معركة البوابات الإلكترونية تعيد انتاج نفسها بشكل معركة تحديد مواعيد الاعتكاف

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم المحامي زياد أبو زياد

 

في بيان أدلى به بنيامين نتنياهو من خلال شاشات التلفزيون قال:" ليسن لدينا أية نية لتغيير الوضع القائم في جبل الهيكل / المسجد الأقصى". وقد جاء هذا البيان في نفس الوقت الذي تصدر به وزير الشرطة بن غفير شاشات التلفزيون هو الآخر ودعا الإسرائيليين الى أن يتوجهوا بجماهيرهم وأن يصعدوا الى جبل الهيكل!


فما الذي يحدث في الأقصى وما هو الوضع القائم في المسجد الأقصى؟


لقد بدأت إسرائيل منذ عام 2001/2002 بخطة تدريجية لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى بدأت بإغلاقه تماما ً أمام الزائرين الأجانب وبعد فترة بدأت بتنفيذ زيارات لرجال أمن إسرائيل بأعداد قليلة بحجة تفقد المكان، ثم بدأت هذه الأعداد تتزايد مع مرور الوقت، ثم تحولت الوفود الى أشخاص عاديين من الإسرائيليين يدخلون تحت حراسة الشرطة ولكن لا تسمح لهم الشرطة بممارسة أية طقوس دينية وتمنع من يحاول ذلك، ثم بعد فترة بدأت تغض الطرف عنهم، ثم أخيرا بدأت تحرسهم وهم يقومون بهذه الطقوس بما في ذلك إجراء عقود الزواج والصلوات التوراتية، وهذا ما آل اليه الوضع حاليا ً ولكنه لن يتوقف عند هذا الحد. فالمتتبع لما جرى ويجري يلاحظ أن إسرائيل تعمل بأسلوب النفس الطويل وتحقيق الإنجازات التراكمية مهما كانت صغيرة، فهي ليست في عجلة من الأمر وإنما تقوم بخطوات صغيرة وبشكل منتظم وتراكم إنجازات هذه الخطوات وتبني عليها لتصل الى الهدف الذي وضعته نصب أعينها وهو فرض السيطرة على المكان.


التغيير التدريجي للوضع القائم بالأقصى


وهذه الإنجازات التراكمية التي بدأت من حيث كان يمنع اليهود من الدخول وانتهت مرحليا ً بدخولهم بأعداد كبيرة وقد تم تحديد فترة زمنية لهم للدخول الى المسجد الأقصى تبدأ من السابعة صباحا ً حتى الحادية عشرة والنصف ظهرا، وهذا هو ما أصبح معروفا ً بالتقسيم الزماني للمسجد، والذي يطمح اليهود الى الاستمرار في خطواتهم التراكمية وصولا ً الى التقسيم المكاني كما حدث في المسجد الإبراهيمي بالخليل.
هذا الإنجاز الذي حققته إسرائيل ببطء وعلى مدى أكثر من عشرين عاما كان في اطار خطة شاملة للتعبئة ولتطبيع زيارات اليهود للأقصى وغرس ذلك في وعي المواطن الإسرائيلي الذي لم يكن هذا الموضوع على رأس جدول أعماله قبل ربع قرن من الزمن، بل إن الفتوى الدينية اليهودية (تساف هلخه) التي كانت شائعة تقول بأنه لا يجوز لليهود بدخول المكان خشية أن يدنسوه. وقد بدأت تعبئة الرأي العام الإسرائيلي لمعرفة أهمية المكان لليهود وللحث على زيارته باعتباره رمزا وطنيا لليهود بغض النظر عما اذا كانوا متدينين أو غير متدينين، بدأت بإعداد برامج تُدرس بالمدارس ومن خلال تخصيص ميزانيات لترتيب رحلات طلابية وأخرى عامة الى المكان برفقة أدلاء مدربين يشرحون للزائرين تاريخ المكان وفق الرواية اليهودية ويثيرون عواطفهم بضرورة انقاذ المكان من براثن "الاحتلال الإسلامي"!


حرس المسجد الأقصى


هذا على الجانب الإسرائيلي واليهودي وأما على الجانب العربي الإسلامي فقد كان حرس المسجد الأقصى يقفون على أهبة الاستعداد ويحاولون بكل ما أتيح لهم من إمكانيات لمنع اليهود من الصلاة أو من انتهاك حرمة المكان سواء باللباس الفاضح أو التصرفات غير اللائقة، وكان هؤلاء الحرس وما زالوا يتعرضون للإجراءات الإسرائيلية سواء المواجهة مع الشرطة والاستدعاءات للتحقيق في القشلة أو المسكوبية، أو تقديم بعضهم الى المحاكم والى اصدار أوامر ابعاد عن المسجد الأقصى ضدهم لمدد بلغت أحيانا ً ستة أشهر. ولا بد من القول بأن الأردن الشقيق وبصفته صاحب الولاية الهاشمية على الأماكن الدينية المسيحية والإسلامية بالقدس عمل بشكل مستمر على توظيف المزيد من الحرس وتحسين شروط عملهم لتشجيع استقطاب طاقات شابة للعمل في حراسة المسجد ناهيك عن مساهمة أشقائنا من الداخل في التواجد بالمكان والذود عنه.


