إسرائيل بعد رمضان

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

مر شهر رمضان هذا العام دون وقوع ما هو أسوأ بين الفلسطينيين والإسرائيليين ميدانياً، وذلك رغم الاحتكاك، وحرب عض الأصابع التي استعرت مع منتصف الشهر الفضيل، أي حين حل موعد عيد الفصح اليهودي، ورغم اندلاع اشتباك مسلح على أكثر من جبهة، إلا أن مواجهة حادة أو حارقة، كما كان يمكن أي يحدث، لم تقع، خاصة خلال الأيام العشرة الأخيرة من رمضان التي تشهد عادة اعتكافاً متواصلاً من قبل المرابطين في الحرم من المؤمنين، وحقيقة الأمر أن السبب في ذلك يعود إلى أنه تم ردع الإسرائيليين، الذين كانوا هذه المرة أكثر تطرفاً وعدوانية عن أي وقت مضى. وردعهم لم يتم بكل صراحة لا بسبب اجتماع العقبة ولا شرم الشيخ، رغم أن مواقف العديد من الدول، مثل الأردن ومصر وحتى أميركا، كذلك ما يمثله المسجد الأقصى لدى جميع المسلمين من مكانة، تعتبر عوامل مساعدة، أو إضافية، لكن الردع الحقيقي كان في الميدان، حيث أبدى الشعب الفلسطيني عدم خوفه من مواجهة التطرف الإسرائيلي، وأبدى استعداداً عالياً لمواجهة أيّاً كانت وتيرتها من أجل الدفاع عن الأقصى.  
ثم كان رد كل الجبهات المحيطة بإسرائيل سلاحاً فتاكاً، ثبّط عزيمة إسرائيل المعتادة على الاستفراد بواحد من أعدائها، وسحق جبهة وحيدة دون الجبهات الأخرى، أي أن جاهزية المقاومة الفلسطينية بشكل رئيس على مواجهة إسرائيل ميدانياً وسياسياً في كل الجبهات أرعب إسرائيل وفرض عليها التراجع، وهكذا مرت أيام رمضان بدرس، لعل وعسى أن تكون إسرائيل قد حفظته جيداً، وهو استحالة أن يجيء اليوم الذي تنجح فيه بهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكل داود المزعوم مكانه، حتى لو أن جماعة الهيكل هي من كانت تجلس على كراسي الحكومة الإسرائيلية، وليس من ينوب عنها من أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وخير دليل على ذلك هو تدفق المصلين الفلسطينيين من كل أنحاء الضفة الغربية ومن داخل الخط الأخضر لأداء الصلوات في الحرم، حتى بلغ عددهم في بعض أيام الجمع ما يزيد على ربع مليون مصلٍّ، وبإجمالي أعلنه مدير الأوقاف الإسلامية في القدس الشيخ عزام الخطيب بلغ أربعة ملايين، بما يعادل نحو سكان دولة فلسطين في الضفة وغزة والقدس، وهذا رغم العراقيل التي تضعها إسرائيل أمام وصولهم لمسجدهم، فيما اقتحمه بضع مئات من متطرفي اليهود، في ظل حماية الجيش والشرطة الإسرائيلية.
وإسرائيل التي تواجه أصعب مأزق داخلي كما يصفه قادتها، بمن فيهم رئيس الدولة إسحق هرتسوغ، تحاول أن تضع حداً لما تواجهه الحكومة من معارضة سياسية وميدانية متواصلة منذ تشكيلها، وما زالت حيث تنطلق التظاهرات كل يوم سبت من كل أسبوع في المدن الرئيسة، حيفا وتل أبيب وبئر السبع وغيرها، من الطبيعي أن تفكر في فتح معركة خارجية تضع حداً لمشكلتها الداخلية، وهي حاولت ذلك في رمضان، حيث ظنت أن المعركة في القدس، يمكن أن تنتهي بخروج الحكومة من مأزقها حتى لو أدى ذلك إلى شن حرب على غزة، كما اعتادت خلال سنين طويلة مضت، لكن وحيث كان ما كان، وما زالت حكومة نتنياهو تواجه نفس المأزق، فإنها ومنذ اليوم الأول لانتهاء شهر رمضان، بدأت تفكر بصوت مسموع، عمّا يمكن أن تفعله ضد أعدائها في الخارج، والذين باتوا كثراً، كما تعلن إسرائيل نفسها، بل وحيث تعددت الجبهات في الخارج، فإن إسرائيل التي يبدو أنها يئست من قدرتها على جر أميركا لحرب مع إيران، رغم أنها نجحت في قطع الطريق على إدارة جو بايدن من العودة للاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، وذلك لأكثر من سبب، بتقديرنا، منها أن إيران دولة قوية عسكرياً، وإذا كانت إسرائيل تتفوق في سلاح الجو، فإن إيران لديها قوة صاروخية باليستية، كذلك سلاح المسيّرات المتميز عالمياً، كذلك لدى إيران أهم سلاح، ربما لا تمتلكه غيرها من دول المنطقة، وهو سلاح الحلفاء الميدانيين من منظمات وتنظيمات متواجدة في العراق، سورية، اليمن، لبنان، وفلسطين.  
