أيـن قـادة الـداخـل؟

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

بقلم اكرم عطالله

 

 

 

منذ ثلاثة أشهر وإسرائيل تهتز على وقع الاختلافات والتصدع الحاصل بين الكتلتين المتصارعتين على هوية الدولة، يمين ديني مسيحاني وجد نفسه ينفرد بالسلطة لأول مرة دون شراكة علمانية يقوم بتجريف المنظومة التي قامت عليها الدولة، ويمين وسطي بعضه بملامح علمانية خائف على نفسه من دولة لن تعود تشبهه إذا ما استكمل اليمين هذا التجريف بحيث لن يجد له مكانا في هذه الدولة.
بين هذين التيارين اليهوديين يغيب الفلسطينيون داخل إسرائيل. وهم من كانوا قبل ستة أشهر بيضة قبان ومركز التوازن في الائتلاف الحكومي وهم من يدفع أو يمنع، يقرر من هو رئيس الوزراء القادم أو يدفعه للمعارضة وكانت جميع الأنظار تتجه لهذه الكتلة التي توفرت لها في لحظة تاريخية تلك الأهمية وذلك الدور.
قبل نصف عام وفيما يراقب العالم تحضيرات الانتخابات الإسرائيلية وبعد أن أعطت نتائج الاستطلاع حجم القوى اليهودية الثابتة، كانت المراهنة على الصوت العربي الذي وحده كان يمنع نتنياهو من العودة للحكم. وكانت الاستطلاعات في الوسط العربي مدعاة للتشاؤم من قبل خصوم نتنياهو في العالم ومن قبل قادة الأحزاب العربية حيث إنها ستكون المساهمة الأقل منذ بدأت المشاركة العربية في الانتخابات وبدء تشكل قوى عربية على وقع الانتفاضة الأولى، حين انفجر الصدام بين الكتلتين القوميتين بتشكيل عبد الوهاب دراوشة لأول حزب عربي ثم تتشكل باقي الأحزاب منتصف التسعينيات بعد اتفاق أوسلو وشعور الفلسطينيين في إسرائيل بتهميشهم في ذلك المسار وليس لهم إلا أن يأخذوا أمر مستقبلهم هناك على عاتقهم.
العمل السياسي العربي في إسرائيل بدأ مبكرا بالنضال داخل الدولة ضد الحكم العسكري الذي انتهى منتصف الستينيات وضد التمييز العنصري، وقد تمكن من تحقيق نجاحات كبيرة في ظل زعامات تاريخية تمكنت من الحفاظ على الكتلة العربية ببعدها الوطني والقومي والحفاظ على هويتها العروبية رغم عملية العزل عن محيطها ومحاولات أسرلتها، لكن العمل السياسي العربي بدا في الآونة الأخيرة يشهد تراجعا كبيرا ولم يكن مصادفة ذلك القلق على نسبة التصويت فقد كانت تعكس تراجع مكانة الأحزاب العربية وقيادتها في الوسط العربي وفقدان الثقة بالقدرة على أن تحقق الأحزاب أي شيء بعد ذلك القدر الذي شهدته من التشظي والخلافات والانقسام الذي طغى على المشهد العام.
وبينما كان العرب يغرقون في خلافاتهم، كانت الكتلة اليهودية التي تستهدف وجودهم ترص صفوفها وتعد نفسها جيدا لحربها القادمة ضد الفلسطينيين عموما وفلسطينيي الداخل خصوصا. فبرامج بن غفير وسموتريتش قائمة على مشاريع الطرد لأن بن غفير هو وريث كهانا بينما كان سموتريتش يترأس جمعية «رغافيم» التي تخصصت في ملاحقة الفلسطينيين هناك في مجالات الأراضي في منطقتي المثلث والنقب.
في اليوم التالي لانتخابات الحادي من تشرين الثاني، اختفى القادة العرب ودخلت إسرائيل في ائتلافاتها وخلافاتها اليهودية لينتهي الأمر بهذا الصدع بينهم في غياب تام أصبح محل تساؤل في ظل لحظة وفرت لهم فرصة للعمل. فإسرائيل تتصدرها قوى يمينية كهانية عنصرية ويعاني العرب حتى قبل هذه الحكومة من تمييز عنصري حيث يحتفظ الكنيست بثمانية وخمسين قانونا تمييزيا ضدهم أصبحت هي ناظم العلاقة وضعتهم ككتلة من الدرجة الثالثة بلا حقوق سياسية، ويمارس هذا التمييز حتى في المؤسسات التي تديرها المعارضة العلمانية كالجامعات وحتى المؤسسات الطبية حيث يشكل العرب 17% وربع الممرضات أما في الصيدلة يرتفع العدد لواحد من كل اثنين هو عربي؟، ومع ذلك قامت حكومة نفتالي بينيت ونتيجة قلقها من تزايد الأطباء العرب باستقدام 3000 طبيب يهودي من الخارج بدعوى النقص في المستشفيات بينما كان هنا أطباء عرب بلا عمل اجتازوا امتحانات المهنة.
لقد وفر صعود اليمينية الخالصة بوجهها السافر فرصة كبيرة لعرض المظلومية والتحرك للعرب، فقد وفرت عليهم نصف الطريق لشرح ما كان يصعب توضيحه في ظل حكومات تدثرت بثوب ليبرالي علماني. فسموتريتش على الملأ يدعو لمحو حوارة، وفي ثقافته السياسية فإن الوجود العربي في يافا والنقب والمثلث لا يختلف عن حوارة.
وبينما تتظاهر الجاليات اليهودية في العالم ضد حكومة نتنياهو وتدعو الدول للضغط عليها وعدم استقبال رئيسها بما فيها نشطاء اليهود ومنظماتها في الولايات المتحدة تقف الأحزاب العربية في إسرائيل على الحياد ولم يحدث سوى مرة واحدة أن توجهت جمعية أهلية «عدالة» للأمم المتحدة لشرح واقع التمييز ضد العرب، فيما لم تقم الأحزاب بأي دور على المستوى الدولي، لماذا؟
الحوار الذي أعلن عنه الرئيس الإسرائيلي يتم بين القوى اليهودية دون مشاركة للعرب هناك وهم الطرف شديد الاستهداف في التعديلات القضائية مصدر الخلاف في إسرائيل وحيث تبلغ نسبتهم في الدولة 20%، فهل يعقل أن يتم تجاهل خُمس سكان أي دولة تمسهم هذه القوانين؟. هذا لا يحدث لو كان هناك فعل فلسطيني يضعهم على الخارطة. فلا يعقل أن يكون العمل السياسي الفلسطيني في ستينيات القرن الماضي أكثر حكمة وكفاءة من القيادات الحالية التي يفترض أنها راكمت ما يكفي من التجربة.
لقد كان مجيء اليمين أشبه بهجوم كاسح يخشى أنه تسبب بما يكفي من الخوف لدى قادة الأحزاب العربية جعلها تلتزم الصمت وخاصة بعد شرعنة قوانين تؤدي إلى إقصائهم من التمثيل البرلماني. فهل ذلك يكفي لتفسير انعدام الفعل أم أن الحالة الفلسطينية في إسرائيل تلتحق بباقي مكونها العام في باقي الوطن في انعدام الكفاءة والانقسام وتبهيت الدور والعجز السياسي؟