من الدعوات "لإبقاء السياسة خارج المقابر" يمكن أن نفهم بالخطأ بأنها لم تطأها أبداً، وبالتأكيد في يوم الذكرى.
أما الحقيقة فهي معاكسة: حتى حسب التفسير الأكثر رسمية، الذي يتجاهل دور السياسة في التسبب بالثكل، فإنه في اللحظة التي تطأ فيها قدم السياسي المقابر، تكون السياسة دخلت إلى المقابر.
ولما كان هذا هو العرف على مدى السنين فإن السياسة توجد في المقابر. مثلاً عائلات شهداء حرب لبنان الأولى التي جنّت لفكرة أن الراحل أرئيل شارون يمثلها.
وعليه فإن قصة يوم الذكرى الحالي ليست قصة "تسييسه"، بل ما يمثله: الاستعداد للوداع النهائي والأليم لفصل "جيش الشعب".
انتهت الفكرة ذاتها قبل ذلك: فمعطيات التجنيد فككتها، بداية رويداً رويداً وفي السنوات الأخيرة بوتيرة أسرع، مع اتساع الشروخ بين القبائل وكذا بسبب ثورات تكنولوجية وثقافية تجري في كل العالم.
في السياق الإسرائيلي مثلاً تُغير التغييرات التي طرأت في ميدان القتال بالضرورة مسألة كيف يبنى جيش لمهام القرن الواحد والعشرين.
وحتى قبل أن نفهم إذا كان ممكناً على الإطلاق وجود "جيش الشعب" في إسرائيل (باختصار: لا)، ينبغي أن نسأل بأي قدر ينبغي أن يكون هكذا.
وبالذات في موضوع الاحتجاج في يوم الذكرى فإن التوتر الشديد حول خطط تغيير النظام هو خلفية عاطفية أكثر مما هو سبب مركزي. فالمفارقة في وجود المداولات حول "قانون التجنيد" الجديد هذه الأيام ذات صلة أكبر بالهواجس الثائرة. فالانشغال بالخدمة العسكرية لمندوبي الحكومة لا يمكن أن يكون مكثفاً بهذا القدر لو لم يكونوا هم الذين يقفون أمام حسم تاريخي، إذا كان سيخُلد التمييز الأساسي بين القبائل.
مبنى لجنة تعيين القضاة موضوع حرج في الديمقراطية، لكن في سياق يوم الذكرى توجد أهمية أكبر لمسألة إذا كان وزير يدفع نحو تخليد تشويه اجتماعي ووطني هو الرجل السليم لأن يتحدث أمام العائلات عن تضحيتها.
غير أن هذه الخطيئة الإشكالية للغاية يرتكبها أولئك الذين لا يعرضون لمواطني ومواطنات إسرائيل الأمور كما هي، ويصرون على أن يقولوا المرة تلو الأخرى إن "جيش الشعب" هو الخيار الوحيد وليس غيره، رغم أنه بحكم الأمر الواقع خيار محطم ومتبدد. "لا يوجد ومن المحظور أن يكون له بديل"، قال رئيس الأركان، الأسبوع الماضي، عن النموذج، "هذا سر قوة الجيش الإسرائيلي، هذا سر قوة الأمة".
خسارة فقط أنه في هذه الجملة أثبت الفريق هرتسي هليفي قصر رؤية وانعدام شجاعة جماهيرية، لكنه دون أن يقصد ساهم أيضا في تعزيز منطقي لحجة أن "جيش الشعب" تحطم: فإذا كان النموذج آنف الذكر هو "سر قوة الأمة" والأمة كما يبدو تعاني ضعفاً واضحاً، مؤخراً، فيبدو أن شيئاً ما مبدئياً قد فسد. والسبيل لإصلاحه، إذا كان هذا ممكناً في ضوء الميول الديمغرافية، الاقتصادية، والتكنولوجية، فإنه ليس عبر التصريحات الفارغة.
ويخيل أن المعادلة الفكرية إياها حول مسألة "جيش الشعب" كبتت على مدى زمن طويل.
لعل هذا كان كافياً لأجل اجتياز ثلاثة أرباع قرن، إنجاز استثنائي، لكن الإحساس هو أنه فضلاً عن كل شيء ينبغي التسليم بأن الإطار نفسه اجتاز تحولاً وما كان لن يبقى.
إن نزاع الحياة لـ "جيش الشعب" هو فقط جزء من تلك المسيرة المضنية والمحتمة. وهي ستستمر سواء خطب الوزير إيتمار بن غفير في المقبرة أم لا.
عن "يديعوت"