يبدو أن " نتنياهو" وفريقه الحكومي لم يستطع "الصمود" كثيرا لتمرير "مكذبة" وقف تشريعات الانقلاب القانوني، الذي بدأ مناقشته منذ زمن، عدما خرج أنصارهم الى مظاهرات دعم وإسناد، اعتبرها التحالف الحاكم ضوء أخضر للمضي بما أعلنوه، وخاصة أن المظاهرات شهدت سابقة فريدة، بوضع أمريكا "عدو" مباشر لأنصار الانقلاب، ومطالبتها بعدم التدخل .."بايدن شيل ايدك".
وكانت المفاجأة، بعد تلك المظاهرات التي شهدت هجوما واسعا ضد الرئيس الأمريكي بايدن وإدارته، ان يخرج نتنياهو عبر شريط فيديو مصور ليقدم الشكر الكبير للمتظاهرين، وتحدث بفخر كبير عما فعلوه دعما وسندا، دون ان يلتفت كثيرا للإهانات التي أصابت أمريكا ورئيسها، في ايحاء بفرحه بها.
وفي اليوم التالي كانت المفاجأة، لتشهد مظاهرات مساء السبت في الأول من أبريل 2023، ظواهر جديدة، ربما لم تكن حاضرة، عندما أقدم المتظاهرين على رفع العلم الأمريكي بكثافة كبيرة الى جانب علم دولة الكيان، في رد مباشر على التطاول على "الجدار الواقي" لكيانهم، ومعها شعار مكتوب على صورة "الثلاثي الحاكم" نتنياهو، سموتريتش وبن غفير، "الاختراق الأمني".
تدقيقا في التعبير المستخدم، يمكن اعتبارها المرة الأولى في تاريخ الكيان منذ العام 1948، ان يخرج مئات آلاف تحت شعار يتهم رئيس حكومة في منصبه بأنه "مخترق أمنيا"، وبلغة أخرى جاسوس، موضوعيا يتطلب اعتقاله والتحقيق معه، لتشهد انتقالا من تهم "الفاسد والفساد" مرورا بـ "الديكتاتورية" لتصل الى "الجاسوسية"، دون أن تجد استنكارا أو استهجانا من قادة "المعارضة الرسمية" و"قادة الحراك"، وتركزت التعليقات حول الحضور الأمريكي الكبير عبر أعلام الولايات المتحدة، ليروها "صفعة مضافة" لنتنياهو وفريقه.
من الممكن ألا تثير تلك "اللافتة الاتهامية" كثيرا من "الجدل السياسي" في دولة الكيان، تحسبا من مخاوف قد تذهب في مسار خارج السيطرة، ولذا كان التجاهل أو الإهمال، الأسهل، لكن الحقيقة الأبرز، ليس فيما تتجاهله، ولكن فيما كان صورة بين الاتهام بالتجسس لـ "الثلاثي الحاكم" نتنياهو، سموتريتش وبن غفير والأعلام الأمريكية، كرسالة أولية لما يمكن أن يكون في سياق "الصراع السياسي"، الذي تعيشه دولة الكيان منذ ما يقارب الـ 90 يوما، دون ملل أو كلل، وكأنها "حرب التطهير".
اللغة السياسية الاتهامية بالجاسوسية بداية لمسار جديد في العلاقات الداخلية، وتضع لبنات ثقافية مستحدثة بين مكونات النظام السياسي في الكيان، ومؤشر لتعاكسها مع "مناورة التوافق" التي حاولوا تمريرها، بعدما خرج نتنياهو بـ "مكذبة" تعليق مناقشة مشاريع قوانين "الانقلاب القضائي"، ثقافة تشير الى أن فكرة "التوافق" بين فريق التحالف الحاكم والمعارضة تقترب من أن تكون "خطان متوازيان" لا يلتقيان، دون ان تصل بعد الى حد "الإزاحة المكانية السياسية"، لكنها بالقطع لن تكون كما كانت قبلا.
ربط الحالة الاتهامية من "الديكتاتورية الى الجاسوسية" بالراية الأمريكية، صفعة سياسية واضحة الدلالة، وخاصة مع ذهاب صحيفة "جيروزاليم بوست" التي تصدر بالإنجليزية في دولة الكيان والمقربة أساسا من "اليمين الإسرائيلي" في تحليل لها يوم الأول من أبريل 2023، الى اعتبار أن "ازدراء بايدن الى نتنياهو مستمر، وأزمة لن تنتهي في القريب العاجل"، ما يؤكد أن "الشعار الاتهامي والعلم الأمريكي" باتا طريق الخلاص من التحالف الحاكم، وربما تكون "مشكلة" وزير جيش دولة الكيان غالانت مع نتنياهو، أحد قاطرات الاستخدام المرتقب.
موضوعيا، هزيمة "تحالف الفاشية الاستيطانية" ستكون قوة دفع جديدة في مسار تغيير ملامح المشهد السياسي العام، بعدما باتت بعض الأوساط اليهودية تدرك أن خطر المستوطنين لم يعد ضد الفلسطيني فحسب، وأن وجودهم خطر عليهم وعلى مستقبلهم السياسي، كما هو الخطر على فلسطين الدولة والشعب.
تطورات متسارعة، ربما تعيد ترتيبات أمريكا أيضا نحو المنطقة، بعدما اكتشفت أن "الفاشية اليهودية" خطر لا بد من حصارها، وأن مكانتها في المنطقة تهتز سريعا، بل وقريبا قد تفقد كثيرا مما جنت "مكاسبا" منذ العام 1945 حتى تاريخه.
ملاحظة: قمة الانحطاط الوطني، ان يقوم "فصيل" بالنيل من شهداء الأجهزة الأمنية، بمحاولة "سلخهم" عن ثقافتهم الوطنية واعتبارهم أفرادا وليس جزء من انتماء..الغريب أن هذا الفصيل لا علاقة له بمقاومة الاحتلال سوى عبر البيانات الصارخة والاتهامات الساقطة..هلوسات مستمرة!
تنويه خاص: مشهد فرسان شرطة بن غفير وهي تعتدي بالضرب على فتاة إسرائيلية خلال مظاهرات السبت كشفت وجه مخزون من "كراهية الآخر"..أي آخر...هاي من بوادر حرسهم "الوطني"..ولسه ياما في جرابك يا بن غفير...!