبيرا حدث في إسرائيل ، و ربما يكون زلزالا بدرجة مرتفعة على سلم ريختر ، يجعل أقرب مقربيها يتردد او حتى يمتنع عن مد يد المساعدة لها ، لأنها دخلت مرحلة الموت السريري "hopless case" ، ما عبر عنه رئيس وزرائها الأسبق يائير لابيد ، رئيس حزب "ييش عتيد" و ترجمتها "يوجد مستقبل" من انه سيرحل عن هذه الدولة .
يعتقد البعض ان اقالة وزير الدفاع المقرب جدا من نتنياهو ، هو سبب الانفجار ، لكن هذه قراءة قاصرة و خاطئة ، لأن المظاهرات تخرج الى الشوارع للأسبوع الثاني عشر ، قرابة ثلاثة أشهر ، هي عمر هذه الحكومة بعد إعلانها عن "تغيير القضاء" ، و لكن هذه بدورها قراءة خاطئة ، لأن الانتخابات الأخيرة التي جاءت بالاحزاب الفاشستية المتطرفة ، كانت الخامسة خلال السنوات الخمس الماضية ، تقاسم لابيد رئاسة الأخيرة مع نفتالي بينيت اليميني المتطرف ، و تقاسم نتنياهو الحكومة التي سبقتها مع بني غانتس المحسوب اليوم على المعارضة . لكن المتتبع للخط التأريخي لهذا الانفجار / الزلزال ، يجب ان يعود الى صفقة القرن التي اعلنها دونالد ترامب قبل حوالي خمس سنوات ، التي منح فيها إسرائيل القدس بشقيها عاصمة لإسرائيل و معها هضبة الجولان السورية رجحة قبان ، أغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن ، حل وكالة الغوث واعتمد عدد اللاجئين الفلسطينيين 40 ألفا بدلا من ستة ملايين ، نقل سفارته من تل ابيب الى القدس ، اغلق قنصليته في الشيخ جراح ، و ضغط على الاخرين بالسير حذوه ، دشن صلح "ابراهام" مع اربع دول عربية خلال أيام ، ينضم اليها دول أخرى وازنة كالسعودية ولبنان والعراق واليمن و بقية دول الخليج . هنا أصيبت إسرائيل بالتخمة الفاشية ، وأعلنت انها دولة يهودية ديمقراطية ، و أخذتها العزة بالاثم ، و بدأت ترتكب جرائمها و مجازرها "بالجملة والمفرق"بحق شركائها في السلام ، لكنه السلام الجديد ، سلام صفقة القرن ، دولة فلسطينية في غزة و سيناء ، و ضم المستوطنات و مساحات شاسعة من الضفة الغربية في مناطق جيم . وقتها قلنا ان إسرائيل قد أصبحت كالحية البالعة ، انها لن تستطيع هضم كل هذا الذي ابتلعته ، ستصبح في الحد الأدنى غير قادرة على الحركة . قد يظن البعض ان إسرائيل قادرة على لملمة أثار الانفجار ، و قد لا يطيح بها الى مزبلة التاريخ ، و قد و قد و قد ، لكن كما في كل الاحداث الكبار والجسام ، هناك دائما "مرة أولى" ، و ها هي هذه المرة الأولى و الخطوة الأولى نحو المزبلة ، قد حدثت ، ليس لكونها يهودية او حتى توراتية ، بل لأنها دولة احتلال لشعب آخر ، انكر وجوده قبل أيام من عاصمة النور باريس ، احد أركانها ، اركان الحكومة العنصرية .
إن ما نشهده اليوم ، و ما نسمعه من تصريحات على ألسنة قادتها و رموزها و مفاصلها ، تتفوق على الوصف الذي أسبغه عليها حسن نصر الله قبل عشرين سنة "اوهن من بيت العنكبوت" ، لكن قبل حوالي الف و مئتي سنة قال شاعر عربي : دع عنك لومي فإن اللوم اغراء * وداوني بالتي كانت هي الداء / وقل لمن يدعي في العلم فلسفة * حفظت شيئا وغابت عنك أشياء.