نحو مبادرة إسرائيلية شاملة تسمح بقيام دولة فلسطينية

sport_1413716734
حجم الخط

جلبت السنة الميلادية الجديدة معها فرصة لراحة قصيرة لغرض حساب النفس. ولمن ينشغلون بمكانة اسرائيل في الساحة الدولية، فان كثرة أحداث المقاطعة، التي تبلّغ عنها وسائل الاعلام، تستوجب أخذ مثل هذه الراحة في فترات زمنية قصيرة نسبيا. ورغم ذلك، فمن السليم أيضا فحص المواضيع التي لم تصل الى العناوين الرئيسة بحثاً عن ميول قد لا تكون نضجت بعد، ولا يزال ممكنا تصميمها. من ناحية الساحة الدبلوماسية في السياق الاسرائيلي، في الربع الاخير من العام 2015 تجدر الاشارة الى تعطيل مبادرة العضو غير الدائم في مجلس الامن، نيوزيلندا، التي سعت الى طرح مسودة قرار على مجلس الامن حول النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. ويخضع مدى اشكالية أو منفعة قرار المجلس بالنسبة لاسرائيل للجدال، ولكن الموضوع المهم في هذه القضية هو مجرد احباطها من جانب المعارضة المبدئية للولايات المتحدة. وذلك لأن الولايات المتحدة – العضو الدائم في مجلس الامن وصاحبة حق الفيتو على قراراته – تتخذ خطا دائما ضد اتخاذ قرارات حول النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. ومجرد هذه المعرفة هي التي منعت نيوزيلندا من رفع مسودتها للتصويت. ولكن مبادرة نيوزيلندا، الى جانب مبادرات دول أخرى لا يطلع عليها الجمهور على الاطلاق بسبب احتمالية اقرارها المتدنية لاجتياز حاجز التصويت، ستكون لها آثار بعيدة المدى لو أن الولايات المتحدة غيرت موقفها منها. ومن السليم اعادة النظر في هذا النهج الذي يتواصل منذ عشرات السنين بسبب خيبة الامل الأميركية المتعاظمة من السياسة الاسرائيلية. وقد بدت مظاهر خيبة الامل هذه في واشنطن في خطاب وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في منتدى سبان في بداية كانون الاول، وفي تل أبيب في تصريحات السفير الأميركي، دان شبيرو، في ندوة معهد بحوث الامن القومي، الاسبوع الماضي. موضوع آخر لم يصل الى العناوين الرئيسة هو أنه في الربع الاخير من العام 2015 سجلت حالة ثالثة رفعها الفلسطينيون الى محكمة الجنايات الدولية. فقد عقد لقاء بين ابو مازن والمدعية العامة الرئيسة، فاتو بنسودا، ويوجد مكتب المدعية العامة الان في ذروة فحص أولي لاحداث "الجرف الصامد"، بهدف القول اذا كان هناك مبرر لفتح تحقيق رسمي في جرائم الحرب أو الجرائم ضد الانسانية التي ارتكبت في فلسطين، العضو المراقب في الامم المتحدة. وفي ختام الفحص الاولي ستقرر المدعية العامة اذا كان هناك اساس للاعتقاد بانه ارتكبت جرائم حرب، واذا كانت هناك شروط أخرى لاستخدام الصلاحيات، بما في ذلك غياب التحقيقات الصادقة في هذه الجرائم في الدولتين المذكورتين (إسرائيل وفلسطين). تشهد هذه التطورات على ميلين مهمين وثابتين: الاول، الدعم العنيد والنشط لاسرائيل من جانب الولايات المتحدة: ميل يحمي ويحصن اسرائيل من الاملاءات الدولية. والاخر، النشاط العنيد والحثيث من جانب الفلسطينيين لخلق واقع على الارض يصمم ويؤثر على مصيرهم تحت الاحتلال الاسرائيلي المتواصل منذ عشرات السنين، ولا يبدو له حل في الافق. والخوف من ضعف الميل الاول وتعزز الميل الثاني ليس مستبعدا. فمن أجل تعزيز دعم الولايات المتحدة لاسرائيل، وضمان استمرار وجودها كدولة ديمقراطية تشكل وطنا قوميا للشعب اليهودي، مطلوب مبادرة اسرائيلية سياسية شاملة لتحريك سياقات ذات مغزى للانفصال عن الفلسطينيين، بشكل يحفظ أمن إسرائيل من جهة، ويسمح باقامة دولة فلسطينية من جهة اخرى. فبعد عشرات السنين من النزاع المستمر والمضرج بالدماء لن يجدي أي شيء أقل من هذا – لا ضد انتفاضة السكاكين ولا ضد الميول التي تعتمل تحت السطح – حاليا  في الساحة الدولية.