في خطوة قد تمثل نقطة تحولٍ فارقة على اتجاهات الصراع مع الشعب الفلسطيني، أقرت الحكومة الإسرائيلية خطة لتشكيل ذراع أمنية جديدة، أطلق عليها "الحرس الوطني".
وحسب الخطة، فإن "الحرس الوطني" سيكون تابعا بشكل مباشر لوزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، وخاضعا لتعليماته المباشرة، حيث ستنفذ هذه الذراع مهام أمنية واسعة تحديدا في أوقات "الطوارئ"، بناء على سلم الأولويات الذي يحدده الوزير.
وعلى الرغم من أن قرار الحكومة الإسرائيلية لم يحدد النطاق الجغرافي الذي سيعمل في حدوده "الحرس الوطني"، فإنه لا خلاف بين المراقبين في تل أبيب على أن مدن وبلدات فلسطينيي الداخل ستكون الساحة الوحيدة التي سيستهدفها هذا الجهاز الأمني. فبن غفير يدعي أن تشكيل "الحرس الوطني" يعد "استخلاصا للعبر" من الأحداث التي شهدتها التجمعات السكانية التي يقطنها فلسطينيو الداخل أثناء الحرب على غزة في مايو/أيار 2021؛ وتمثلت في اندلاع مواجهات كبيرة في المدن المختلطة داخل إسرائيل، والتي يقطنها الفلسطينيون واليهود.
وحسب قرار الحكومة الإسرائيلية، فإن "الحرس الوطني"، الذي تم تخصيص ميزانية له بقيمة مليار شيكل، سيتشكل من قوات نظامية تابعة لسلاح "حرس الحدود" ومن "متطوعين". وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يتحفّظ على تشكيل "الحرس الوطني" وإخضاعه لبن غفير، فإن التحولات السياسية على الصعيد الداخلي قلصت هامش المناورة لديه وأجبرته على قبول إملاء بن غفير.
فعندما اضطر نتنياهو لتأجيل تطبيق الإصلاحات القضائية التي شرعت حكومته في تمريرها تحت ضغط احتجاجات الشارع الإسرائيلي، اشترط بن غفير قبول التأجيل بأن تتم الموافقة على تشكيل "الحرس الوطني".
إن ما يدفع للاعتقاد بأن تشكيل "الحرس الوطني" سيؤسس لمرحلة جديدة بالغة الخطورة في تاريخ الصراع بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل حقيقة أن بن غفير ينطلق في سياساته وزيرا للأمن القومي من رؤاه الأيديولوجية وتصوراته السياسية لحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، مما يعني أنه سيوظف الذراع الأمنية الجديدة في محاولة تجسيد هذه الرؤى وتلك التصورات.
فالبرنامج السياسي المعلن لحركة "المنعة اليهودية" التي يقودها بن غفير، ينص بشكل واضح وصريح على وجوب العمل على دفع الفلسطينيين للهجرة إلى الدول العربية المجاورة، مما يعني أن بن غفير لن يتردد في توجيه "الحرس الوطني" لتنفيذ ممارسات داخل مدن وبلدات وقرى فلسطينيي الداخل، يرى أنها يمكن أن تسهم في تقليص قدرتهم على الصمود والبقاء فيها.
ولا يمكن تجاهل الخلفية الشخصية لبن غفير، الذي ترعرع في صفوف تنظيم "كاخ" الإرهابي الذي أسسه الحاخام مئير كهانا، والذي طالب بطرد الفلسطينيين إلى الدول العربية في شاحنات؛ فضلا عن دور بن غفير شخصيا في تنفيذ الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين. فقد وجهت النيابة العامة في إسرائيل لبن غفير 53 لائحة اتهام تتعلق بممارسة العنف ضد الفلسطينيين، تحديدا في منطقة الخليل وجنوب الضفة الغربية. وقد اشتهر بن غفير بتعليق صور الإرهابي باروخ غولدشتاين، منفذ مجزرة المسجد الإبراهيمي، في بيته ومكتبه، فضلا عن أن قنوات التلفزة الإسرائيلية عرضت مؤخرا من أرشيفاتها عددا كبيرا من الفيديوهات التي يعبّر فيها بن غفير عن دعمه لارتكاب المجزرة.
ولقد قدّم بن غفير أكثر من دليل على أنه ينوي بالفعل توظيف "الحرس الوطني" كمليشيا مسلحة تابعة له في تنفيذ الاعتداءات بشكل ممنهج ضد فلسطينيي الداخل.
فقد تعمد بن غفير دعوة عناصر جماعات العنف اليهودية التي تنفذ اعتداءات إرهابية بشكل ممنهج ضد الفلسطينيين إلى التطوع في صفوف "الحرس الوطني". ففي مقابلة أجرتها معه قناة "13" ليلة الأول من أبريل/نيسان الجاري، حثّ بن غفير أعضاء تنظيم "لافيمليا"، الذي يمثل رابطة مشجعي فريق "بيتار يروشليم" لكرة القدم، على الانضمام إلى الذراع الأمنية الجديدة.
