في الأسبوع الماضي، عشية سفر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى لندن رن الهاتف في ضيعة أرنون ملتشن الضخمة في إقليم ساسكيس، وكان على الطرف الثاني من الخط نائبة المدعي العام للدولة، ليئات بن آري، وكان لديها طلب: لا تلتقِ مع نتنياهو.
توجد لملتشن الثري جداً شقة في محيط فندق "سافوي" الفاخر، الذي نزل فيه في نهاية الأسبوع الماضي رئيس الحكومة وزوجته. في النيابة العامة خافوا من أن الشاهد الرئيسي القادم في محاكمة ملفات الآلاف، إذا استمرت كالعادة، سيلتقي مع المتهم رقم واحد أثناء الزيارة.
كان التحذير مبالغا فيه. لم يقم ملتشن بزيارة الشقة قرب "سافوي" في السنتين الأخيرتين. وفي الأصل هو لا ينوي الالتقاء مع الشخص الذي أغدق عليه طوال سنين الهدايا بمبالغ ضخمة. يعرف رجل الأعمال جيدا موقف رئيس الوزراء الساخر من الآخرين، ويدرك أنه لن يخرج أي خير من علاقته معه. كلفت هذه العلاقة ملتشن أن يدفع ثمنها محاميه بوعز بن تسور.
في شهادته في الملف 1000 توقف المخرج الهوليوودي عند الأساس النفسي الذي يوفر المفتاح لفهم السلوك الغريب لنتنياهو في الفترة الأخيرة. "هو يعتقد أنه يدافع عن الكيان اليهودي من جوليات"، قال لمحققي الشرطة. "افتراض نتنياهو... بعد ما حدث في الكارثة، وأنا هنا استخدم أقواله، نقف أمام كارثة الآن (قنبلة نووية)... إذا سقطتُ فإن شعب إسرائيل سيسقط. لا يوجد أي شخص يمكنه الوقوف أمام الأميركيين وأمام الروس".
الشعور بأنه يحمل رسالة مسيحانية تغذيه منذ سنوات مجموعة من المتملقين الذين أحاطوا برئيس الحكومة، لا سيما أبناء عائلته النووية. "الأقوى في العالم"، قالت عنه زوجته في شهادتها في الملف 4000. "الحارس والمدافع عن إسرائيل... معجبون به في كل أرجاء العالم، زعماء وحتى جمهور كبير. عندما يمشي في الشارع في نيويورك يصفقون له. حتى في الشارع في أستراليا وقفوا وصفقوا له... هو ببساطة زعيم يحظى بالإعجاب... هو يفعل أموراً كبيرة لشعب إسرائيل".
نجله يائير قال في شهادته في الملف 1000: "أبي له وزن في بقاء الشعب اليهودي في أرض إسرائيل. استمرارية الشعب ملقاة على كاهله".
ثمة أقوال مشابهة بصيغ مختلفة قالها نتنياهو لمن يريدون مصلحته، في الجهاز السياسي وخارجه، ممن حاولوا طوال أسابيع إقناعه بوقف الانقلاب النظامي حتى بثمن استقالة ياريف لفين.
من ناحيته، هكذا فهموا، وزير العدل هو اللبنة التي سيؤدي سقوطها إلى سقوط كل الحكومة.
وإذا سقط فالدولة أيضا ستنهار. هذا هو الواقع الذي يعيش فيه، حتى في الوقت الذي تنهار الدولة فيه بسببه.
ذات يوم قبل فترة طويلة حث ملتشن على إقالة يده اليمنى، هداس كلاين، لأنها رفضت أن تعطيه تفاصيل سرية عن الوضع النفسي للملياردير جيمس باكر. "بيبي قال لأرنون: افعل بها مع فعلته لإسرائيل كاتس – إنذار مدته 30 ثانية، وإلا فعليها الذهاب إلى البيت"، شهدت كلاين. في العام 2016 هدد نتنياهو بإقالة وزير المواصلات، الذي اتهمه بالأزمة بينه وبين الأحزاب الدينية بشأن أعمال القطار في أيام السبت.
في السنوات الجيدة له فإن نتنياهو، الذي أجرى رحلات مكوكية بين ترامب وبوتين وقاد إلى اتفاقات إبراهيم، كان يمكن أن نجد علاقة واهية بين صورته الذاتية وبين الواقع. الآن في الوقت الذي يصمم فيه أنه من الحيوي أن يبقى في منصبه، هو يظهر كالمسيح الدجال على صيغة شبتاي تسفي.
الأشخاص الذين يعرفونه منذ سنوات تفاجؤوا، مؤخراً، بضعفه وبرفضه الاستماع إلى التحذيرات من كارثة تقترب ومن استسلامه للخوف. فقد أوضح، مرة تلو الأخرى، أن يده تمسك بالمقود، لكن من تحدثوا معه عن جهاز القضاء تولد لديهم الانطباع بأنه يكرر شعارات مثل "أسير في فيتنام"، حسب قول أحدهم.
يبدو أنه وجد صعوبة في الاعتراف، أمام نفسه أيضا، بأنه لا يقود بل هو مَقُود وخاضع لأوهام لفين وإيتمار بن غفير ونتنياهو الابن.
في المفاوضات الائتلافية قال نتنياهو لرجاله إنه لن يسمح "للجنون" بأن يندلع.
كان على قناعة بأنه يستطيع الركوب على ظهر النمر، وأن يروض بن غفير وسموتريتش، وأنه من اللحظة التي سيتعودون فيها على الكراسي في مكاتبهم سيجدون صعوبة في التنازل عن ملذات الحكم. كانت خطته تشكيل إرثه بمساعدة اتفاق سلام مع السعودية، وبعد ذلك الاستقالة كمنتصر في ظل صفقة مخففة.
انهارت هذه الخطة. أيضا بنتسور، الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى أحد مقربي نتنياهو، ـ وضح في السابق أنه لن يبقى إلى جانبه إذا لم يتم وقف الانقلاب. "ليس فقط أن الانقلاب المفترس يعارض موقف بنتسور"، قال للصحيفة رجل قانون يعرفه جيدا، "هو أيضا كان على قناعة بأن الهجوم العنيف على جهاز القضاء يضر بمصلحته، وأن الطريقة الصحيحة هي تحقيق إنجازات في قاعة المحكمة. حتى لو واصل تمثيل رئيس الحكومة فمن المشكوك فيه إذا كانت العلاقة بينهما ستعود إلى حالها. أول من أمس انقضّت عليه كلاب صيد المتهم التي حملته في السابق على الأكتاف.
أول من أمس أعلن نتنياهو عن تعليق التشريع، لكن فقط "لفترة زمنية". المتطرفون، الذين يقفون وراء الانقلاب، في الائتلاف وفي "الليكود"، لا ينوون تحريره من قبضتهم. هذه هي الطبعة الأخطر له. فمن تعود على الحكم وفقده يجد صعوبة في التسليم بالوضع المحبط الجديد، يمكن أن يقوم بخطوات متطرفة في محاولة للإثبات أنه ما زال يركب الحصان.
المثال الأخير هو إقالة وزير الدفاع، يوآف غالانت، في اندفاعة ديكتاتورية. إذا لم يرجع نتنياهو إلى رشده، بشكل مفاجئ، فربما تكون الخطوات التالية مدمرة أكثر.
عن "هآرتس"