رئيس لجنة اللاجئين في المجلس الوطني الفلسطيني
يحيي الشعب الفلسطيني في مختلف مناطق تواجده الذكرى 47 ليوم الارض الخالد هذا اليوم الذي جاء بعد ان اشتدت هجمة المؤسسة الصهيونية على الاراضي الفلسطينية في الجليل منذ مطلع العام 1975، حيث قامت حكومة حزب العمل برئاسة رابين - ومعه شمعون بيرس الذي كان في منصب وزير الأمن، بالإعلان عن خطة لإقامة عدة مدن يهودية في المنطقة على أرض بملكية المواطنين العرب في سياق مخطط مبيت لتهويد الجليل، ولهذا الغرض شنت حملة مصادرة مكثفة في الجليل لتنفيذ المخطط، اضافة لمصادرة الأراضي في المثلث والنقب.
وقد استشعرت الجماهير العربية في شهر ايار 1975 بخطورة هذا المخطط وبدأت تحشد للتحرك ضد المصادرة وبدأ العديد من النشطاء السياسيين وفي طليعتهم الشيوعيين القيام بحملات تعبئة للجماهير وتوضيح مخاطر هذا المخطط الذي يقتلع الناس من ارضها.
وفي تموز من العام نفسه بادر الحزب الشيوعي بعقد اجتماع ضد مصادرة الأرض في نادي الأخوة – حيفا، وبمشاركة قيادة الحزب وعدد من الشخصيات الوطنية وشكلت في حينه لجنة تحضيرية لتدعو الى عقد اجتماع موسع فيما بعد لتوسيع دائرة التصدي للمصادرة. وفي سياق المثابرة على مواجهة هذا المخطط عقد في الخامس عشر من آب للعام 1975 في فندق جراند نيو –الناصرة اجتماعا حضره أكثر من 120 شخصا بينهم أيضا أصحاب الأراضي المصادرة، واتفق الحضور لتنظيم تحركهم على تشكيل لجنة تحضيرية من 40 شخصية لتشكل النواة لتأسيس "لجنة الدفاع عن الأراضي العربية"، وقد تم اختيار القس شحادة شحادة ومعه مركزا لعمل اللجنة القائد الشيوعي صليبا خميس والمحامي حنا نقارة.
وتلاحقت الدعوات بشكل منظم من اللجنة التي دعت لعقد اجتماع شعبي موسع في الناصرة بحضور عشرات الالاف وعدد من أعضاء ورؤساء السلطات المحلية، وفي هذا الاجتماع الذي ترأسه المرحوم الدكتور أنيس كردوش جرى انتخاب الهيئة العامة للجنة الدفاع عن الأراضي، حيث انتخبت القس شحادة شحادة رئيسا والشيوعي الصلب صليبا خميس سكرتيرا لها، وقد تولت سكرتاريا اللجنة عملية الاتصالات ووضع خطة للخطوات التصعيدية على الساحة بين الجماهير وفي الكنيست والصحافة ومع الأحزاب ومختلف المحافل ضد مصادرة الأراضي. هذا التحرك المنظم أزعج سلطات الاحتلال التي رفضت التجاوب مع المطالب المشروعة لأصحاب الارض ابناء الشعب الفلسطيني وقامت بإجراءات تصعيدية بإصدار سلسلة من الاوامر بمصادرة نحو 3000 دونم من أراضي كفر قاسم التي ارتكبت فيها المجزرة الدامية من عام 1956.