كل هذا الذي قامت وتقوم به إسرائيل من تغيير للوضع القائم في المسجد الأقصى والعمل على تثبيت فرض التقسيم الزماني فيه لم يمنع بنيامين نتنياهو من ترداد أسطوانة أن إسرائيل تحترم حرية ممارسة الشعائر الدينية لكل الأديان وأنها تحترم الوضع القائم ولا توجد لديها أي نية لتغيير الوضع القائم وهي في أوج محاولات تغيير الوضع القائم. وهذا أكبر دليل على كذب الادعاءات الإسرائيلية وعلى حقيقة أن الخطاب الإسرائيلي موجه نحو تضليل الرأي العام الخارجي وليس موجها ً للمواطن الفلسطيني لتهدئة خواطره لأنها تعرف بأن المواطن الفلسطيني يعرف حقيقة ما يجري ولا تنطلي عليه الأكاذيب.


الهدف الحقيق لترويج فزاعة رمضان


لقد عمدت اسرائيل منذ شهور الى ترويج فزاعة شهر رمضان وأنها تسعى لتحقيق التهدئة لكي يمر الشهر بسلام وهدوء، وقد انساق البعض وراء هذه الدعاية الإسرائيلية ونسي أن شهر رمضان بالنسبة لنا هو شهر عبادة ونسك وخشوع وأنه ليست لدى المسلمين في هذا الشهر الفضيل أية نية للتصعيد أو لتوتير الأجواء. وهذا هو واقعنا بالفعل. ولكن الترويج الذي مارسته إسرائيل لفزاعة رمضان لم يكن سوى التمهيد لتصعيد الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى خلال شهر رمضان الذي تزامن هذا العام مع عيد الفصح اليهودي والذي يُعد فيه اليهود العدة لتكثيف زياراتهم للمكان بل ويحاول البعض منهم ادخال القرابين لذبحها هناك.


كانت الليلة التي بين يوم الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الماضي أكبر دليل على وحشية هذا الاحتلال وعلى استهتاره بمشاعر الديانات الأخرى والى انشغاله فقط بكيفية تنفيذ خطته للاستيلاء على المسجد الأقصى. لقد شاهد العالم رجال شرطة الاحتلال وهم يعتدون على المصلين حتى أثناء أدائهم للصلاة إذ تم ضربهم والقائهم أرضا. وشاهد العالم كيف تم تقييد عشرات المصلين داخل المسجد الأقصى والقائهم على وجوههم في داخل الأقصى مثل أكياس الطحين، وكيف قام رجال شرطة الاحتلال بضرب النساء بالعصي والهراوات دون أي اعتبار لكونهن نساء لا يجوز أن يهش عليهن أحد بعصا حتى لو كانت من غصن ريحان، وكيف تك اطلاق القنابل الصوتية داخل المسجد وتحطيم نوافذه التاريخية المزخرفة.


هذه المشاهد الفظيعة استفزت مشاعر كل فلسطيني بل وكل انسان عنده كرامة وأثارت غضب وحرضت الشباب الفلسطيني على الانتقام لكرامة حرائر وشبان فلسطين وشيوخهم. وعلى من يرددون أسطوانة اتهام السلطة الفلسطينية بالتحريض أن يفهموا بأن الاحتلال وممارساته البشعة هي أكبر محرض للشباب الفلسطيني للانتقام.


الذي يحدد مواعيد الاعتكاف هو صاحب المكان


صحيح أن الهدف من محاولة الاحتلال منع الفلسطينيين من الاعتكاف في المسجد الأقصى، هو منع تواجدهم في صبيحة اليوم التالي في المكان وضمان عدم وجود من يعكر صفو زيارات اليهود للمسجد في ساعات الصباح. ولكن المسألة أكبر من ذلك. فالذي يسعى الاحتلال الى تحقيقه من خلال فرض قراره بتحديد مواعيد الاعتكاف بالمكان هو اثبات أنه هو صاحب القرار وبالتالي هو صاحب المكان. وأي قبول بأن تكون لإسرائيل صلاحية تحديد مواعيد الاعتكاف والأيام التي يسمح فيها بالاعتكاف هو قبول وإقرار بأن إسرائيل هي رب البيت في الأقصى.


لقد فشلت إسرائيل في فرض البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى لتثبت أنها هي صاحبة المكان ومن حقها تفتيش من يدخل الى بيتها عند بوابة البيت، واليوم تخوض إسرائيل معركة ثانية للبوابات الالكترونية التي أصبح الاعتكاف رمزا ً لها.

 

 ويقينا أن أهل القدس وشباب القدس الذين يشعر كل واحد منهم بأن الأقصى هو له شخصيا ً لن يقبلوا أن يتنازلوا عن الأقصى حتى لو تخاذل أو تواطأ كل من حولهم. في القدس فرسانها. وعلى الاحتلال أن يفهم بأن المسجد الأقصى هو أكثر الأعصاب حساسية في الجسد الفلسطيني وأن أي مساس بهذا العصب ستكون له عواقب وخيمة لا يجوز لأحد أن يستهين بها.