أميركا وإسرائيل.. علاقة حب من طرفين

هاني-عوكل-1616160535-1654239606-1656140761.webp
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

واهمٌ من يعتقد أن العلاقات الأميركية- الإسرائيلية ستتأثر سلباً بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي جو بايدن التي دعا فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التراجع عن إقرار قانون التعديلات القضائية الذي جمّد مؤقتاً.
بايدن في تصريحاته لنتنياهو وحكومته على خلفية الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد إنفاذ القانون، قال إن على الحكومة التراجع عن هذا المسار، غير أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ردّ فوراً على بايدين وقال إن بلاده دولة ذات سيادة ولا تتخذ القرارات بناء على ضغوط من الخارج.
على الرغم من عديد المواقف والهزات التي تعرضت لها العلاقات الأميركية- الإسرائيلية وتحديداً أيام الرئيس السابق باراك أوباما والموقف الإسرائيلي الرافض بخصوص الاتفاق النووي مع إيران، إلا أن واشنطن ظلت الحليف الأهم والأبرز لتل أبيب، والعلاقات بين البلدين أحلى من «السمن على العسل».
يفّسر نتنياهو هذا الخلاف بالعرضي، ويعتبر أن التحالف الاستراتيجي بين بلاده وواشنطن راسخ وضارب في الجذور ولن يتزعزع، وفي حقيقة الأمر هو يعطي أهمية لعدم تصعيد الخلاف مع الرئيس بايدن، لكن الأهم بالنسبة له الانتباه للشأن الداخلي ووقف حركات الاحتجاج بشأن التعديلات القضائية.
هذا يعني أنه حينما أرجأ البت في التعديلات القضائية، فقد جاء قراره نتيجة تصاعد الضغوط الشعبية في إسرائيل، ومع ذلك مارس نتنياهو كالعادة الحيل التكتيكية لمحاولة رأب الصدع الداخلي والحفاظ على الائتلاف الحكومي.
نتيجة هذا الإرجاء رضخ بنيامين إلى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي هدّد بالانسحاب من الحكومة، ووافق على طلبه بشأن إنشاء حرس وطني، مقابل موافقة بن غفير على تجميد قانون التعديلات القضائية، خصوصاً وأن «رقبة» نتنياهو في يده.
بن غفير الذي يعتبر شخصية جدلية بالنسبة للحكومة الأميركية التي رجحت عدم التعامل معه في حال توليه منصباً وزارياً، هذا الرجل اقتحم باحات الأقصى أكثر من مرة، ولم تجد الإدارة الأميركية أكثر من وصف خطواته تلك بغير المقبولة. وكذلك فعلت مع وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي أنكر وجود الشعب الفلسطيني ودعا إلى محو بلدة حوارة، وقالت إن تصريحاته مقلقة وخطيرة للغاية ويجب على نتنياهو التنصل منه علناً.
وأكثر خطوة تصعيدية لجأت إليها الإدارة الأميركية هي استدعاء السفير الإسرائيلي لديها مايك هيرتسوغ بعد إلغاء الكنيست بنوداً في قانون فك الارتباط عام 2005، الذي من شأنه فتح الباب أمام عودة بناء المستوطنات في شمال الضفة الغربية التي سبق وأن فككت الحكومة أيام شارون أربعة منها.
قد تكون الحكومة الأميركية غير راضية عن تصريحات وتصرفات بعض السياسيين الإسرائيليين، لكن العلاقات بين البلدين متينة للغاية، والرئيس بايدن حينما انتقد نتنياهو لم يفعل ذلك بسبب عداوات شخصية، أو تدخلاً في الشؤون الداخلية العبرية، وإنما لأن قلبه مع الديمقراطية الإسرائيلية ويريد لها أن تظل بخير.
بايدن الذي زار إسرائيل لأول مرة عام 1973، افتخر بمعرفته جميع رؤساء الوزراء الإسرائيليين منذ قيام الدولة العبرية حتى هذه اللحظة، وحينما حطّت طائرته مطار اللد منتصف تموز 2022، وصفها بأنها الزيارة العاشرة لإسرائيل الحليفة والصديقة.
في ذلك اليوم قال الرئيس الأميركي إنه صهيوني ويتبنى الفكر الصهيوني، وظل ينادي بتفوق إسرائيل في المجالات العسكرية والأمنية وضمان حمايتها وحصولها على أفضل الأسلحة المتطورة، وراح يتغزل بتجذّر العلاقات الإستراتيجية بين البلدين جيلاً بعد جيل.
بالنسبة للتعليقات بشأن عدم استقبال بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي في المستقبل القريب، كل ذلك ليس سوى حديث فارغ   في عالم السياسة، وستأتي الفرصة ونسمع عن لقاء مهم يجمعهما وسخاء أميركي في تقديم النصائح الأمنية والمساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل.
كذلك واهم كل من يتحدث عن انعطافة أو تحول في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، لأنها ثابتة واللوبي الصهيوني يعمل يوماً بعد يوم على تنميتها واستدامتها، وكل ما يُشاع عن بداية خلاف أميركي مع الدولة العبرية هو مجرد «زوبعة في فنجان».
يعرف نتنياهو تماماً كيف ومتى يرد على رئيس أقوى دولة في العالم، وحين يفعل ذلك يدرك المساحة التي يمكنه التحرك فيها ويعلم أنه لم يتجاوز الخطوط الحمراء بعد، ولا يستبعد أن تكون هذه المشاحنات فقرات استعراضية موجهة للإعلام.
لأن الولايات المتحدة تحب إسرائيل التي تحمي مصالحها في المنطقة، تنتقدها بموضوعية بعيداً عن الإساءة لها، وما جرى من عتاب لا يبتعد عن سياسة «الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية». ويبقى الدعم الأميركي لتل أبيب بلا حدود والتاريخ يشهد على ذلك.