كما اصدرت حكومة الاحتلال في شباط من عام 1976 قراراً بإعلان منطقة واسعة في سهل البطوف منطقة عسكرية ويمنع السكان العرب من دخولها. ورداً على هذا القرار المجحف شهدت مدينة سخنين التئام اجتماع شعبي يحضره الألوف مطالبين بوقف هذه الاجراءات بحق اصحاب الاراضي، وفي مواجهة التحركات الجماهيرية المتنامية بشكل منظم اتخذت الحكومة الاسرائيلية برئاسة اسحاق رابين قرارا جديدا بمصادرة 20000 دونم من أراضي الجليل في اطار ما تسميه خطة "تطوير الجليل، وفي الاول من اذار اصدرت حكومة الاحتلال من خلال متصرف لواء الشمال يسرائيل كنج وثيقته المشؤومة لتهويد الجليل لخنق السكان العرب في الجليل وتكثيف الاستيطان اليهودي هناك، وامام ذلك لم يبق امام لجنة الدفاع عن الأراضي الا الرد على هذا العدوان بالدعوة لعقد اجتماع في الناصرة حضره 70 مندوبا من مختلف البلدات العربية والشخصيات الوطنية (ممثلو سلطات محلية ولجان دفاع محلية) وفيه تقرر اعلان الاضراب العام والشامل للجماهير العربية في البلاد والتظاهر أمام الكنيست احتجاجا على المصادرة وتحدد يوم 30 آذار 1976 موعدا لذلك، وتحويل هذا اليوم الى "يوم الأرض" .
ولمحاولة افشال هذه التحركات قامت حكومة رابين بتعزيز وجود الشرطة وقوات الأمن في البلدات العربية وأطلقت التهديدات ضد الناشطين في محاولة لإفشال الاضراب وتجند كل الوزارات والصحافة والاعلام لإجهاض الدعوة وكسر الاضراب، وقد استخدمت حكومة الاحتلال كل الوسائل حيث التقى في 25-3/1976 حاكم لواء الشمال يسرائيل كنج ببعض رؤساء السلطات المحلية العربية في مبنى بلدية شفا عمرو بهدف الغاء الاضراب الموعود. وتخلل الاجتماع مشادات وأجواء مشحونة في حينه وصوت أغلبية الرؤساء مع قرار الغاء الاضراب، مما دفع بالقائد الشيوعي توفيق زياد الى الصعود فوق الطاولة متحديا لهم قائلا مقولته الشهيرة " أنتم ضد الاضراب والشعب قرر الاضراب وانا والشعب مع الاضراب" ليحمل على الأكتاف ومعه بعض من الرؤساء الشرفاء في ساحة بلدية شفا عمرو متحدين قوات الشرطة المدججة وقد نجحوا في احباط المحاولة البائسة لكسر الاضراب، وسجل هذا الموقف الشجاع مع الاضراب ويحفظ التاريخ للذين صوتوا ضد الالغاء 11 رئيس بلدية وهم: توفيق زياد (الناصرة)، محمد محاميد (أم الفحم)، أسعد كنانة (يافة الناصرة)، جمال طربيه (سخنين)، محمود كناعنة (عرابة)، حنا مويس (الرامة)، حسن خطبا (الرينة)، أمين عساقلة (المغار)، محمد زيدان (كفر مندا)، د. أحمد مصالحة (دبورية) ويونس نصار (طرعان) لهم كل التحية والمجد .
وفي 29-3-1976عشية يوم الأرض اندلعت المواجهات بين المواطنين العرب وقوات الأمن الاسرائيلية في دير حنا وعرابة البطوف، وفي عرابة طالب المتظاهرون باطلاق سراح الرفيق الشيوعي فضل نعامنة، ووجه المتظاهرون ببطش قوات الأمن، لتشتد المواجهات وتنتقل مثل النار في الهشيم الى سخنين المجاورة.
وفي في فجر 30-3-1976 يوم الاضراب اقتحمت الشرطة وقوات الأمن القرى والمدن العربية وقامت بحملة اعتقالات واسعة النطاق (من بينها سخنين، عرابة، دير حنا، الناصرة، طمرة، الطيبة، باقة الغربية، الطيرة، نحف، المغار، دالية الكرمل، كفر قاسم، كفرقرع، قلنسوة، جلجولية، ومدينتا حيفا وعكا).
