هارتس : بايدن يُضيف نتنياهو إلى "نادي المنبوذين" في الشرق الأوسط

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل



بوب ميننديز، رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، يمكن تسميته الصديق الكبير لإسرائيل. في تشرين الأول الماضي، حتى قبل تشكيل الحكومة، حذّر بنيامين نتنياهو من أن تعيين ايتمار بن غفير في منصب وزير يمكن أن يضر بعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة. تم حفظ هذا التحذير وأرشفته، وبدأت العلاقات، كما تنبأ السناتور، تتدهور نحو الهاوية.
في كانون الثاني، بعد أن أبلغ جو بايدن الكونغرس بأنه ينوي المصادقة على بيع 80 طائرة من نوع اف16 لتركيا، وقف ميننديز بشدة ضد الصفقة، وتعهد بعدم المصادقة عليها إلى أن "يكف رجب اردوغان عن تهديده، ويحسّن وضع حقوق الإنسان في تركيا... ويبدأ بالتصرف كحليف مخلص". رد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، على هذه الأقوال بغضب: "يجب على الولايات المتحدة أن لا تفشل صفقة مهمة جداً بين حليفتين فقط بسبب أن شخصاً أو بضعة أشخاص يمنعونها". في الأسبوع الماضي غرد المتحدث باسم الرئيس التركي، فخر الدين آلتون:"من المحزن رؤية أعضاء كونغرس وجهات في الإدارة الأميركية ينشرون مواقف أحادية الجانب بخصوص سياسة تركيا. وتحولت الأوصاف المشوهة تجاه حكومته للأسف الشديد الى الجزء الأساس للاستجواب في الكونغرس". من المهم القول بأن انتقاداً مشابهاً يسمعه نتنياهو وأصدقاؤه ضد المنتقدين في الولايات المتحدة، الذين لا يعرفون أو يشوهون "الحقيقة" عن الانقلاب النظامي الذي يريدون إحداثه.
لم يقارن مننديز وأعضاء آخرون في الكونغرس، حتى الآن، علناً بين نتنياهو وأردوغان، ولكن تصميم بايدن الظاهر والفظ عندما رفض دعوة نتنياهو للبيت الأبيض، دليل لا يحتاج الى شرح. انضم نتنياهو بشكل رسمي الى ائتلاف القادة المنبوذين في الشرق الأوسط، الذي يشمل في عضويته، من بين آخرين، الرئيس التركي وولي عهد السعودية محمد بن سلمان. أظهر بايدن تجاههم جميعاً البرود بشكل خاص. فقد مرت أشهر كثيرة بين أداء الرئيس بايدن اليمين حتى محادثته مع أردوغان. وتأخرت مصافحة ابن سلمان نحو سنة ونصف، والآن سنرى كم من الوقت سيمر الى حين دعوة عائلة نتنياهو للهبوط في واشنطن.
بصورة تقليدية طرحت الدول الثلاث نفسها ذخراً استراتيجياً للولايات المتحدة. هكذا، طوال سنين اعتبرتها واشنطن كذلك ايضاً. السعودية، الحليفة الأقدم، قامت بتحسين شبكة علاقاتها بصفقات ضخمة بعشرات مليارات الدولارات. وقد أيدت ودعمت معظم أسس سياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وشاركت بشكل نشط في حربين ضد العراق، وحتى عمليات الحادي عشر من أيلول، التي كان معظم المشاركين فيها من السعوديين، هزت فقط بشكل ضئيل علاقة الدولتين. تعززت العلاقة بين الدولتين بشكل خاص في فترة ولاية بوش الأب والابن حول القاسم المشترك، وهو التحالف ضد ايران. بالتحديد قتل الصحافي جمال الخاشقجي، التي هي غير مرتبطة باستراتيجية أو حرب أو نفط أو تجارة خيول اقليمية، هو الذي أحدث الهزة الارضية التي جعلت بايدن يقرر "إعادة المعايرة" في علاقة أميركا مع السعودية. المعايرة حتى الآن لم تنته. صادقت واشنطن في الحقيقة قبل سنة على بيع سلاح للسعودية بمبلغ 3 مليارات دولار، ولكن ابن سلمان، مثل نتنياهو، لم يتم استدعاؤه حتى الآن الى البيت الأبيض.