أي أن إسرائيل دون أميركا أجبن من أن تفتح حرباً شاملة مع إيران، لذا فهي حائرة حالياً، بتقديرنا، بعد أن أدركت أن الجبهة الفلسطينية ليست الحلقة الأضعف، ومع استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي تشير إلى أن نصف الإسرائيليين قلقون على مستقبلهم، نقلت القناة «12» أن إسرائيل باتت أكثر قلقاً بعد لقاء وزيرَي خارجية إيران والأردن، طبعاً بعد تطبيع العلاقات ما بين إيران وكل من الإمارات والسعودية، وبعد العودة المرتقبة الشهر القادم لسورية لجامعة الدول العربية، وحضور القمة التي ستعقد في الرياض، ومع تهدئة جبهة اليمن، بعد سورية، وبعد تجنيب غزة ردود فعلها، بإطلاق المقاومة في الضفة الغربية، فإن إسرائيل ما زالت تعتبر مواجهة «حماس» بشكل خاص، أسهل عليها، لأن الحركة ومعها حتى الجهاد الإسلامي، تنتمي لفلسطين، التي هي في حالة حرب مع إسرائيل، و»حماس» رغم صداقتها مع إيران، إلا أنها ليست فصيلاً شيعياً، وفعلاً سبق لإسرائيل أن شنت أكثر من حرب على غزة، دون أن تتسبب حروبها تلك في حرب إقليمية شاملة.
ربما لكل هذا بدأت إسرائيل ترفع من وتيرة التحضير ضد «حماس» على نحو خاص، وبعد أن حمّلتها مسؤولية إطلاق الصواريخ من لبنان خلال شهر رمضان، عادت هذه الأيام لتحمل الشيخ صالح العاروري شخصياً مسؤولية إطلاق 38 صاروخاً، شكلت سابقة، من حيث أن إطلاق الصواريخ على إسرائيل؛ رداً على عربدتها في القدس، لم يأت من غزة، بل فتح عليها جبهة أخرى، وبذكاء منعها من أن ترد بقصف بيروت، وبالطبع هي أجبن من أن تواجه «حزب الله»، لذا ردت بشكل سخيف بقصف مخيم الفلسطينيين في صور.  
كذلك أشارت إلى خطاب مسؤول «حماس» بغزة يحيى السنوار الذي قال فيه: إن وحدة الساحات لم تعد مجرد شعار، بما فهم منه أن ذلك يتضمن فلسطينيي الخط الأخضر، ولهذا رد منصور عباس، الوزير في الحكومة الإسرائيلية السابقة، بتحذير «حماس» وحتى السلطة الفلسطينية مما سمّاه التدخل في الشؤون الإسرائيلية الداخلية، والاتصال بالفلسطينيين من مواطني الدولة، لكن أهم ما يفضح نوايا إسرائيل هو مطالبة بن غفير بالعودة لسياسة الاغتيالات، وربما هذا أيضاً ما يفكر فيه نتنياهو، لكنه يريد التنفيذ دون الإعلان، كما كانت تفعل إسرائيل منذ عقود، وهكذا يمكن التوقع بأن إسرائيل تفكر في استهداف حياة   صالح العاروري ويحيى السنوار.
لكن يبدو أن إسرائيل التي تثير المخاوف من توتر محتمل، في أكثر من وجهة واتجاه، تفكر في البدء باستخراج الغاز من حصتها التي تحددت وفق الاتفاق مع لبنان، الذي وقّع عليه الطرفان في آخر عهد حكومة يائير لابيد البديلة، ذلك الاتفاق الذي أعلن بنيامين نتنياهو رفضه له، بحيث أن إسرائيل تفكر في أن تستخرج الغاز من جانبها، وتحاول في نفس الوقت أن تمنع لبنان من فعل الشيء ذاته، وفق الاتفاق، وهذا لو حدث بالطبع قد يتسبب في اندلاع حرب بين إسرائيل و»حزب الله»، لذا فإن الجيش الإسرائيلي أعلن، أول من أمس، عن تنفيذ أربع سفن من طراز ساعر 6 مهمات بحرية لحماية منصات الغاز الإسرائيلية.
ولأن الخسارات تتتابع في الجانب الإسرائيلي، ولم يقتصر الأمر على المواجهة الميدانية، فحسب، فإن النجاحات التي تحققها إيران تباعاً مع الدول العربية، جعلت من اتفاقيات التطبيع، وهي أهم منجز سياسي إسرائيلي منذ ثلاثين أو حتى أربعين عاماً، أمراً بلا معنى، وكشفت عورة اتفاقيات أبراهام، لجهة أنها لم تعد مقدمة لتحالف أمني إسرائيلي - عربي خليجي ضد إيران، كما أنها لم تدفع إسرائيل للتقدم على طريق الحل السياسي للقضية الفلسطينية، بل على العكس من ذلك دفعتها للتشدد، وحتى أن الرد على فتح السفارة الإسرائيلية في تركمانستان على بعد بضعة كيلومترات من إيران، جاء سريعاً بلقاء وزيرَي خارجية الأردن وإيران، وهكذا فإنه مقابل أن اقتربت إسرائيل من حدود إيران في الخليج العربي وآسيا الوسطى، فإن إيران وضعت قدمها الثانية على مقربة من أطول حدود برية مع إسرائيل.