أفشل مؤتمر صحفي لنتنياهو

08131783070030779318284182254500.jpg
حجم الخط

بقلم نبيل عمرو

 

المؤتمر الصحفي.. الذي عقده بنيامين نتنياهو يوم الاثنين.. كان الأضعف بالقياس لظهوره "المتفوق" على الشاشات، حين كان يسمى بالملك، والساحر، ورئيس الوزراء المزمن لإسرائيل.


كلمة سر حالته لا صلة لها بمتانة اللغة، وسحر البيان، بل لأنه منذ وقع في قبضة ائتلافه.. تدهورت مكانته على نحو كبير، وهذا ليس ما يقوله خصومه في النزاع على الحكم.. بل ما قالته الاستطلاعات التي تشمل إسرائيل كلها.. والتي اشارت بالأرقام الى تراجعات فادحة لمكانته التي كانت راسخة، ولمكانة حزبه التي كانت متفوقة، ولمصلحة نجم المعارضة غانتس، وحزبه وحلفاءه.. ذلك أن الليكود الذي تربع طويلا على مكانة الحزب الأول، اضحى ترتيبه الثالث.


اما إيقاع "الساحر والملك" فقد خفّت كثيرا.. بعد أن تناهشته مخالب حلفاءه لتحوله ومنذ الأيام الأولى لتشكيل الحكومة الحالية، إلى أضعف رئيس وزراء مر على إسرائيل، حتى قيل عنه بحق، إنه مجرد غطاء "شرعي" لمليشيات تعمل كل واحدة على هواها، وهذه حالة لم يسبق ان مرت بها إسرائيل منذ تأسيسها وإلى أيامنا هذه.


نتنياهو وفي مؤتمره الصحفي الأخير، استخدم عملات خرجت من التداول، منذ أن امتلأت الشوارع بالمتظاهرين ضده، ومنذ أن أقال وزير دفاعه ليضطر إلى اعادته بعد أسابيع قليلة، ومنذ أن توجهت تظاهرة تضم سبعة عشر ألف مستوطن وعلى رأسها ست وزراء وعشرون عضو كنيست، رغم توصيات المستوى الأمني بمنعها.


عملات لم تعد صالحة للتداول استخدمها نتنياهو لترميم وضعه المتدهور، أولها القدرة الخطابية التي كانت توفر له تفوقا كاسحا على منافسيه وثانيها تصدير للأزمات بعيدا عن مكانها الحقيقي الى امكنة أخرى، معتمدا على تخويف الجمهور من الخطر القادم عبر ثلاث جبهات. مدعيا ان ليس غيره من يستطيع انقاذ إسرائيل منه.


وملقيا المسؤولية على معارضيه الذين يتحملون المسؤولية عن التدهور الأمني سواء حين كانوا في الحكم بحيث لم يقتلوا ما يكفي من الفلسطينيين، أو حين ذهبوا الى الشارع لتأليبه عليه ما شجع "الإرهابيين" على استغلال ما يجري، على أنه إشارة ضعف.. دون أن ينتبه "ملك الكلام" إلى أنه بذلك يتهم أكثر من نصف إسرائيل، بأنهم طابور خامس يخدم أجندات الأعداء ويوفر لهم ما يصبون إليه، من تدمير الدولة.


كان مؤتمر نتنياهو حلقة من سلسلة ضعفه وتردي مكانته واذا كان قصد ترميم حالته المتصدعة، وحالة حزبه وائتلافه، فقد جانبه الصواب فلا التباهي بإلقاء الاف أطنان القنابل على غزة سيلهب اكف الإسرائيليين من التصفيق له، ولا قصف بعض المواقع الثانوية في جنوب لبنان يسجل نجاحا لردع ينظر اليه في إسرائيل على أنه آخذ بالتآكل، اما توعده لكل أعداء إسرائيل بملاحقتهم أينما وجدوا كي يقطع أيديهم، فلن يجد في إسرائيل من يعتبره جديرا بتجديد الثقة به وقادة المليشيات الذين عينهم أقطابا ووزراء.


ثنائية اللغة وتصدير الأزمة إلى أماكن غير مكانها الحقيقي، لم يجلب على إسرائيل سوى الاضطراب والتشتت والتنقل بين أزمة وأخرى، اما نتنياهو الذي جسد هذه الثنائية بسلوكه وأقواله ومغامراته فقد واصل لعبته المفضلة التي تقوم على معالجة الازمات بالهروب منها، وهو الذي يعرف أكثر من غيره، أن لأزمات إسرائيل الداخلية والخارجية جذر عميق لا قدرة له على اقتلاعه وإلغاءه، وهو احتلاله الشرس لشعب فلسطين ومصادرته الفظة لأبسط حقوقه، وكذلك رهاناته على تطويع المنطقة والعالم للقبول والإذعان لسياساته القائمة على استثنائه واستثناء ما يمثل، من القواعد الأخلاقية والحقوقية والسياسية التي يجمع العالم عليها.


سياسة كهذه سواء اعتنقها نتنياهو أو غيره لن تفضي الا الى ما تراه إسرائيل الآن وتعيشه منذ عقود، وهو وقوفها على السلاح دون شعور بالطمأنينة والأمن والأمان وهذا ما لا نقوله نحن الفلسطينيين بل يقوله أهم المثقفين والكتاب والباحثين في اسرائيل.