يشار إلى أن وزراء في الحكومة الإسرائيلية السابقة ونوابا وقيادات أمنية طالبت بإخراج "لافيمليا" عن إطار "القانون" بسبب الاعتداءات التي ينفذه عناصره ضد الفلسطينيين، تحديدا في المدن المختلطة التي يقطنها الفلسطينيون واليهود.
إلى جانب ذلك، فإن "لافيمليا" اعتمد في تشجيعه فريق "بيتار يروشليم" شعارات موغلة في عنصريتها واستفزازها لمشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين، إذ إن أبرز هذه الشعارات: "الموت للعرب"، و"محمد مات"، و"احرقوا قراهم"، وغيرها.
وبسبب عنصريته الطافحة، أحبط تنظيم "لافيمليا" صفقة شراء "بيتار يروشليم" من قبل مستثمرين إماراتيين، حيث لم يتردد أعضاؤه في كتابة شعارات مسيئة للإمارات وحكامها في إطار احتجاجهم على الصفقة، التي تم التراجع عنها في النهاية.
وتشي قائمة الأشخاص الذين يرشحهم بن غفير لقيادة "الحرس الوطني" بطبيعة الأهداف التي تقف خلال فكرة تشكيل هذه المليشيا. فقد ذكرت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر في الثاني من أبريل/نيسان الجاري أن أحد المرشحين لقيادة "الحرس الوطني" هو أفينوعام أمونا، الذي سبق أن قاد وحدة "ماجيلان" الخاصة، والذي تم توثيقه وهو يدعو جنوده إلى قتل الفلسطينيين حتى عندما يفرون من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار المنطلقات الأيديولوجية والسياسية لبن غفير، وطابع القوى البشرية التي ستشكل "الحرس الوطني"، فإن هناك أساسا للتخوف من أن يقدم هذا التشكيل على ارتكاب مجازر في مدن وبلدات وقرى الداخل الفلسطيني.
ومما يضفي مصداقية على هذه التخوفات حقيقة أن تولي بن غفير منصب وزير الأمن القومي أسهم في زيادة عمليات القتل التي تنفذها شرطة الاحتلال ضد الفلسطينيين وتحديدا في القدس؛ على الرغم من أن تأثير بن غفير على الشرطة أضعف بكثير من تأثيره على "الحرس الوطني".
ونظرا لأن بن غفير معني باستغلال كل مواطن النفوذ والقوة التي حازت عليها حركة "المنعة اليهودية" بعد انضمامها إلى حكومة بنيامين نتنياهو، فإنه سيحرص على أن تلعب المؤسسات الرسمية التي باتت في قبضة الحركة أدوارا تكاملية لتحقيق هدفه المتمثل في دفع الفلسطينيين إلى الهجرة.
ولعل إحدى المؤسسات الرسمية بالغة الأهمية التي تكمل الدور الذي سيلعبه "الحرس الوطني" هي وزارة "النقب والجليل"، التي يتولاها إسحاق فيسرالوف، الرجل الثاني في "المنعة اليهودية".
ونظرا لأن الأغلبية الساحقة من فلسطينيي الداخل توجد في النقب والجليل، فإن قدرتهم أفرادا ومجالس محلية على تلقي الخدمات الرسمية يتوقف على توجهات فيسرالوف، الذي كان واضحا بعيد توليه المنصب، حيث أوضح أن وزارته ستقدم الخدمات فقط "لمن يثبت ولاؤه للدولة". ونظرا لأن بن غفير وزملاءه في "المنعة اليهودية" يتهمون فلسطينيي الداخل صراحة بالتآمر على "الدولة"، فإنهم سيعملون على المزاوجة بين تقليص الخدمات التي تقدمها وزارة "النقب والجليل" وبين القمع الذي سيمارسه "الحرس الوطني"، في محاولة للمس بقدرة هؤلاء الفلسطينيين على البقاء فوق أرضهم.
على الرغم مما تقدم، فإن بن غفير سيكتشف سريعا أن مخططاته ليس فقط أنها لن تنجح في النيل من صمود الفلسطينيين وتشبثهم بأرضهم، بل إن محاولة تطبيق هذه المخططات سيكون لها وقع السهم المرتد على إسرائيل ومصالحها.
ومع ذلك يتوجب على الفلسطينيين وقواهم الحية التعاطي بجدية مع هذه المشاريع الخطيرة، والتوافق بشكل عاجل على برنامج وطني شامل يصلح منطلقا لمواجهة هذه المخططات عبر جباية ثمن باهظ من كل من يفكر في إنزال نكبة ثانية فيهم.