إن للنوافل في رمضان فضل كبير ومكانة عظيمة ومكرمة جليلة، فهو شهر عظيم، فيه تتضاعف الحسنات وتتنزل الرحمات وتتوالى المنح الإلهية، فمن كان مقصرًا في نوافل العبادات، فلم يجعل له منها نصيباً، ولم يأخذ لنفسه قسماً مفروضاً، فشهر رمضان فرصة عظيمة للحاق بركب المستغفرين القائمين القانتين، خاصة بالعشر الأواخر في الثلث الأخير من رمضان ثلث العتق من النيران، وصلاة التهجد أحد أهم الصلوات النافلة التي يفضل قيامها في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك وخاصة في الجزء الأخير من الليل.
- صلاة التهجد أحد أفضل العبادات في العشر الأواخر من رمضان
ها قد أطلت علينا العشر الأواخر من رمضان عشر الاجتهاد التي جعلها الله موسمًا للإعتاق من النار، فقد أكرمنا الله ببلوغنا هذه الليالي المباركات؛ خير ليالي العام، وشرع لنا فيها عباداتٍ جليلة ترفع قدرنا ودرجاتنا، وتغفر ذنوبنا وخطايانا، حيث يعدل (الاجتهاد) فيها (الجهادَ) في سبيل الله، بل وقد يَزيد في الأجر والفضل، ورزقنا فيها بليلةٍ مباركةٍ هي خير من ألف شهر، من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان اجتهاداً حتى لا يكاد يُقدَر عليه، فعَنْ عَائِشَة رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ"، وهذا أنه أنَّ رسولنا الكريم صلوات الله وتسليماته عليه يجتهد في زيادة الطاعة والعبادة (ما لا يجتهد في غيره) أي في غير العشر على أمل بلوغ ليلة القدر فيه، وصلاة التهجد أحد أرقى وأفضل العبادات، فالتهجد درجة عالية ومرتفعة عند الله سبحانه وتعالى، وهي تطلق على التطوع بالنفل المطلق، أو المقيد.
- صلاة التهجد صلاة بعد النوم
كلمة تهجد اصطلاحًا تأتي من الهجود والذي يعني ترك النوم، بمعنى: الصلاة في الليل بعد نوم. وصلاة النافلة بالليل تبدأ من بعد فعل صلاة فرض العشاء، وما كان من صلاة نافلة قبل النوم يسمى صلاة قيام الليل وما كان من صلاة نافلة بعد النوم فهو صلاة التهجد، وصلاة التهجد ليست فريضة كما ذكرنا ويثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ووقت صلاة التهجد يفضل أن تُصلى بين منتصف الليل والفجر أي في الثلث الأخير من الليل وصلاة التهجد هي صلاة تطوع ليلية سواء في رمضان أو في الأيام العادية ويمكن للمسلم أن يصليها بمنزله أو بالمسجد عند الاعكاف، وتعد من أفضل القربات إلى الله تعالى.
- فضل صلاة التهجد
صلاة التهجد في رمضان أفضل الأعمال التي يُرجى بها مغفرة الذنوب والعتق من النار في العشر الأواخر، يقول عز وجلّ " وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا"، وقد ورد عن رسولنا الكريم: "أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا."، وفي هذا يخبرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بأفضل كيفية لقيام الليل وصيام التطوع لله تعالى، فقيام الليل به تعلو درجات العبد وقد كان نَبيِّ اللهِ داودَ عليه السَّلامُ ينام نصف الليل الأول، ثم يقوم ثلث الليل متعبدًا متضرعًا مسبحًا الله تعالى، ثم ينام سدسه الأخير، والسبب بأن هذه الطريقة الأحَبَّ إلى اللهِ تعالى لما فيها من الأخذِ بالرِّفقِ على النُّفوسِ الَّتي يُخشَى منها السَّآمةُ والملَلُ الَّذي هو سَببٌ إلى تَرْكِ العِبادةِ، فالله يحب من العبادات أدومها وأكثرها استمرارًا فاللهُ يُحِبُّ أنْ يُديمَ فضْلَه، كما أن النَّومَ بعدَ القِيامِ يُريحُ البدَنَ، ويُذهِبُ ضرَرَ السَّهرِ وذُبولَ الجِسمِ ومشقة التعب بإقامة العبادة.
صلاة التهجد بليالي رمضان تغير من حال المسلم وتبدل في شأنه، وتجعله أكثر قربًا من الله تعالى وذلك في شهر رمضان شهر تزكية النفوس، وخفقان القلوب بحب الله وخشية الأفئدة وخشوعها وخضوعها ونبضها بذكر الله والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاللهم اعصمنا من المعاصي والآثام، واشغلنا بخير ما يرضيك عنا، واشغلنا بك عن همومنا يا مفرج كل كرب، ويا غافر كل ذنب يا رب العالمين، اللهم صلِّ صلاةً كاملةً وسلّم سلاماً تامّاً على نبيٍّ تنحلُّ به العُقَدُ وتنفرجُ به الكُرَبُ وتُقضى به الحوائجُ وتُنالُ به الرغائبُ وحُسنُ الخواتيم ويُستَسقى الغمامُ بوجهه الكريم، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا واجعلنا من عتقائك من النار، وأدخلنا الجنة بلا حساب ولا عذاب، واغفر لنا ولأمواتنا ولأموات المسلمين، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.