بدأ الشرخ بين اردوغان والادارة الأميركية في ولاية ترامب على خلفية شراء منظومة روسية مضادة للطائرات من نوع اس400، مع تصادم قوي مع رؤساء "الناتو"، الذي تركيا عضو فيه، خلافاً لموقف الرئيس ترامب. تعرضت تركيا لفرض العقوبات بسبب الصفقة، وتم إبعادها عن خطة تطوير طائرات اف35، لكن الضربة القاضية تلقتها بالتحديد بسبب اعتقال القس الأميركي برونسن الذي اتهم بالتآمر مع شبكة الداعية فتح الله غولن، الذي يتهمه اردوغان بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تموز 2016. تعتبر العقوبات الاقتصادية التي فرضتها ترامب في حينه نقطة الانطلاق للازمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا حتى الآن.
وصف بايدن اردوغان بـ"حاكم ديكتاتوري" حتى في حملته الانتخابية، وقال في مقابلة مع "نيويورك تايمز" بأنه "يجب على اردوغان دفع الثمن (عن سياسته)". حتى أن بايدن ذهب بعيداً في هذه المقابلة عندما أوضح بأنه "في الولايات المتحدة يمكن أن يؤيدوا جهات قيادية تركية ودعمهم كي يتمكنوا من هزيمة اردوغان، وليس عبر انقلاب". يذكر رد تركيا على هذه الاقوال بالاقوال الغبية التي سمعت، هذا الاسبوع، في الكنيست. قال مستشار اردوغان، ابراهيم قالين، في حينه بأن "الطريقة التي يحلل بها بايدن تركيا مشوبة بالنفاق والجهل والغطرسة. انقضت الايام التي كان يمكن فيها إعطاء الأوامر لتركيا"، قال. "ولكن اذا اعتقدتم بأنكم تستطيعون فنحن ندعوكم لتجربة ذلك. أنتم ستدفعون الثمن".
"إسرائيل دولة ذات سيادة. وهي تتخذ قراراتها حسب رغبة الشعب، وليس على اساس ضغوط من الخارج، بما في ذلك الاصدقاء"، قال نتنياهو رداً على توبيخ بايدن. وأضاف بن غفير من ناحيته: "يجب الفهم بأن إسرائيل لم تعد نجمة في علم الولايات المتحدة". اذا كان يبدو لنتنياهو أنه يمكنه تبني اسلوب اردوغان وابن سلمان، وأن يزيل عن كتفه التحذيرات والتوبيخ وكأنها قطع من الثلج الذي نزل على معطفة، فهو مخطئ. من الجدير النظر الى الخارطة الاستراتيجية الاقليمية الجديدة كي يفهم بأنه خلافاً لاصدقائه في النادي هو لا يستطيع أن يأمل في أن تستيقظ أميركا وتفهم اهمية العلاقات مع إسرائيل.
الفرق بين إسرائيل والسعودية ليس فقط في كمية الاموال الموجودة في الخزينة لديها أو في نفطها. السعودية ليست لها أي مشكلة في شراء السلاح من روسيا أو الصين واقامة مفاعلات نووية لا تخضع لسيطرة أميركا، وبالأساس ادارة سياسة شرق اوسطية مستقلة دون الحصول على الاذن من الولايات المتحدة. مؤخراً قامت بانقلاب استراتيجي صادم عندما أعلنت نيتها استئناف العلاقات الدبلوماسية مع ايران، وبذلك حطمت التحالف العربي المناهض لإيران، الذي اعتمدت إسرائيل عليه. الأكثر اهمية هو أن هذه الخطوة، التي تغير قواعد اللعب، تمت بوساطة الصين وليس بوساطة أميركية. يوجد لدى السعودية الحل لأزمة لبنان ايضا والحرب في اليمن وانهيار الاقتصاد في مصر.
تركيا عضو في "الناتو"، ولها علاقتها الجيدة مع دول عربية مثل الامارات والسعودية والبحرين، وفي القريب مصر، والتعاون الوثيق مع روسيا، ولها علاقاتها مع ايران في موازاة علاقتها مع إسرائيل، ما تعطيها مكانة استراتيجية قوية، وهامشاً واسعاً لتطبيق سياسة مستقلة حتى عندما تكون متناقضة مع سياسة الولايات المتحدة. قدرتها على وقف توسع "الناتو" من خلال فرض الفيتو على ضم السويد وفنلندا (الذي صادقت عليه مؤخراً) تضع وزناً ثقيلاً فوق صراع بايدن ضد روسيا. لا توجد ضد تركيا دعاوى في المحكمة الدولية بسبب احتلال مناطق في سورية، وهي تعمل في المناطق الشمالية لسورية كما تعمل في اراضيها بدعم من روسيا، رغم صك اسنان أميركا.