لكن بالرغم من هذه الإجراءات القمعية، فإن الإضراب كان شاملاً في غالبية القرى والمدن العربية. وفي قرى سخنين وعرّابة ودير حنّا وقعت أعنف المواجهات حيث بلغت حصيلة مواجهات "يوم الأرض" أربعة شهداء وهم: (رجا أبو ريّا، وخضر خلايلة، وخديجة شواهنة من سخنين، وخير ياسين من عرّابة)، فضلاً عن سقوط الشهيدين محسن طه (كفر كنّا) ورأفت زهيري (من مخيم نور الشمس للاجئين الذي سقط في المواجهات في الطيبة). وجُرح خلال المواجهات قرابة 50 مواطنا عربيا، وزاد عدد المعتقلين على 300 معتقل ليسطروا جميعا ملحمة أسطورية ومفصلية في تاريخ جماهيرنا العربية في البلاد، وأكثر من ذلك ليصبح يوم الأرض يوما وطنيا مشهودا لعموم أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده على أرض الوطن وفي الشتات.
هكذا فقد اصبح الثلاثين من آذار الذي تم الوصول له بتحضيرات واسعة استمرت طوال اكثر من عام وتحول الى يوم وطني معمداً بالدم والتضحيات يحيه شعبنا الفلسطيني في كل مكان وتتجدد فيه العزيمة وتشمخ فيه الهامات وترتفع فيه رايات الكفاح الوطني في مختلف أماكن تواجد شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات وفي المخيمات على وجه الخصوص، حيث تسود مظاهر أحياء هذا اليوم الخالد كافة مخيمات الوطن والشتات لتعبر بكل وضوح عن عمق الشوق والحنين للأرض المسلوبة، لجبالها وسهولها لوديانها وبياراتها لخبز الطابون واشجار اللوز والزيتون إلى الصبار الذي يؤكد إنا هنا باقون.
اليوم ونحن نحيي الذكرى 47 ليوم الارض ومع اختلاف الظروف واتساع مساحات الزمن، ما زال شعبنا الفلسطيني يواجه ايضا استمرار محاولات فرض مخطط مؤامرة الاقتلاع من ارضه عبر سلسلة من الانظمة والقوانين التي تفرضها حكومات الاحتلال المتعاقبة وقد تصاعدت هذه الهجمة في الاونة الاخيرة مع وصول الفاشية للحكم وتبنيها خطة سموترتيش المسماة "خطة الحسم" التي تقتضي اما قتل الشعب الفلسطيني او تهجيره او حبسه في معازل وكانتونات. هذه السياسية الفاشية قامت عليها دولة الاحتلال ومثلت جمهور الحركة الصهيونية، نراها الان تنبعث من جديد في ظل حكومة نتنياهو التي تستهدف بصورة مباشرة ليس فقط تصفية حقوق شعبنا الفلسطيني، بل وانكار وجوده وحقه في ارضه وتقود إلى زجه في اتون نكبة جديدة بعد مضي ٧٥ عاما على النكبة التي المت به.
إن طبيعة الهجمة وحدتها تتطلب استلهام دورس وعبر يوم الارض الخالد وما شهده من تحضيرات واستعدادات واسعة اجلت فيها وحدة الشعب الفلسطيني والتحامه مع قيادته التي استشعرت الخطر وانخرطت مع الشعب لمواجهته فنجحت في اسقاط مشاريع التهويد آنذاك وبقي اصحاب الارض صامتون فوق ارضهم وغدو شوكا في حلق الاحتلال يرددون " إنا هنا باقون في اللد والرملة والجليل "، الامر الذي يتطلب توحيد كل الجهود لتعزيز صمود شعبنا والعمل بجد ومثابره لإنهاء الانقسام وتحقيق وحدته الوطنية والحفاظ على كيانه السياسي وتمثيله الموحد منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في الوطن والشتات .
نتانياهو قرر الحرب مع ايران ومحاولة اغتيال المرشد خامنئي
21 أكتوبر 2024