قتل الطبيب محمد العصيبي حلقة جديدة في مسلسل محاولة خطف سلاح جندي!

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم:المحامي زياد أبو زياد

 

قامت قوة من شرطة الاحتلال كانت متمركزة عند باب السلسلة أحد أبواب المسجد الأقصى بإطلاق النار على الشاب الطبيب محمد العصيبي من بلدة حوورة بالنقب وأدت الى استشهاده. وكالعادة أصدرت الشرطة بيانا ً قالت فيه أن الشاب حاول خطف سلاح جندي وتم اطلاق النار عليه وقتله. والسؤال هو كم عدد المرات التي استخدمت فيها الشرطة هذا الادعاء التقليدي الذي سمعناه مئات المرات والذي يتكرر في كل مرة يتم فيها قتل فلسطيني بهدف تبرير قتل مواطنين فلسطينيين أبرياء بدم بارد لمجرد الاشتباه بهم أو لمجرد أن يحاولوا الدفاع عن كرامتهم أمام إهانات واعتداءات أفراد الشرطة ضدهم أو ضد غيرهم من عابري السبيل.
الشاب الطبيب العصيبي جاء الى المسجد الأقصى ليعتكف ويصلي الفجر ولكنه لم يستطع أن يسكت ويغض النظر عن قيام أفراد الشرطة بالتعرض لفتاة مسلمة وضربها واهانتها فحاول التدخل لحمايتها والذود عن كرامتها بالدخول في جدل مع رجال الشرطة الذين يرون أنفسهم آلهة لا يجوز جدالهم فأطلقوا عليه النار وقتلوه.
هذا التصرف من قبل أفراد الشرطة يعكس فيما يعكس الحقائق التالية:
الأولى هي حقيقة الحرية التي أعطيت لأفراد الشرطة وحرس الحدود بوضع الاصبع الرخو على الزناد واطلاق النار بسبب أو بدون سبب وهم مطمئنون بأنهم لن يحاسبوا على فعلتهم لأن دم العربي لا قيمة له ولأن المؤسسة الحاكمة تُقدم لهم الغطاء دائما وتحميهم من العقاب بل وفي معظم الأحيان تكافؤهم بالأوسمة ونياشين البطولة لأنهم قتلوا "مخرب فلسطيني"!
والحقيقة الثانية هي هيمنة الصورة النمطية التي وضعها الإسرائيليون لشخصية الفلسطيني بحيث يُنظر الى الفلسطيني كل فلسطيني بأنه مُخرب وأن دمه مُباح ويجب قتله.
والحقيقة الثالثة هي أن هذا القتل انما هو نتيجة طبيعية للتحريض المستمر من قبل الجهات الحاكمة ضد الفلسطينيين ووصمهم بالإرهاب والعنف.
والحقيقة الرابعة التي يمكن أن تترتب على ما سبق من حقائق هي حالة الذعر والخوف التي تهيمن على العديد من أفراد الشرطة التي تجعلهم يتصرفون بشكل تلقائي إزاء أي حركة أو تصرف لا يروق لهم أو يمكن أن يثير مخاوفهم أو شكوكهم دون أن يحاولوا التحقق من طبيعته.
ومع أن هذا النمط من تصرفات الشرطة وحرس الحدود وقتلها الفلسطيني بدم بارد بحجة الدفاع عن النفس كانت موجودة منذ وجود الاحتلال إلا أن هذه الظاهرة بدأت تزداد شيوعا ً وانتشارا ً منذ أن قال نتنياهو قبل سنوات بأن أي "مخرب" يحاول القيام بعملية ضد اليهود لا يجوز أن يخرج حيا ً من مكان العملية وهذا قول لا يعني سوى إعطاء أوامر بالإعدام الميداني وعدم اعتقال الفلسطيني بل قتله، ثم ارتفعت وتيرتها بشكل ملحوظ في عهد الحكومة الحالية.