إسرائيل لا توجد لها مثل هذه المكانة. هي توجد على مسار التصادم مع واشنطن حول القضية الإيرانية. وهي لا يمكنها تهديد "الناتو"، وهي تعتمد على نوايا روسيا الحسنة كي تستطيع مواصلة هجماتها في سورية، ولا يوجد لها موارد مالية مثلما للسعودية تستطيع بها شراء النفوذ السياسي. والآن تفكك الذخر الأكثر أهمية، الذي قاد الى هذه العلاقات. يدور الحديث عن أسس بنيت عليها هذه العلاقة: كونها دولة ديمقراطية تتشارك القيم مع الولايات المتحدة، وقدرتها على أن تحصل من الإدارة الأميركية على تسهيلات لصالح دول، وزعماء، تريد إقامة علاقات معها أو تريد أن تدير معها نضالات مشتركة.
ما كان صحيحاً عشية التوقيع على اتفاقات إبراهيم في الطريق للتحطم. لو أن هذه الاتفاقات تقف الآن على جدول الأعمال فمن المشكوك فيه أن إسرائيل سيمكنها ضمان مساعدة أميركا للسودان وشطبها من قائمة الدول المصنفة على أنها تدعم الإرهاب، أو اعتراف المغرب بسيادته على الصحراء الغربية مقابل اتفاق مع إسرائيل، أو تمتعت بصفة الوسيط المخلص في صفقة طائرات اف35 مقابل اتفاق سلام مع أبو ظبي (التي فشلت في نهاية المطاف). بشكل أساسي من غير الواضح اذا كانت إسرائيل ستنجح الآن في تجنيد الولايات المتحدة لتهديد عسكري كبير ضد إيران لكبح مشروعها النووي.
في هذا الشأن يجدر الانتباه الى المناوشات الأخيرة التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد "قوة القدس" التابعة لحرس الثورة في سورية. في ليل يوم الخميس هاجمت الولايات المتحدة قواعد لقوة القدس ومليشيات تؤيد إيران في دير الزور قرب ميادين وبو كمال التي توجد على الحدود مع العراق. في الهجوم قتل 19 شخصاً، 11 من بينهم من رجال المليشيات و3 جنود سوريين و5 جنود غير سوريين. الهجوم جاء رداً على هجوم طائرة مسيّرة على قاعدة أميركية قُتل فيه مقاول أميركي وأصيب خمسة جنود أميركيين. في يوم الجمعة تم إطلاق 10 صواريخ على القاعدة الأميركية في "القرية الخضراء" في الإقليم الكردي قرب مدينة الحسكة كرد على الهجوم الأميركي. هذه في الحقيقة ليست المناوشات الاولى بين القوات الأميركية والقوات المؤيدة لايران في سورية. في شهر آب الماضي قصفت القوات الأميركية قواعد لقوة القدس في جنوب شرقي سورية رداً على مهاجمة طائرات مسيّرة للقاعدة الأميركية في تنف، ومهاجمة طائرات مسيرة أخرى لهذه القاعدة كان أيضاً في شهر كانون الثاني. ولكن في هذه المرة الهجوم على القاعدة الأميركية كان بعد أسبوع على الهجوم الإسرائيلي في سورية ضد أهداف تؤيد إيران.
يوم الثلاثاء الماضي في شهادته أمام أعضاء لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، قال رئيس القوات الأميركية المشتركة، مارك ميلي، بأنه يجب على القوات الأميركية أن تهاجم الوحدات التي تؤيد إيران بشكل عنيف من أجل ردعها عن مهاجمة الجنود الأميركيين في سورية وفي أماكن اخرى. يبدو أن الحديث يدور عن هدف مشترك للولايات المتحدة وإسرائيل، لكن جهات رفيعة في البنتاغون تحدثت مع وسائل الإعلام عبرت عن الخوف من أن الهجوم على أهداف أميركية هو نتيجة هجمات لإسرائيل. لذلك فإن الولايات المتحدة يمكن أن تجد نفسها تتوسط بين إسرائيل وسورية وإيران.
سارع الرئيس الأميركي الى التوضيح بأن بلاده سترد على أي هجوم ضد جنودها. ولكنه اضاف بأنه لا ينوي شن حرب ضد إيران. تتمسك الولايات المتحدة بموقفها الذي يفيد بأن إسرائيل يحق لها الدفاع عن أمنها، لذلك هي لا تنكر ولا تنتقد هجمات إسرائيل في سورية. لكنها مع ذلك لا تريد الانجرار الى مناوشات إضافية قد تضر بقواتها وتصبح هدفاً لرد إيراني ضدها. ولكن الآن في هذه الأجواء الصعبة التي نشأت بين حكومة إسرائيل والبيت الأبيض فإنه حتى هجمات إسرائيل في سورية، والتي تعتبر شرعية في نظر الأميركيين، يمكن أن تصبح أداة ضغط سياسية أميركية في العلاقات بين الدولتين.

عن "هآرتس"