فلا شك بأن الوضع اليوم في ظل وجود حكومة يسيطر عليها أمثال سموترتش الذي دعا لحرق حوارة ووزير الشرطة بن غفير الخليفة الشرعي لمئير كهانا هو أسوأ من أي وقت مضى وخاصة لأن بن غفير وبصفته وزيرا ً للشرطة يعطي تغطية وحماية كاملة لكل من يقتل عربي، وملفه الأمني عند الشاباك والشرطة الإسرائيلية قبل أن يصبح وزيرا للشرطة يشهد على ذلك ، إضافة الى أنه أسس حياته المهنية كمحام وحياته السياسية على خلفية الدفاع عن أي متطرف عنصري يهودي يهاجم العرب.
والمؤسف أن هنالك حالة هوس تصيب البعض منا ممن ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي إذ حالما يسمعون عن حادث اطلاق نار على فلسطيني يبادرون بوصف الحادث بأنه عملية، ولا شك بأن مثل هذا التسرع ووصف قتل الفلسطيني بأنه نتيجة لقيامه بعملية ضد الاحتلال هي في الواقع تبرئة لشرطة الاحتلال واعطائها المبرر للقتل. وعلى أمثال هؤلاء أن يفهموا بأن التفاخر بوقوع عملية يُترجم تلقائيا ً الى اعفاء القاتل من مسؤولية ارتكاب جريمة القتل ضد المواطن الفلسطيني. فلماذا لا يكون التركيز على الاعدام الميداني دون سبب وليس بإعطاء المبرر للإعدام.
الوضع بشكل عام يدعو للقلق والسكوت على استمرار الاعدامات الميدانية ضد أبناء شعبنا لا يؤدي إلا استمرارها واتساع نطاقها.
لقد صدرت بيانات من عدة جهات ومرجعيات وبشكل خاص من أهلنا في الداخل الفلسطيني تطالب بالتحقيق في قتل الشهيد المرحوم محمد العصيبي والاستعانة بكاميرات المراقبة الموجودة بالمكان لإثبات كيف قُتل وتحميل القاتل مسؤولية القتل. وأقول بأن مثل هذه المطالبة يمكن أن تكون ذات جدوى لو أن السلطات الإسرائيلية تحترم القانون وتحترم حياة الفلسطيني. فقد تم التحقيق في العديد من عمليات قتل الفلسطينيين في الماضي وثبت بشكل قطعي كذب الادعاءات ضدهم وأنهم كان ضحايا لعنف الشرطة وللإصبع الرخو على الزناد ومع ذلك فلم نسمع أن عقابا جديا ً تم ايقاعه على القاتل، إذ أن الحكم على القاتل في أحسن الأحوال هو بفترة سجن قصيرة لا تتعدى الشهور ثم لا يقضيها كلها في السجن أو بالقيام بخدمة اجتماعية في مكان عام. وهذه ليست عقوبة ولا يمكن أن تتناسب مع العقوبة التي يتم ايقاعها بالفلسطيني الذي يمكن أن يحاول قتل يهودي إذ يُحكم عليه بالسجن المؤبد أو بالسجن عشرات السنين.
ولقد علمت وأنا أكتب هذه السطور أن مصدرا ً في الشرطة رد على طلب ذوي الشهيد محمد العصيبي بأن قتله تم في نقطة ميتة لا تغطيها كاميرات المراقبة!!!
أعمال القتل العشوائي التي ترتكب بدم بارد ضد الفلسطينيين تعكس الاستهتار بحياة الفلسطيني لأن الجهة التي تقوم به تُدرك أنها ستفلت من العقاب.
لقد سمعنا مرارا ً ومن قبل جهات قيادية فلسطينية بأنها تطالب بحماية دولية لشعبنا في ظل الاحتلال ولكننا لم نر جهدا ً حقيقيا ً للوصول بهذه المطالبة الى مستوى التنفيذ. فنحن في ظل هذا الاحتلال العنصري وثبوت أنه لا سيادة لحكم القانون في كل ما يتعلق بالإنسان الفلسطيني ، بأمس الحاجة للحماية الدولية من جهة ولوجود جهة توثق جرائم الحرب التي يمارسها الاحتلال ضدنا، ليس بهدف التوثيق فقط بل ولمتابعة ذلك لدى محكمة الجرائم الدولية لملاحقة ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب التي ترتكب ضد أبناء شعبنا بشكل نمطي الى أن نتحرر من الاحتلال.